أنا القِطارُ الحَزين،
أَجوبُ صَفحاتِ الرِّمالِ،
وأَسفَلَ الغُيومِ أَجرُّ نَفسي،
على سِكَّةٍ تَصدَّعَتْ من أَنينِ الأوطان.
مِن شُرفاتِ العَدمِ،
أُطلُّ على دُوَلٍ كالمقابِر،
فيها الحُلمُ يُدفَنُ،
قبلَ أن يَتنفَّسَ الفجر.
كلُّ مَحطَّةٍ تَستقبلُني بوجهٍ مُتعب،
بِجُنديٍّ يَفزَعُ من ظِلِّه،
بِأُمٍّ تُطعمُ طفلَها خوفًا،
وبِشاعرٍ يَكتُبُ أبياتَه على جدارِ الحِصار.
أرى الأمانَ يَرتدي خُوذَةَ الجُبن،
وأَسمعُ الحُرّيّةَ تَعتذرُ من النّاس،
لأنّها تَأخَّرَت،
وفي كُلِّ سِياجٍ يَعلو صَوتُ "الأنَا"،
على نَحيبِ "النَّحنُ".
وفي كُلِّ سوقٍ،
يُباعُ الخُبزُ مَغسولًا بدمعِ الجائعين،
يا لَهذي الأُمَمِ الّتي تَتوضَّأُ بالحُروب،
وتُصلّي للغَيبِ دونَ أن تَزرعَ في الأرضِ خيرًا.
يا لَهذي الأوطانِ،
الّتي تُربّي أبناءَها على الصَّبر،
ثُمَّ تَجلِدُهم إذا صَبروا أكثرَ مِمّا يَنبَغي.
مَرَرتُ على عَواصِمَ مَكسوّةٍ بالشِّعارات،
تَتكلَّمُ عن التَّقدُّمِ،
وهيَ تَجرُّ أثوابَ التَّخلُّف.
وعلى جامِعاتٍ تُعلّمُ النّحوَ دونَ أن تُدرّسَ العَقل،
ومستشفياتٍ تَحتاجُ إلى رِعايةٍ
أَكثَرَ من مَرضاها.
أنا القِطارُ الحَزين،
لا أَحمِلُ رُكّابًا،
بَل أَشلاءَ أَحلام،
ولا أُطلِقُ الصَّفير،
بَل أَنشُجُ نَشيدَ الفَقْد.
أَرى في كُلِّ نافِذةٍ وَطنًا يَستغيث،
وفي كُلِّ مِقعَدٍ ذاكرةً تُسافِرُ
بِلا جوازِ أَمَل.
أيُّها الرّاكِبونَ في مَتاهاتِ الأنانيّة،
إنَّ الحَياةَ لا تُؤمَّنُ بالأسوار،
بَل بالتَّعاطُفِ الّذي يَبني مَأوًى للرُّوح،
وبالعِلمِ الّذي يُطلِقُ الأوطانَ من سَلاسِلِها.
سَأَمضي،
أَحمِلُ في أَنفاسي وَصِيّةَ الأجيال:
أَلّا يُولَدَ جيلٌ جَديدٌ في مَحطّةِ العَوز،
ولا تُرفَعَ الأعلامُ إلّا على سُفُنِ الكَرامة.
أنا القِطارُ الحَزين،
لكنَّني أَحلُمُ —
بأنَّ يومًا،
سَتُبدِّلُ الأُمَمُ فَحمَها إلى نُور،
وسَيُطلِقُ السَّفَرُ أَجنحتَه
نحوَ نُهضةٍ تَعرِفُ الإنسانَ قبلَ الأوطان.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency