الارتجال بين أبي تمام والفرزدق
مصطفى معروفي
ــــــ
الارتجال هو مهارة إذا كانت لدى الشاعر كانت عنوانا على تمكنه وصفاء قريحته وفتكون بذلك من مزايا القدرة عنده و كذلك على تطويع القول الشعري والدلالة على التحكم في زمامه،ونحن كقراء للشعر لا نخفي إعجابنا ببعض الشعر الذي قيل على البديهة وكان مرتجلا ثم دوّن لما فيه من فائدة مضمونا أوجمالا أو هما معا.
من الارتجل نذكر أن أبا نواس كان في جماعة فقال لهم أجيزوا قولي:
عذُب الماء وطابا
فقال أبو العتاهية من فوره وكان حاضرا:
حبذا الماء شرابا
ومن الشعراء الذين عرفوا بقوة بديهيتهم في الارتجال الشاعر العراقي عبد المحسن الكاظمي والعقاد الذي نظم قصيدة في ذكرى حافظ إبراهيم وهو في القطار في مدة أقل من نصف ساعة وهي القصيدة التي يقول فيها:
لم تكن حصتي من الحفل نظما
لا ولا قــلــتــه بوعـــد مــديــنا
وعدد أبيات هذه القصيدة أكثر من ثلاثين بيتا.
ومن الذين اشتهروا بالارتجال أبو تمام ،حيث يرو ى أنه في قال في أحد ممدوحيه من الأمراء:
إقدام عمرو في سماحة حاتم
في حلم أحنف في ذكاء إياس
فقال له أحد الحاضرين ـ والمظنون أنه الكندي الفيلسوف ـ:
شبهت الأمير بمن هم دونه من العرب.
فقال أبو تمام على البديهة:
لا تنكروا ضربي له من دونه
مثلا شرودا في الندى والباس
فالله قــد ضــرب الأقل لنوره
مــثلا مــن المشكاة والنبراسِ
وقد عرف المتنبي بالبديهة والارتجال كما عرف إبراهيم ناجي بهما في عصرنا الحاضر.
ومن الارتجال الذي حفظه لنا التاريخ في الشعر قصيدة الفرزدق في زين العابدين بن الحسين بن علي ونحن لحد الآن ما زلنا نحفظها منذ أيام الدراسة،وذلك أن الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك كان يطوف بالبيت وأراد استلام الحجر الأسود فلم يستطع لكثرة الزحام فنصبوا له منبرا وجلس عليه ينظر للناس،فإذا بزين العابدين أقبل وأخذ يطوف بالبيت وأراد استلام الحجر الأسود فتنحى له الناس ،فقال رجل شامي:
من هذا الذي تنحى له الناس؟
فقال هشام :
لا أعرفه.
فقال الفرزدق وكان حاضرا :
أنا أعرفه.
فقال الرجل الشامي:
من هو يا أبا فراس ؟وأبو فراس كنية الفرزدق.
فأجابه الفرزدق على البديهة:
هَــذا الَّذي تَعرِفُ البَطحاءُ وَطأَتَهُ
وَالــبَيتُ يَــعرِفُهُ وَالــحِلُّ وَالحَرَمُ
هَــذا اِبــنُ خَــيرِ عِــبادِ اللَهِ كُلِّهِمُ
هَــذا الــتَقِيُّ الــنَقِيُّ الطاهِرُ العَلَمُ
هَــذا اِبــنُ فاطِمَةٍ إِن كُنتَ جاهِلَهُ
بِــجَــدِّهِ أَنــبِياءُ الــلَهِ قَــد خُــتِموا
وَلَــيسَ قَــولُكَ مَــن هَذا بِضائِرِهِ
العُربُ تَعرِفُ مَن أَنكَرتَ وَالعَجَمُ
كِــلتا يَــدَيهِ غِــياثٌ عَــمَّ نَــفعُهُما
يُــستَوكَفانِ وَلا يَــعروهُما عَــدَمُ
سَــهلُ الــخَليقَةِ لا تُخشى بَوادِرُهُ
يَــزينُهُ اِثنانِ حُسنُ الخَلقِ وَالشِيَمُ
حَــمّالُ أَثــقالِ أَقــوامٍ إِذا اِفتُدِحوا
حُــلوُ الــشَمائِلِ تَــحلو عِــندَهُ نَعَمُ
مــا قــالَ لا قَــطُّ إِلّا فــي تَشَهُّدِهِ
لَـــولا الــتَشَهُّدُ كــانَت لاءَهُ نَــعَمُ
عَــمَّ الــبَرِيَّةَ بِالإِحسانِ فَاِنقَشَعَت
عَــنها الغَياهِبُ وَالإِملاقُ وَالعَدَمُ
إِذا رَأَتـــهُ قُــرَيــشٌ قــالَ قــائِلُها
إِلــى مَــكارِمِ هَــذا يَــنتَهي الكَرَمُ
يُغضي حَياءً وَيُغضى مِن مَهابَتِهِ
فَــمــا يُــكَــلَّمُ إِلّا حــيــنَ يَــبــتَسِمُ
بِــكَــفِّهِ خَــيــزُرانٌ ريــحُهُ عَــبِقٌ
مِــن كَفِّ أَروَعَ في عِرنينِهِ شَمَمُ
يَــكــادُ يُــمسِكُهُ عِــرفانُ راحَــتِهِ
رُكــنُ الــحَطيمِ إِذا ما جاءَ يَستَلِمُ
الــلَــهُ شَــرَّفَــهُ قِــدمــاً وَعَــظَّــمَهُ
جَــرى بِــذاكَ لَــهُ في لَوحِهِ القَلَمُ
وبالله التوفيق ومنه نطلب المدد،كل المدد.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency