الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 08:02

طلابنا ومشاهد الحرب

منال غانم مصطفى
نُشر: 12/01/24 11:21,  حُتلن: 20:44

عندما يتعرض الطلاب لمشاهد من الحروب كالدمار، البكاء، الصراخ، الهلع، التشريد، الموت وصور أخرى للعنف، عبر وسائل الإعلام، فقد تثير اهتمامهم وحب استطلاعهم للبحث عن المزيد من الأفلام والصور، ويمكن أن يكون لهذه المشاهد تأثيرات خطيرة على نفسياتهم الناشئة وإثارة المشاعر السلبية فيهم.

ومن الظواهر البارزة والتي تثير الاهتمام عند طلابنا في هذه الفترة الصعبة التي نعيشها هي شغفهم للحديث ودون توقف عن هذه المشاهد والتعبير عما يشعرونه حيالها ومحاولات أخرى لأخذ أي موضوع يتم نقاشه بالصف الدراسي مما يقودهم الى ربطه بموضوع مشاهد الحرب والتكلم امام اصدقائهم عن تلك المشاهد ويثير تساؤلات عندهم عن مفاهيم ومعان لمصطلحات وكلمات تم سماعها واكتسابها من هذه الفترة.

مثل: نزوح، إجلاء، هدنة، حصار، معبر، مفاوضات، إرهاب، مدنيين وأسماء لآليات وأسلحة وغيرها من المفردات.

إضافة الى تساؤلاتهم الدائمة عن موضوع الهوية ولمن ننتمي، نحن عرب والحرب ضد العرب ونحن نعيش في إسرائيل إذا من نحن!؟

وتساؤلات أخرى حول مخاوفهم بتوسع الحرب، وما هو مصيرنا! وهل التمارين التي نقوم بها بالمدارس كافية للحفاظ علينا أحياء.

أسئلة كثيرة تسأل من قبل طلابنا ولا يمكن منعها ولا حتى الحد منها.

ان مشاهدة أفلام الحرب متوفرة بجميع وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما في تطبيق "التوكتك" الصيني المحبوب لدى الأولاد عامة، فكل طالب يستطيع ان يصل الى هذه الأفلام من تلفونه الخاص دون مساعدة أحد وبما ان هنالك تفاوت بالفهم والاستيعاب فكل طالب يستطيع أن يفهم ما يراه بطريقة مختلفة وقد يكون لها تأثير مختلف على نفسياتهم لاحقا.

 فالأولاد قد يفتقرون إلى القدرة على فهم السياق الكامل للأحداث وتأثيراتها إذا لم يتوفر للطالب شرح وفير مساعد ومناسب لسنّه كي يتمكن من استيعاب هذه المشاهد. فالطالب الصغير في فترة المرحلة الابتدائية يحتاج الى شرح واضح وسهل الاستيعاب والأهم من ذلك عدم تزوير الحقائق وشرحها بشكل مبسط تتناسب مع الجيل، حتى لا يفقد الثقة بالمعلم ودون المساس بشعورهم بالأمان.

تكمن أحد المخاطر الرئيسية في أنّ مشاهدة مشاهد الحروب بشكل يومي ودون رقابة من الاهل قد تسبب في زيادة مستويات التوتر والقلق لدى الأولاد، حيث يجدون صعوبة في معالجة مشاعرهم وفهم مدى خطورة الأحداث التي يشاهدونها. يمكن أن يتسبب هذا في ظهور أعراض من الصدمات النفسية، مثل الكوابيس وصور ذهنية متلازمة بمخيلة الطالب والتي قد تخرج بشكل مشاعر حزن او خوف وإحباط مستمر.

وعلى المدى الطويل قد تؤدي هذه المشاهدات إلى تأثيرات على نمو الأطفال العقلي والاجتماعي. وأن تزيد من ميل الأطفال إلى السلوكيات العدوانية، أو تجعلهم يظهرون سلوكيات انعزالية، كما قد تؤثر على تطوير مفاهيمهم للعالم وعلى تشكيل آرائهم حول العنف والصراعات.

لذلك تقع على الاهل مسؤولية ودور كبير بمراعاة ما يتحدثون به أمام أولادهم ومراقبة ما يتابعونه، والتوضيح المبسط لهم بطريقة مناسبة لأعمارهم والإجابة عن جميع استفساراتهم وعدم تجاهلها، ويجدر الالتفات إلى أنّ الصغار في هذه الظروف الصعبة، وبلا أدنى شك يتأثرون بما يفعله أمامهم الكبار ويحاولون تقليدهم، ولا شك في أن الطلاب أيضًا يتأثرون بسلوك شخصيّات قياديّة وعسكريّة، سياسيّة وإعلاميّة يتكرر ظهورها في وسائل الإعلام ووسائل التّواص الاجتماعي، في هذه الظروف العصيبة من الصراعات والحروب. ولذا يجب أن نكون لهم قدوة بسلوكياتنا السويّة وأفعالنا الحسنة.

كذلك على الأهل والمربين مراقبة المحتوى الذي يتعرض له الأطفال وتقديم دعم نفسي لهم عند الحاجة. يمكن تحقيق ذلك من خلال فتح قنوات الاتصال وتشجيع النقاش حول المواضيع الحساسة بالبيت ومع الاهل وبالمدرسة، فتح باب النقاش الحر وعدم التهرب ولا من التفسير والتوضيح.

وكذلك يترتب على وزارة المعارف بصفتها الجهة المسؤولة عن الأوضاع التعليمية والمناهج التربوية، وبكل ما يتعلق بالمدارس والطلاب، عليها بناء برامج وإعداد أساليب تعليمية وتربوية ذات مبان مهنية، تساعد على تهيئة الطلاب للعيش في مناخات تعليمية وأجواء تربوية حتى يجتازوا ظروف هذه الحرب العصيبة، فالحرب ظرف حالي وحدث آني سيمر، ولكن السؤال الذي يبقى ماذا سيترك هذا الظرف وهذا الحدث من آثار؟ وهو الأمر الذي يستدعي النظر إليه وإلى العديد من الأوضاع التي يجب تدريب طلابنا نظريا وعمليا للتعامل معها، ومن أبرزها حالة العنف والجريمة السائدة في المجتمع، غير غافلين عن التمييز العنصري ضدّ العرب في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، ولا عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والمادية عامة،  كل ذلك يتطلب الاهتمام به بدرء مخاطره أولا واجتيازه إلى أجواء وظروف يطيب للإنسان المعاصر  العيش فيها، وفيها كذلك يتمكن طلابنا من مواكبة المجريات الطارئة والمستجدات الخطيرة، بالاستمرار في بناء أنفسهم وتحقيق ذواتهم وإفادة مجتمعهم بتعزيز انتمائهم اليه، وليكونوا أجزاء منتجين ومبدعين فيه.  

مقالات متعلقة