إسرائيل في عزلة، والشرق الأوسط يعيد رسم خرائطه: هل تفهم تل أبيب الرسالة؟

بقلم: محمد دراوشة
نُشر: 13/09/25 10:26,  حُتلن: 10:29

إسرائيل في عزلة، والشرق الأوسط يعيد رسم خرائطه: هل تفهم تل أبيب الرسالة؟

بقلم: محمد دراوشة

في لحظة سياسية حرجة، تتكشف أمامنا ملامح جديدة للشرق الأوسط، حيث لم تعد إسرائيل اللاعب الذي يفرض شروطه دون مساءلة، بل باتت تواجه عزلة متزايدة، وتراجعًا في مكانتها الإقليمية، نتيجة سياسات أحادية لا تترك مجالًا للدبلوماسية أو الحوار. العملية الأخيرة التي استهدفت قادة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، رغم فشلها العسكري، كانت نقطة تحول في المشهد السياسي، إذ كشفت عن خلل عميق في فهم إسرائيل للتحولات الجارية في المنطقة.

العملية لم تحقق أهدافها الأمنية، فالقادة المستهدفون نجوا، بينما قُتل أشخاص لا تأثير لهم على القرار السياسي أو العسكري. لكن الأثر الحقيقي كان دبلوماسيًا: توقفت مفاوضات تبادل الأسرى مع حماس، وانهالت الانتقادات من الحلفاء قبل الخصوم. حتى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبّر عن غضبه من عدم إبلاغه مسبقًا، في مؤشر واضح على تراجع التنسيق بين واشنطن وتل أبيب، وهو أمر غير مسبوق في العلاقة التاريخية بين البلدين.

الأكثر إثارة للانتباه كان رد الفعل العربي. دول الخليج، التي كانت حتى وقت قريب منفتحة على التعاون مع إسرائيل، سارعت إلى إدانة الهجوم، بل وأرسلت وفودًا تضامنية إلى قطر. السعودية والإمارات، اللتان قادتا حملة ضد الدوحة قبل سنوات، وجدت نفسيهما في موقف المدافع عنها، لا حبًا فيها، بل رفضًا للنهج الإسرائيلي الذي بات يُنظر إليه كعامل زعزعة للاستقرار.

هذا التحول في المزاج العربي ليس تفصيلًا هامشيًا، بل مؤشرًا على أن إسرائيل، بسياساتها القائمة على القوة دون دبلوماسية، بدأت تفقد ما كانت تعتبره مكاسب استراتيجية. معرض أمني مهم في الإمارات تم إلغاء مشاركة إسرائيل فيه، والسبب الحقيقي لا يحتاج إلى تفسير طويل: لم تعد إسرائيل مرحبًا بها في الفضاء الإقليمي الذي كانت تأمل أن تكون جزءًا منه.

القيادات العربية، التي كانت ترى في إسرائيل شريكًا في مواجهة إيران، بدأت تعيد النظر. فحين تتحول إسرائيل من حليف إلى عبء، فإن ذلك يعني أن شيئًا عميقًا قد تغير. لم يعد بالإمكان تبرير العلاقة معها أمام الشعوب، خاصة حين تتصرف وكأنها فوق القانون، وتضرب في قلب عاصمة عربية دون اعتبار للتوقيت أو السياق.

العملية في الدوحة جاءت في لحظة حساسة، حيث كانت هناك مفاوضات جارية لإطلاق سراح الأسرى، وكان هناك أمل – ولو ضئيل – في تهدئة قد تفتح بابًا نحو إنهاء الحرب. لكن إسرائيل اختارت التصعيد، وكأنها تفضل استمرار النزيف على فرصة للعودة إلى العقلانية. هذا القرار، في نظر كثيرين، لم يكن أمنيًا بقدر ما كان سياسيًا، هدفه إفشال أي مسار نحو التهدئة، وإبقاء المنطقة في حالة توتر دائم.

الرسالة التي ترسلها إسرائيل اليوم إلى جيرانها هي أنها لا تؤمن إلا بالقوة، ولا ترى في الحوار إلا ضعفًا. لكنها بذلك تخسر أكثر مما تكسب. فحتى من كانوا مستعدين للتعاون معها، باتوا يترددون، بل ويبتعدون. والنتيجة: عزلة متزايدة، وتراجع في النفوذ، وانكشاف أمام خصوم لا يترددون في استغلال كل خطأ.

الشرق الأوسط يعيد رسم خرائطه، ليس فقط جغرافيًا، بل سياسيًا وأخلاقيًا. من لا يفهم هذه التحولات، سيجد نفسه خارج اللعبة. وإسرائيل، إن لم تراجع سياساتها، قد تجد نفسها في موقع لم تعتد عليه: وحيدة، محاصرة، ومجبرة على مواجهة واقع جديد لا يشبه ذلك الذي اعتادت عليه منذ عقود.

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة