في ظل التقارير التي تتحدث عن تسع اعتداءات في يوم واحد ضد سائقي الحافلات العرب في القدس، لم يعد بالإمكان اعتبار هذه الأحداث مجرد حالات فردية، بل هي ظاهرة ممنهجة تعكس تصاعداً خطيراً في العنف العنصري وتكشف عن أزمة أخلاقية وسياسية تتطلب مواجهة جذرية. هذا التصعيد لا يحدث في فراغ، بل هو نتيجة مباشرة لخطاب الكراهية الذي يغذيه اليمين الإسرائيلي المتطرف، والذي وجد في حكومة نتنياهو منصة شرعية لتوسيع نفوذه.
رئيس الحكومة، ومعه جوقة من الوزراء المعروفين بمواقفهم العنصرية، يتحملون مسؤولية مباشرة عن هذا الانفلات، فعندما يصمت القادة أمام الاعتداءات أو يبررونها ضمنياً عبر التحريض ضد العرب في الضفة الغربية أو في الحيز العام داخل إسرائيل، فإنهم يمنحون الضوء الأخضر للمجرمين للتمادي. هؤلاء المعتدون ليسوا مجرد أفراد غاضبين، بل هم نتاج مشروع سياسي عنصري غذّاه اليمين الإسرائيلي على مدى سنوات حتى أنتج وحوشاً بشرية استعلائية ترى في العربي تهديداً يجب قمعه، حتى لو كان مجرد سائق حافلة يؤدي عمله.
ما يحدث في القدس ليس معزولاً، بل هو وجه من وجوه العنف العنصري الذي يتعرض له المواطنون العرب في الحيز العام الإسرائيلي، حيث تتكرر الاعتداءات والانتهاكات في مجالات متعددة، من الاعتداء الجسدي على المارة العرب في الشوارع العامة لمجرد أنهم يتحدثون العربية أو يظهرون بمظهر غير يهودي، إلى طرد عمال عرب من مواقع عملهم في البناء والمطاعم بعد تحريض محلي أو على خلفية أحداث سياسية، إلى التحريض ضد الطلاب العرب في الجامعات وتهديدهم أو طردهم من السكن الجامعي بسبب آرائهم السياسية أو منشوراتهم على وسائل التواصل، إلى منع مواطنين عرب من دخول بلدات يهودية أو أماكن عامة رغم ذهابهم للعمل او للترفيه لا غير، إلى تدمير ممتلكات تجارية تعود لعرب في بلدات مختلطة وسط صمت أو تواطؤ من السلطات المحلية، وصولاً إلى التمييز في الخدمات العامة حيث يُعامل المواطن العربي كمشتبه به أو خطر محتمل لا كمواطن متساوٍ في الحقوق.
هذه الاعتداءات لا تُرتكب في الخفاء، بل تحدث في وضح النهار وأمام أعين السلطات التي غالباً ما تتقاعس عن التدخل أو المحاسبة، ما يعكس بيئة سياسية واجتماعية تسمح للكراهية بأن تتفشى بل وتشرعنها عبر الخطاب الرسمي والإعلامي.
في النهاية، فإن استمرار هذا العنف دون ردع هو وصمة عار على جبين الدولة ويهدد بانهيار ما تبقى من قيم التعايش والعدالة، فلا يمكن بناء مجتمع آمن ومستقر في ظل حكومة تغض الطرف عن العنصرية بل وتغذيها. ونحن نعرف جيداً أن الدولة والشرطة ليستا فقط غائبتين عن المشهد، بل هما راعيتان لهذه الظواهر، فالتقاعس عن التدخل والتبرير الضمني للاعتداءات وتجاهل الضحايا كلها مؤشرات على تورط مؤسسي في إنتاج بيئة عنصرية عدوانية. لكن السؤال الأهم يبقى: أين أولئك الذين يتغنون بالديمقراطية وحقوق الإنسان؟ أين المثقفون والنشطاء والسياسيون الذين يرفعون شعارات التعددية والمساواة؟ لماذا يصمتون أمام هذا الانفلات؟ ولماذا لا نراهم في الصفوف الأمامية للدفاع عن الضحايا العرب؟ ونتساءل أيضاً: نصف المجتمع اليهودي اليوم مسلح، فلماذا لا يُستخدم هذا السلاح لردع المنفلتين من العنصريين؟ لماذا لا يُشهر في وجه من يعتدي على مواطن أعزل فقط لأنه عربي؟ أم أن السلاح بيد اليهودي له عنوان واحد: العربي المتاح لاستعراض البطولات الزائفة؟ هذه المفارقة تكشف أن السلاح لا يُستخدم لحماية الديمقراطية، بل لتكريس الهيمنة وإرهاب الآخر وتثبيت معادلة القوة الأحادية.
إن مواجهة هذا الواقع تتطلب أكثر من مجرد إدانات لفظية، إنها تحتاج إلى تفكيك البنية العنصرية التي ترعاها الدولة، ومحاسبة من يغذيها، وإعادة تعريف معنى المواطنة والعدالة في هذا البلد المأزوم.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency