من تسويق الحرب إلى تسويق السلام

غزال أبو ريا
نُشر: 18/09/25 21:24

من تسويق الحرب إلى تسويق السلام

السلام طريق القلوب إلى المستقبل

بقلم: غزال أبو ريا

منذ فجر التاريخ، عرفت البشرية الحرب كأداة لفرض القوة والسيطرة. لكن الملفت للنظر في العقود الأخيرة ليس فقط اندلاع الحروب، بل كيفية تسويقها للشعوب: تُقدَّم الحرب كواجب وطني، كطريقٍ للشرف، وكأنها سلعة تُباع وتُشترى في سوق الإعلام والسياسة. تُضَخّ الأموال في صناعة خطاب يهيّئ العقول ويُقنع الناس أن الحرب ضرورة، حتى وإن كانت نتائجها خراباً ومآسي.

تماماً كما يُسوَّق منتوجٌ تجاري، نجد اليوم أن الحروب تُسوَّق بمفردات جذّابة، شعاراتٍ رنّانة، صورٍ مُنتقاة بعناية، ورسائلٍ إعلامية مدروسة. وهنا يطرح السؤال نفسه:
هل سيبقى العالم يتجه نحو تسويق الحرب وكأنها منتوج رائج، بدلاً من تسويق السلام كقيمة عُليا ومكسب حضاري؟

أمثلة على تسويق الحرب
 •  الحرب العالمية الثانية: لم تكن فقط معارك على الأرض، بل معارك على العقول. استخدمت القوى الكبرى الدعاية (البروباغندا) لإقناع الشعوب أن القتال واجب مقدس وأن العدوّ هو مصدر كل الشرور. الملصقات، الأفلام، وحتى الأغاني صُنعت خصيصاً لتعبئة الجماهير.
 •  الحروب الحديثة في الشرق الأوسط: كثيراً ما تُستخدم وسائل الإعلام لتأجيج الكراهية وتبرير استمرار النزاعات، عبر تصوير الحرب كخيار وحيد للحماية أو البقاء، بينما تُهمَّش لغة الحوار والسلام.

أمثلة على تسويق السلام
 •  جنوب إفريقيا بعد نظام الفصل العنصري: قاد نيلسون مانديلا ورفاقه مشروع “تسويق المصالحة”. لم يكتفوا بإنهاء نظام التمييز، بل جعلوا فكرة التسامح والعدالة الانتقالية “منتوجاً وطنياً” يفتخر به الشعب ويعرضه على العالم.
 •  الاتحاد الأوروبي: بعد قرون من الحروب الدامية، خاضت أوروبا تجربة مختلفة: تسويق فكرة “الوحدة الاقتصادية والسياسية” كبديل عن القتال. النتيجة أن السلام أصبح “المنتوج” الأكثر جذباً، لأنه جلب الرخاء والتنمية.
 •  حملات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية: في العقود الأخيرة، تُسوّق مشاريع تنموية وتعليمية وثقافية بوصفها طريقاً للسلام، بدءاً من برامج محو الأمية حتى مبادرات التبادل الثقافي بين الشباب.

من الحرب إلى الأمل

الحرب قد تبيع نفسها بسرعة، لأن الخوف والغضب وقودان سهلان. أما السلام فيحتاج إلى عملٍ دؤوب، إلى تربية، إلى وعي جماعي. يحتاج إلى من يؤمن أن الاستثمار في التعليم والحوار والتنمية المستدامة أجدى من الاستثمار في الدم والسلاح.

لكن كما نجح العالم في تسويق منتجات الرفاهية والحداثة والتكنولوجيا، يمكنه أن يُسوّق للسلام: عبر حملات تُبرز ثماره في الاستقرار، قصص النجاح في التعايش، وأمثلة الدول والمجتمعات التي اختارت الحوار بدلاً من القتال فنجحت في بناء مستقبل آمن.

رسالة إلى القارئ

السلام ليس وهماً ولا حلماً بعيد المنال. إنه خيارٌ نصنعه نحن، بكلماتنا، بقراراتنا، وبطريقة عيشنا اليومية. حين نختار لغة الحوار بدل الشتيمة، وحين نفتح باباً للتفاهم بدل أن نرفع جداراً للكراهية، فإننا نمارس تسويق السلام في حياتنا الخاصة.

فلنجعل من السلام بضاعةً رائجة، نعرضها لأطفالنا في التربية، لطلابنا في المدارس، لجيراننا في المجتمع، وللعالم من حولنا. عندها فقط يتحوّل السلام من شعار يُرفع في المناسبات إلى نمط حياةٍ يُعاش، ويصبح الاستثمار في المستقبل أجمل صفقة تُبرمها البشرية.

السلام طريق القلوب إلى المستقبل

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة