قراءة في التباينات الاسرائيلية تجاه الحالة السورية

أمير مخول، مركز
نُشر: 20/07/25 17:24

قراءة في التباينات الاسرائيلية تجاه الحالة السورية
أمير مخول، مركز تقدم للسياسات
تتعدد القراءات الاسرائيلية للتدخل العسكري في سوريا وتحت يافطة "حماية الاقلية الدرزية"، الا انها قراءات متفاوتة ومتباينة. يتحدث وزير الأمن كاتس عن  "ضربات مؤلمة" للنظام السوري، وهو بذلك يوضح بأن الهدف ليس اسقاط النظام كما يدعو سياسيون اسرائيليون كثر، بل يسعى الى فرض شروط محددة على النظام، وفي سياق التحولات الجوهرية في العلاقة بين البلدين نحو التوافق الامني بشروط اسرائيلية، وحتى نحو التطبيع الضمني حتى وإن لم يكن معلنا نظرا لاستحقاقات ذلك من اسرائيل. فيما تنتقد الولايات المتحدة التدخل الاسرائيلي، لكن دونما صدور قرار بوقف ذلك التدخل، بل تدعو الى "وقف إطلاق النار بين البلدين" وهو إطلاق نار من طرف واحد. فيما لا تزال ادارة ترامب تراهن على النفوذ التركي في سوريا وتسعى لإقامة محور امريكي تركي قطري في سوريا.
الاهداف الأخرى لقصف دمشق:
في المقاربات الإسرائيلية المختلفة للموقف من سوريا، في الأوساط الإعلامية والأكاديمية والسياسية، ما يحمل تباينا وتناقضا بين المعلن وبين الأهداف البعيدة والاستراتيجية :
في قراءته للتدخل الاسرائيلي العسكري الحالي في سوريا يصل حاي إيتان كوهين يانروجاك الباحث في مركز ديان والخبير في الشأن التركي الى الاستنتاج بأن "الصدام الاسرائيلي مع سوريا هو انتصار استراتيجي لأردوغان". 
يرى ايتان أيضا بأن مواجهات السويداء وهجمات المليشيات المسلحة قد "بعثرت الاوراق وأبعدت سوريا عن مساق الاتفاقات الابراهيمية" الذي كانت تسير فيه. بينما تستفيد تركيا صاحبة النفوذ الاقوى على النظام السوري، وتعزز وفقا للباحث حلقة العزلة حول اسرائيل من خلال حملة نزع شرعية دولية عنها مقابل اقامة تركيا لتحالفات واصطفافات تدور حول سوريا.
تؤكد القراءات الاسرائيلية وجود تباين بين موقف حكومة نتنياهو وادارة ترامب، كما تشير التصريحات السياسية انه لا يوجد اجماع اسرائيلي داخلي حول طبيعة التدخل الاسرائيلي في سوريا وحصريا تصريحات رئيس المعارضة لبيد والتي انتقد فيها بشدة الغارة على محيط القصر الرئاسي في دمشق. واذ عبرت ادارة ترامب عن موقفها الذي لا ينظر بعين الرضى للتدخل الاسرائيلي في سوريا، بل يسعى الى تفاهمات تركية اسرائيلية في الشأن السوري، وتعترف ادارة ترامب بالنفوذ التركي وتسعى للتعاون معه ومع قطر في اعادة اعمار سوريا وتحديث الدولة.
ما يؤكد التباعد في الاولويات بين ادارة ترامب وحكومة نتنياهو هو ما اوردته صحيفة معاريف 18 تموز عن تعاقد ثلاث شركات امريكية كبرى تعمل في مجالات الطاقة لتطوير مخطط شامل لبناء وتحديث بنية منشئات النفط والغاز والكهرباء السورية المدمرة، وكذلك التنقيب عن النفط والغاز وتوليد الكهرباء في مختلف المناطق، حيث انهار توليد الكهرباء قياسا بالعام 2011 بنسبة 80%. ومن المفارقات ان يونتان باس الملياردير الامريكي المقرب من ترامب وصاحب احدى أكبر الشركات المذكورة Argent LNG  كان يمكث في العاصمة دمشق لإرساء المشاريع المذكورة حين بدأت الغارات الاسرائيلية.  فيما ترى الصحيفة بأن الاستثمارات الضخمة بدأت ترد الى سوريا في اعقاب ازالة العقوبات الامريكية على سوريا والغاء صفة الارهاب عن تنظيم هيئة تحرير الشام التي يرأسها الشرع، ومما اتاح المجال لتدفق الاستثمارات الخليجية وحصريا القَطرية حاليا. 
يشير باحثو معهد دايان في جامعة تل ابيب الى التساؤلات التي راودت المؤسسة الاسرائيلية حول مدى ثبات النظام ومدى قدرة الرئيس السوري على السيطرة فعليا على سوريا، وهي مسألة تثير الحيرة اسرائيليا. كما يعيد الباحث التذكير بتصريحات ترامب خلال زيارة نتنياهو السابقة الى البيت الابيض حين "هنّأ ترامب الرئيس التركي اردوغان على نجاحه في بسط نفوذه على سوريا".
التقديرات بان التوتر التركي الاسرائيلي في سوريا يعود الى اعتماد تركيا موقفا مسنودا بالأمن القومي التركي، وهو الحيلولة دون انضمام نظام الشرع الى الاتفاقات الإبراهيمية. بل ان تركيا عارضت في حينه تلك الاتفاقات التي وقعتها الامارات والبحرين. بل يضيف بأنه منذ اندلاع الحرب في غزة، ليس سراً أن الرئيس التركي لا يحبذ حقاً فكرة توسيع اتفاقيات إبراهيم، والتي لن تؤدي من وجهة نظره إلى إضفاء الشرعية على إسرائيل فحسب، بل تشمل سوريا أيضاً، مما سيكون على حساب النفوذ التركي فيها منذ سقوط نظام الاسد.
وفقا لمعهد دايان، كان من شأن انضمام سوريا إلى اتفاقيات إبراهام، أو توقيع معاهدة عدم اعتداء مع إسرائيل، أن يُقرّبها من محور اتفاقيات إبراهام لكن السيناريو برمته انهار في السويداء. فانهيار انضمام دمشق إلى اتفاقيات أبراهام لم يخدم سوى المصالح التركية، وعمّق اعتماد النظام السوري على أنقرة. 
في هذه المرحلة، يمكن القول إنه رغم الدمار الذي ألحقه سلاح الجو الإسرائيلي بدمشق، فقد حقق أردوغان ما أراد؛ تعزيز نفوذ بلاده في سوريا وعزل إسرائيل في المنطقة وتطويقها من خلال تحالفات مع الدول العربية. في المقابل حققت اسرائيل من وجهة نظرها هدفا هاما في التدخل العسكري بأن أثبتت للشرق الأوسط بأسره أن الخط الأحمر الإسرائيلي، أحمر حقًا.
الهدف ليس اسقاط نظام الشرع:
ربط هذه المعطيات مع تصريحات وزير الامن الاسرائيلي كاتس بأن اسرائيل توجه ضربات "موجعة" لنظام الشرع، والذي يحمل اشارة الى كنه التوجه الاسرائيلي الذي يمكن تلخيصه بالتالي: 
عدم اسقاط النظام فيما لو كانت تملك القدرة على ذلك، بل ثنيه عن تجاوز "الخطوط الحمراء" الاسرائيلية وهي؛ نزع السلاح في كل المنطقة جنوب دمشق وحتى الجولان المحتل عام 1967؛ الابقاء على المناطق التي احتلتها اسرائيل في اعقاب سقوط نظام الاسد؛ فيما ان حماية الاقليات المعنية بها اسرائيل اي الدروز والكرد، هي مسألة مشكوك بها حتى اسرائيليا، اذ يوجد رأي قوي وواسع النطاق اسرائيليا بأن تل ابيب ملزمة للدروز مواطنيها وفقط لهم.  
فيما يتهم البعض حكومة نتنياهو بأنها تقوم بذلك لدوافع سياسية، تعزو بعض هذه التحليلات الى ان الحركة الصهيونية تاريخيا سعت للتحالف مع "الاقليات" في المحيط العربي ودفع بريطانيا وفرنسا الى تبنيها ايضا سعيا لإقامة دويلات جهوية وطائفية واثنية تبرر قيام دولة اليهود في فلسطين، وتشكل وسيلة لتفكيك المحيط العربي. لكن في نظرة تاريخية فإن هذا المنحى اعتمد أهدافا كبرى مثل الوصول الى مصادر المياه المحيطة بالدولة اليهودية العتيدة وقد برزت هذه المطامع في لبنان للسيطرة على نهر الليطاني وحين اخفقت بات الحديث عن تحويل مياه النهر من خلال انفاق تحته تشكل روافد اصطناعية.
موقف اسرائيلي اخر في هذا السياق هو لمحلل الشؤون العربية في موقع آي24 باروخ يديد، والذي يبين الاولويات الاسرائيلية في الحكم على الشرع. وفقا له فإن الحكم إسرائيليا على احمد الشرع هو بقدر ملاءمة دوره لأهم الاولويات الاسرائيلية. يكتب يديد عن الشرع بأنه "هو الرجل الذي أمر بالإعدامات، والذي حكم بالشريعة الإسلامية. ولكنه أيضًا الرجل الذي يتميز بالقطيعة مع طهران، ولم يُطلِق صاروخًا واحدًا على إسرائيل". ثم يضيف بأن الشرع قد حصل على اتفاق مساعدات امريكية، وبات اليوم "شريكا في الاستراتيجية الجديدة في سوريا برعاية تركيا وبموافقة الولايات المتحدة".
بدوره يساند د. كفير تشوفا التدخل الاسرائيلي ويحذر من التخلي عن الدروز في جنوب سوريا والكرد في شمالها، ويدعو الى اشتراط الاتفاق الامني مع سوريا واحتمالية انضمام سوريا الى اتفاقات ابراهام، بالتزامات مع ضمانات لحماية المجموعتين المعنية بهما اسرائيل واللتين تعتبرهما "حلفاءها". يضيف الباحث في الاقتصاد ونظرية الالعاب بأن عدم اصرار اسرائيل على هذه الشروط سيدفع الى فقدان "أحد اهم روافع استراتيجيتها في ضمان الهدوء والاستقرار على حدودها". كما يرى بالتدخل الاسرائيلي العسكري ضامنا لتغيير سياسة النظام بما يخدم مصالحها الامنية.
موقف مخالف يطرحه المحلل العسكري لصحيفة يديعوت احرونوت رون بن يشاي.  في مقابلة متلفزة يوم 18 تموز/يوليو، اشار الى ارتباك الموقف الاسرائيلي والخلط ما بين منظور الامن القومي الاسرائيلي والسياسات الداخلية. يقول بن يشاي "نحن لا نعرف مَن يذبح مَن في سوريا، والقوى المتصارعة هناك لا نعرف من هي"، ثم يحذر من التدخل الاسرائيلي كما هو حاصل وذلك بالاعتراض على موقف وزير الامن كاتس وموقف نتنياهو، ويتساءل الصحفي اذا ما كانت اسرائيل تريد وحدة الدولة السورية الجديدة.

الخلاصة:
**تشير المواقف والتحليلات الاسرائيلية الى ارتباك استراتيجي يجد تعبيره في التدخل العسكري في سوريا. كما عزز التحول الحاد والسريع في الموقف من اتفاق أمنى بمنزلة اتفاق سلام مع سوريا والمساعي لضمها الى الاتفاقات الإبراهيمية والتطبيع، الى الغارات الجوية الاسرائيلية التي هددت حتى محيط القصر الرئاسي في دمشق.
**تشير القراءات الاسرائيلية الى تباعد معين مع موقف واشنطن، وتلمح الى مساع اسرائيلية للتخريب على التقارب الامريكي التركي وعلى مبايعة ترامب للنفوذ التركي. كما تسعى اسرائيل لفرض شروطها على النظام السوري وعلى تركيا في تقاسم النفوذ ومنع اي وجود مسلح جنوب دمشق وحتى الجولان المحتل عام 67، وإخضاع هذه المنطقة للنفوذ الامني الاسرائيلي.
**تفيد القراءات الاسرائيلية باحتمالية ان يرتد التدخل العسكري في سوريا عليها، أو ان يتحول الجنوب السوري برمته الى منطقة خارجة عن السيطرة الامنية.
**لا يوجد اجماع اسرائيلي بصدد الموقف من السوريين الدروز، بل هناك من يعتبره يصب في احتياجات نتنياهو السياسية داخليا، او باعتباره تسويغا للتدخل الاسرائيلي المستدام في سوريا. فيما تعلو الاصوات الاسرائيلية بأن دولتهم ملتزمة تجاه مواطنيها الدروز فحسب. كما وهناك اصوات تؤكد ان اسرائيل تضع الدروز السوريين في دائرة  الخطر وسعيها لفرض التحالف القسري عليهم وطلب حمايتها.
**التدخل العسكري الاسرائيلي تحت يافطة حماية الدروز، هو استغلال وظيفي من اجل فرض قواعد تفاوض مع النظام السوري وسعيا لتطويعه لصالح اسرائيل.
**لا تزال التقديرات الاسرائيلية بصدد وحدة سوريا او تفككها وما الافضل لإسرائيل، مسألة غير محسومة على الرغم من المنحى العام بعد سقوط نظام الاسد، ألا وهو الرهان على الحوار مع النظام وضمان مركزتيه وسلطته القوية تجاه الداخل السوري والتسليم بتقاسم النفوذ بدلا من الرهان الاستراتيجي السابق على الاقليات. 
**ركن اساسي في السياسة الاسرائيلية هو التحول الذي احدثه النظام الحالي في فك الارتباط بإيران والاجهاز على استراتيجيتها في المحور الذي اقامته في العقدين الاخيرين. 
**ما يهم المؤسسة الاسرائيلية للمدى البعيد هو مدى توافق او عدم توافق النظام السوري مع استراتيجياتها اقليمياً.
 

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة