سَفَرٌ بلا جَوازِ أَمَل

خالد عيسى 
نُشر: 09/11/25 20:30

​أنا القِطارُ الحَزين،
أَجوبُ صَفحاتِ الرِّمالِ،
وأَسفَلَ الغُيومِ أَجرُّ نَفسي،
على سِكَّةٍ تَصدَّعَتْ من أَنينِ الأوطان.
​مِن شُرفاتِ العَدمِ،
أُطلُّ على دُوَلٍ كالمقابِر،
فيها الحُلمُ يُدفَنُ،
قبلَ أن يَتنفَّسَ الفجر.
​كلُّ مَحطَّةٍ تَستقبلُني بوجهٍ مُتعب،
بِجُنديٍّ يَفزَعُ من ظِلِّه،
بِأُمٍّ تُطعمُ طفلَها خوفًا،
وبِشاعرٍ يَكتُبُ أبياتَه على جدارِ الحِصار.
​أرى الأمانَ يَرتدي خُوذَةَ الجُبن،
وأَسمعُ الحُرّيّةَ تَعتذرُ من النّاس،
لأنّها تَأخَّرَت،
وفي كُلِّ سِياجٍ يَعلو صَوتُ "الأنَا"،
على نَحيبِ "النَّحنُ".
​وفي كُلِّ سوقٍ،
يُباعُ الخُبزُ مَغسولًا بدمعِ الجائعين،
يا لَهذي الأُمَمِ الّتي تَتوضَّأُ بالحُروب،
وتُصلّي للغَيبِ دونَ أن تَزرعَ في الأرضِ خيرًا.
​يا لَهذي الأوطانِ،
الّتي تُربّي أبناءَها على الصَّبر،
ثُمَّ تَجلِدُهم إذا صَبروا أكثرَ مِمّا يَنبَغي.
​مَرَرتُ على عَواصِمَ مَكسوّةٍ بالشِّعارات،
تَتكلَّمُ عن التَّقدُّمِ،
وهيَ تَجرُّ أثوابَ التَّخلُّف.
​وعلى جامِعاتٍ تُعلّمُ النّحوَ دونَ أن تُدرّسَ العَقل،
ومستشفياتٍ تَحتاجُ إلى رِعايةٍ
أَكثَرَ من مَرضاها.
​أنا القِطارُ الحَزين،
لا أَحمِلُ رُكّابًا،
بَل أَشلاءَ أَحلام،
ولا أُطلِقُ الصَّفير،
بَل أَنشُجُ نَشيدَ الفَقْد.
​أَرى في كُلِّ نافِذةٍ وَطنًا يَستغيث،
وفي كُلِّ مِقعَدٍ ذاكرةً تُسافِرُ
بِلا جوازِ أَمَل.
​أيُّها الرّاكِبونَ في مَتاهاتِ الأنانيّة،
إنَّ الحَياةَ لا تُؤمَّنُ بالأسوار،
بَل بالتَّعاطُفِ الّذي يَبني مَأوًى للرُّوح،
وبالعِلمِ الّذي يُطلِقُ الأوطانَ من سَلاسِلِها.
​سَأَمضي،
أَحمِلُ في أَنفاسي وَصِيّةَ الأجيال:
أَلّا يُولَدَ جيلٌ جَديدٌ في مَحطّةِ العَوز،
ولا تُرفَعَ الأعلامُ إلّا على سُفُنِ الكَرامة.
​أنا القِطارُ الحَزين،
لكنَّني أَحلُمُ —
بأنَّ يومًا،
سَتُبدِّلُ الأُمَمُ فَحمَها إلى نُور،
وسَيُطلِقُ السَّفَرُ أَجنحتَه
نحوَ نُهضةٍ تَعرِفُ الإنسانَ قبلَ الأوطان.

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة