أحكام قاسية في القدس الشرقية

مسك محمد
نُشر: 11/10/25 14:41

في الأسبوع الماضي، هز الشارع المقدسي خبر صدور حكم قاسٍ على شابين من القدس الشرقية، بعد أن اتُهما بإلقاء متفجرات في حي سلوان في يناير 2024، وبعد جلسات مطولة وتحقيق استمر لأشهر، قضت المحكمة بسجن كلٍّ منهما قرابة سبع سنوات، ووصفت الفعل بأنه “خطير للغاية”، معتبرة أن هذه العقوبة تأتي في إطار ما وصفته بـ“الردع العام” للحفاظ على الأمن في المدينة.

القضية لم تمر مرور الكرام، إذ تفاعل معها المجتمع المقدسي بكثيرٍ من القلق والاستغراب، خاصة أن الأحكام الأخيرة تأتي ضمن سلسلة متتالية من العقوبات المشددة التي تستهدف شباب القدس الشرقية، فكثيرون رأوا في ذلك اتجاهاً جديداً لتغليظ العقوبات على خلفية أمنية، ما يثير تساؤلات حول عدالة الإجراءات القضائية التي تُتخذ بحق الفلسطينيين في المدينة.

وميدانياً، رافق هذه الأحكام أجواء من التوتر داخل الأحياء الشرقية للقدس، إذ تحدث سكان محليون عن تزايد دوريات الشرطة وإجراءات التفتيش المفاجئة، خصوصاً في سلوان والعيسوية وجبل المكبر، وهي المناطق التي تشهد عادةً تصاعداً في المواجهات بين الشبان والشرطة الإسرائيلية عقب صدور أحكام مشابهة.

وفي الحقيقة، ربما تستخدم هذه القضايا أحياناً كأداة لإرسال رسائل سياسية، خاصة في ظل التوترات الأمنية المتكررة في المدينة، حيث تسعى السلطات الإسرائيلية إلى فرض معادلة “الردع المسبق” عبر الأحكام الثقيلة، بينما يرى الأهالي أن هذه السياسة تزيد من الاحتقان وتدفع الشباب نحو الغضب واليأس.

ورغم أن الجانب الإسرائيلي يبرر الأحكام بأنها ضرورية لحماية المدنيين ومنع تكرار الاعتداءات، إلا أن المحامين المدافعين عن المتهمين وصفوا العقوبة بأنها “مفرطة وغير متناسبة مع التهمة”، خاصة وأن التحقيقات تمت في ظروف ضاغطة، وأن المتهمين لم يُمنحا فرصاً كافية للدفاع الكامل عن نفسيهما، كذلك ازداد القلق من تزايد استخدام القضاء كوسيلة ضغط في القضايا ذات الطابع السياسي أو الأمني، لا سيما وأن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعا ملحوظا في عدد الأحكام الطويلة بحق القاصرين والشباب من القدس الشرقية، ما ينعكس سلباً على النسيج الاجتماعي في المدينة.

من ناحية اجتماعية، فيعتبر الأهالي  هذه القضايا تتجاوز حدود الأفراد لتطال المجتمع بأسره، إذ تزرع الخوف في نفوس العائلات وتزيد من انعدام الثقة بالنظام القضائي، خاصة وأن الأحكام القاسية لا تعالج المشكلة من جذورها، بل تعمق الإحباط وتدفع الأجيال الجديدة إلى الشعور بالظلم والإقصاء.

وعلى المستوى القانوني، تتزايد الدعوات لإعادة النظر في الإجراءات القضائية المتبعة ضد الفلسطينيين في القدس الشرقية، خصوصاً في ظل وجود ازدواجية واضحة في التعامل بين المتهمين اليهود والعرب في قضايا مماثلة، وتمس هذه الازدواجية بمبدأ المساواة أمام القانون وتُضعف الثقة بمؤسسات العدالة، ويخشى كثيرون من أن تؤدي موجة الأحكام الجديدة إلى خلق واقع أمني متوتر ودائم في الأحياء الفلسطينية، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وهي بيئة خصبة لتصاعد الغضب والاحتقان، ما يجعل الحلول الأمنية وحدها غير كافية لمعالجة جذور الأزمة.

أما اقتصادياً واجتماعياً، فتؤثر هذه السياسات العقابية على الأسر بشكل مباشر، إذ يضطر ذوو المحكومين إلى تحمّل أعباء مالية ونفسية كبيرة خلال سنوات السجن الطويلة، كما تتأثر فرص التعليم والعمل للشباب الآخرين الذين يعيشون في جو من الخوف الدائم من الاعتقال أو الملاحقة.

ولا يخفى أن هذه الأحكام تأتي في وقت تتزايد فيه الانتقادات الدولية تجاه الإجراءات الإسرائيلية في القدس، سواء من حيث الاعتقالات الجماعية أو هدم المنازل أو فرض القيود الأمنية، ما يجعل الوضع في المدينة أكثر هشاشة على الصعيدين الإنساني والسياسي.

ومع تكرار مثل هذه القضايا، يتصاعد القلق من أن تتحول العدالة إلى أداة للسيطرة السياسية، خصوصاً إذا استمر إصدار الأحكام المشددة دون ضمانات قانونية كافية أو رقابة دولية فعالة، وهو ما قد يفتح الباب أمام مزيد من التوترات والانقسامات داخل المجتمع المقدسي.

ورغم قتامة المشهد، فلا يزال كثيرون يطالبون بإطلاق حوار مجتمعي حول حماية الشباب من الانجرار إلى العنف، بالتوازي مع المطالبة باحترام حقوقهم القانونية والإنسانية، فالأمل لا يزال قائماً في أن يتحول هذا النقاش إلى خطوة أولى نحو بيئة أكثر عدلاً وأمناً في القدس الشرقية.

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة