يُجمع دارسون ومهتمون على أن الشعر العربي الحديث، قدّم منذ ولادته المتفق عليها في اواخر الاربعينيات، اضافات جمالية حقيقية وجديرة بالاهتمام، إلى شعرنا العربي القديم، تشبه إلى حد بعيد ما قدمته الموشحات الاندلسية والزجل الشعبي إلى ديوان شعرنا العربي العريق والعامر. وقد بدا من اقبال الشعراء والقراء على حد سواء على هذا الشعر، المولود الجديد الرائع، اننا انما نقف امام ثورة عارمة، حقيقية وجديرة في شعرنا العربي، ثورة تضيف إلى ما سبق وقيل من شعر جميل عبر العصور السابقة المتتابعة.
انطلقت البداية الحقيقية لشعرنا الحديث من القطر العربي العراقي، وهناك نقاش لا ينتهي حول اول من كتبها، اهو بدر شاكر السياب، ام نازك الملائكة، علمًا أن هذه الاخيرة وضعت كتابًا هامًا حول "قضايا الشعر العربي المعاصر"، حاولت ان تقعد فيه لهذا الشعر بنفس القدر التي حاولت فيه الاشارة القوية إليه واللفت إلى اهميته في تطور شعرنا العربي عامة، بل انني اذكر أن هناك العشرات من النقاد الذين قالوا بان الشعر الحديث ولد على يد هذا الشاعر او ذاك وتردّد اسم الكاتب الشاعر المصري العربي علي احمد باكثير في اكثر من رأي وقول. ومما اذكره فيما يتعلق بشعرنا العربي المحلي ان الشاعر المبدع الصديق حنا ابو حنا، صرح في جلسة ادبية كنت من حاضريها والمشاركين فيها، انه سبق الجميع في كتابته الشعر الحديث، وقد كتبت في اكثر من موقع ومناسبة اقول ليس المهم في رأيي، من كان الاول تاريخيًا وانما الاهم هو من الاول ابدعيًا. وما زال هذا النقاش جاريًا واعتقد انه ما دام هناك دارسون ومهتمون فانه لن يتوقف وسوف يجد من يعود إليه ليحفر في تاريخه.
مع هذا كله، لم يتفق الدارسون المهتمون حتى الآن على تسمية واضحة، جامعة مانعة كما يريد اهل القول والمنطق، فمنهم، اضافة إلى ما سبقت الاشارة اليه، من اطلق عليه الشعر الحر ومنهم من اطلق عليه الشعر الحديث، بل منهم من ذهب إلى تسميات اخرى، مثل الشعر الجديد وشعر التفعيلة، وقد جسد هذا التنوع والتخبط في التسميات مشكلة جدية وحقيقية في أدبنا العربي عامة، هي مشكلة المصطلح والاتفاق على تسمية واحدة، واذا جاز لي ان اقول رأيي في هذه التسمية المعقدة، فإنني ارى ان تسمية شعر التفعيلة هو الاقرب الى المنطق والواقع، فهذا الشعر اخذ بأوزان الشعر العربي القديم، إلا أنه لم يلتزم بعدد التفاعيل في البيت الشعري الواحد، كما فعل شعرنا العربي على مدار القرون التالية على ولادته.
خلافًا لقصيدة النثر، كما ذكرنا في مقالة سابقة، ما ان ولد شعر التفعيلة، حتى اقبل الشعراء المبدعون والقراء المهتمون عليه، اولئك يقدمون الدرر الشعرية، وهؤلاء يُقبلون على قراءتها، كل من الطرفين يُقبل بحماس منقطع النظير، وقد عاد هذا الاقبال إلى سببين رئيسيين اراهما على جانب خاص من الاهمية، واشير اليهما ، معتمدًا على قراءات موسعة في الشعر والادب والنقد، فيما يلي:
*التلاحم والتواصل: وقد تمثّل هذا اضافة إلى ما سبقت الاشارة إليه، الانتقال من عدد التفاعيل المحدد إلى غير المحدد في الشعر الحديث، الى تواصل شعراء التفعيلة مع التراث العربي الشعري القديم، وقد تجلّى هذا التواصل في الاهتمام الشديد الذي اولاه هؤلاء الشعراء لقراءة الشعر العربي جماليات واساليب، كما فعل الشاعر صلاح عبد الصبور مثلّا في كتابه عن سيرة حياته( حياتي في الشعر)، وفي كتاب آخر حمله عنوان "قراءة جديدة لشعرنا القديم"، وكما فعل الشاعر علي احمد سعيد- ادونيس، في كتابه مقدمة للشعر العربي وغيره. كما تجلى هذا التلاحم بين الجديد والقديم في دراسات كتبها نقاد مُجلون حول ملامح القديم في شعر التفعيلة او الشعر الجديد.
*المواكبة والابداع الشعري الصافي: لقد قدم العديد من الشعراء العرب الجدد، ابداعات لافتة جدًا فيما قدموه في مجال شعر التفعيلة، واذكر من هؤلاء مثلا وليس حصرًا كلًا من الشعراء: بدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي، من العراق. احمد عبد المعطي حجازي وامل ونقل من مصر، سميح القاسم في كثير من انتاجه، محمود درويش في انتاجه خلال العقد الاخير من وجوده بيننا خاصة. محمد الفيتوري من السودان، شوقي بغدادي من سوريا وغيرهم وغيرهم، فمائدة شعرنا العربي الجديد، التفعيلة، عامرة، ويحتاج ايراد مبدعيها إلى مسرد خاص، وهذا يعني انني اذا لم اذكر شاعرًا مهما، فان هذا لا يقول انه ليس مهمًا او يقل اهمية عمن ذكرتهم.
لفائدة من يريد التوسع والتمتع بقراءة نماذج رائعة من اضافات الشعر الجديد إلى القديم، اقترح المجموعات الشعرية التالية معتبرًا ان هذه المجموعات تشكل نموذجًا، ولا يعني انه لا يوجد سواها في مستواها:
*انشودة المطر- بدر شاكر السياب.
*بستان عائشة – عبد الوهاب البياتي.
*احلام الفارس القديم- صلاح عبد الصبور.
*كائنات مملكة الليل- احمد عبد المعطي حجازي.
*العهد الاتي- امل دنقل.
*الموت الاكبر- سميح القاسم.
*الجدارية- محمود درويش.
*عاشق من افريقيا- محمد الفيتوري.
*من كل بستان – شوقي بغدادي.
والقائمة تطول.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency