نتنياهو يقود شعبه نحو الانكفاء الدولي

محمّد دراوشة
نُشر: 16/09/25 08:39

قبل أيام، كتبتُ في كل العرب عن العزلة المتزايدة التي تعيشها إسرائيل نتيجة سياساتها العسكرية والدبلوماسية، وها هو رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو يؤكد هذا التحليل بنفسه، حين دعا المجتمع الإسرائيلي إلى الاستعداد للعيش في حالة عزلة دولية طويلة الأمد. لكن ما لم يقله نتنياهو هو أن هذه العزلة لم تهبط من السماء، بل جاءت نتيجة مباشرة لنهجه الاحتلالي والقمعي تجاه الشعب الفلسطيني، وضربه عرض الحائط بالقيم الإنسانية والمواثيق الدولية.

نتنياهو، الذي لطالما تباهى بعلاقات إسرائيل الدولية، اضطر للاعتراف بأن هذه العلاقات تتآكل، وأن إسرائيل تواجه موجة غير مسبوقة من الانتقادات والمقاطعات، حتى من حلفاء تقليديين. لكنه لم يبدِ أي استعداد للمراجعة أو التراجع، بل واصل تسويق خطاب التحدي والصمود، وكأن العالم بأسره هو المشكلة، لا الاحتلال، ولا القصف، ولا الحصار، ولا الاستيطان.

هذا الخطاب لا يحمل سوى محاولة لتهيئة الداخل الإسرائيلي لواقع جديد، عنوانه “العيش في عزلة”، دون أن يتحمل المسؤولية عن السياسات التي قادت إلى هذا الانكفاء.

في مشهد غير مسبوق، شهد سباق طواف إسبانيا للدراجات الهوائية في مدريد تظاهرة ضخمة تجاوزت 100 ألف مشارك، احتجاجًا على مشاركة فريق إسرائيلي في السباق. المتظاهرون اقتحموا المسار، رفعوا الأعلام الفلسطينية، ورددوا شعارات مناهضة للحرب على غزة، مما اضطر المنظمين إلى إلغاء المرحلة الأخيرة من السباق.

الأمر لم يتوقف عند الشارع، بل وصل إلى أعلى المستويات السياسية، حيث دعا رئيس الوزراء الإسباني إلى استبعاد إسرائيل وروسيا من المنافسات الرياضية الدولية، حتى تتوقف “الأعمال الهمجية”، في إشارة إلى الحرب في غزة وأوكرانيا. هذا الموقف السياسي العلني من دولة أوروبية كبرى يعكس حجم التحول في المزاج الدولي تجاه إسرائيل، ويؤكد أن العزلة لم تعد مجرد تهديد نظري، بل واقع ملموس.

خطاب نتنياهو لم يمر مرور الكرام داخل إسرائيل. فقد شنّت المعارضة هجومًا لاذعًا عليه، واعتبرته اعترافًا صريحًا بفشل سياساته التي أوصلت البلاد إلى العزلة والانهيار. عضو الكنيست فلاديمير بيلياك وصف التصريحات بأنها “جنونية”، ودعا إلى إسقاط الحكومة عبر الآليات الديمقراطية، مؤكدًا أن إسرائيل لا يجب أن تُقاد نحو الخراب، بل نحو الانفتاح والتقدم.

اقتصاديًا، أثار الخطاب ذعرًا في الأسواق، حيث شهدت بورصة تل أبيب تراجعًا حادًا فور إعلان نتنياهو أن إسرائيل ستتحول إلى “أسبارطة عظيمة” مكتفية ذاتيًا. منتدى الصناعيين الإسرائيليين حذّر من أن العزلة التجارية ستقوّض قدرة البلاد على التصدير والنمو، فيما عبّر قادة قطاع التكنولوجيا عن خشيتهم من تآكل الثقة الدولية التي يقوم عليها الابتكار الإسرائيلي.

حتى داخل الائتلاف الحاكم، برزت أصوات قلقة من أن تحويل العزلة إلى “خيار استراتيجي” هو مقامرة خطيرة، قد تدفع إسرائيل إلى عزلة مؤسسية شاملة، وتضعف قدرتها على التأثير في الساحة الدولية.

التقديرات تشير إلى أن هذه العزلة لن تكون مؤقتة، بل قد تتحول إلى واقع طويل الأمد. هناك إدراك متزايد بأن إسرائيل قد تُستبعد من فعاليات دولية في مجالات الثقافة، الاقتصاد، والرياضة، وأنها قد تضطر إلى إعادة تعريف علاقاتها الدولية، والاعتماد أكثر على تحالفات محدودة بدلًا من الانخراط في المنظومة العالمية التقليدية.

لكن السؤال الجوهري يبقى: إلى متى يمكن لدولة أن تصمد وهي تعادي القيم الإنسانية، وتواصل احتلال شعب آخر، وتدوس على القانون الدولي؟ العزلة ليست قدرًا، بل نتيجة، ونتنياهو هو من كتب فصولها بسياساته التي جعلت إسرائيل منبوذة في أعين العالم.

حين يتحول التحليل إلى واقع، ويصبح الاعتراف بالعزلة جزءًا من الخطاب الرسمي، فإننا أمام لحظة سياسية فارقة. إسرائيل تدخل مرحلة جديدة من علاقتها مع العالم، عنوانها الانكفاء، والتحدي الأكبر سيكون في قدرة شعبها على مواجهة تبعات هذه العزلة التي جلبها عليهم زعيم اختار الاحتلال بدلًا من السلام، والقمع بدلًا من العدالة، والتوسع بدلًا من التعايش.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة