أنت الدعوة ولو كنت وحدك
الشيخ محمود وتد- عضو حركة الدعوة والإصلاح
والوحشة في طريق الدعوة أمر طبيعي، بل هي علامة على أنك تسلك طريقًا لا يسلكه كثيرون. وقد كان السلف يقولون: "عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين".
في زمنٍ تتلاطم فيه أمواج الباطل، وتعلو فيه أصوات ضجيجه حتى تكاد تحجب همس الحق، أو تجد نفسك غريبًا وحيدًا في ميدان الدعوة، لا يشاركك فيه إلا قلة قليلة. وربما يوسوس الشيطان في قلبك: "ما الفائدة من دعوتك وأنت وحدك؟ وهل ستغير شيئًا؟". لكن الحقيقة أن الدعوة ليست مرتبطة بالكثرة، ولا مشروطة بحضور الجماهير، وإنما هي رسالة يؤديها العبد لوجه الله، سواء أوُجِد السامعون أم لم يوجَدوا، وسواء وجد من يعينه أم لم يجد.
لقد قصّ الله تعالى علينا في كتابه الكريم قصص الأنبياء والرسل، وفيها عبرة لكل داعية. يقول تعالى عن إبراهيم عليه السلام: "إن إبراهيم كان أمةً قانتًا لله حنيفًا" 120،سورة النحل، سماه الله عز وجل أمة، رغم أنه كان فردًا واحدًا، لأنه قام بأمر الله وواجه الباطل بشجاعة، وثبت على الحق أمام قومه جميعًا. لقد واجه الطغيان، وكُسرت الأصنام أمامه، وأُلقي في النار، لكنه لم يتراجع، فخلّد الله ذكره، وجعل دعوته أساسًا لكل الرسالات من بعده.
وكذلك نوح عليه السلام، لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، يدعوهم ليلًا ونهارًا، سرًا وجهرًا، ولم يؤمن معه إلا قليل. ومع ذلك، لم يترك الدعوة، ولم يقل: "ما داموا لا يستجيبون، فلأصمت". بل واصل حتى أتم رسالته، ونجاه الله ومن معه، وجعل الباقين عبرة للتاريخ.
إن المقياس الحقيقي لقيمة الدعوة ليس عدد المستجيبين، وإنما صدق النية وثبات الموقف. كم من كلمة صادقة قيلت في وقتٍ ظن صاحبها أنها ستضيع، فإذا بها تزرع بذرة إيمان في قلب إنسان، فيكبر أثرها مع الأيام، وربما كانت سببًا في هداية أجيال.
الدعوة قد تكون في خطبة منبرية، وقد تكون في مقطع فيديو، وقد تكون في مقالة تُقرأ، لكنها أيضًا قد تكون في موقف حياتي بسيط: نصيحة لطالب، كلمة تذكير في مجلس، ابتسامة صدق تُشعر الآخر بقيمة الأخلاق في الإسلام، أو دعوة في ظهر الغيب تدل على معاني الأخوة الإيمانية والانتماء الحقيقي للدعوة. ولربما لا يعرف الناس اسمك، لكن الله جل جلاله يعلمك، ويكتب لك الأجر كاملًا.
إن الدعوة تبدأ من نفسك أولًا، ثم من بيتك وأهلك، ثم من محيطك الصغير. لا تنتظر أن تملك منبرًا أو منصة أو جمهورًا، فكل إنسان مؤمن هو في ذاته منبر. والأثر الذي تتركه في قلب واحد قد يكون عند الله أعظم من خطبة يسمعها المئات ثم ينسونها.
وتأمل قوله ﷺ: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حمر النعم". الهداية لرجل واحد قد تكون مفتاحًا لتغير مجتمعات بأكملها.
فامضِ في طريقك، وأدّ رسالتك، وارفع راية الحق، وكن أنت الدعوة ولو كنت وحدك، فربك يراك في الخفاء، وتذكر أن الله معك ما دمت معه، هو الذي يجعل لك في القلوب أثرًا، وفي السماء ذكرًا، وفي التاريخ بصمة لا تزول. وأنه سبحانه وعد بالنصر لأهل الحق، ولو بعد حين. وتذكر أن الأنبياء لم يُسألوا: "كم تبعكم من الناس؟"، بل سُئلوا: "هل بلّغتم الرسالة؟" و"هل بقيتم على العهد مع دعوتكم؟
فبلّغ، واثبت، ودع الأثر يتكفل به الله عز وجل.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency