حصاد عقد مضطرب: ما بين حظر الحركة الإسلامية وتحديات لجنة المتابعة

ساهر غزاوي 
نُشر: 21/11/25 01:42

لقد تزامن في الأسبوع الأخير من تشرين الثاني حدثان مهمان يعكسان بصورة مكثفة مسار العمل الوطني لفلسطينيي الداخل؛ مرور عشر سنوات على حظر الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، وانتهاء الأستاذ محمد بركة من مهمته في رئاسة لجنة المتابعة بعد عقد كامل. ويمنح هذا التزامن فرصة حقيقية لمراجعة عقد شهد تحولات وتحديات عميقة، فالسنوات الممتدة بين 2015 و2025 تُعد من أكثر المراحل صعوبة وتعقيدًا، إذ ترك قرار حظر الحركة الإسلامية أثرًا بالغًا في البنية المجتمعية والسياسية، في حين وجدت لجنة المتابعة نفسها، بقيادة بركة، أمام تحديات متواصلة لتثبيت موقعها ودورها في واقع يضغط من مختلف الاتجاهات.


وقد جاءت السنوات الأخيرة لتكشف هشاشة هذا الواقع بصورة أوضح، ولا سيّما خلال العامين الأخيرين من حرب الإبادة على غزة، فالحرب لم تُنشئ الأزمة، بل عرت ما سبقها من تفكك داخلي، وتصاعد غير مسبوق للجريمة والعنف المنظم، ومحاصرة غزة وسط صمت دولي. هذا الانكشاف كان نتيجة تراكمات متواصلة على امتداد العقد المنصرم، حيث شهد الحقل السياسي الفلسطيني تحولات بنيوية أضعفت التنظيمات والمبادرات الشعبية، ودفعت إلى تراجع العمل الميداني لصالح تمثيل انتخابي مأزوم، تزامن مع جهود متعمدة من بعض الأحزاب الممثلة في الكنيست لتقليص دور لجنة المتابعة، رغم كونها الإطار الوطني الجامع والأوسع تمثيلًا.
ويتضح المشهد أكثر عند وضع كل هذه التحولات في سياقها الأوسع، وهو التصعيد الإسرائيلي ضد الحركة الإسلامية، وصولًا إلى قرار حظرها في تشرين الثاني 2015. فقد شكل هذا القرار نقطة انعطاف حاسمة أعادت رسم المشهد السياسي برمته، إذ كانت الحركة الإسلامية قبل الحظر أحد أبرز الأجسام الفاعلة عبر مشروع دعوي وتربوي وسياسي منظم، يقوم على العمل التوعوي وبناء الوعي الجمعي، ويقف بصلابة أمام مشاريع "هندسة الوعي" التي أخذت تتوسع بقوة في تلك المرحلة.
وفي المقابل، تسارعت خلال السنوات الأخيرة تحركات معاكسة غذتها صناديق تمويل أوروبية وأميركية وخليجية – وعلى وجه الخصوص من الإمارات – لدعم مشاريع تُروج تحت عناوين الاندماج والعيش المشترك. لكنها تحمل في جوهرها توجهًا واضحًا نحو تعزيز الأسرلة وإعادة تشكيل الوعي والسلوك الفلسطيني، وتشويه الهوية الدينية والوطنية عبر أدوات "السلام الإبراهيمي" وبرامج ناعمة تُقدم المقاومة الاجتماعية والسياسية باعتبارها "تطرفًا" أو "تأزيمًا"، مقابل ترسيخ نموذج من الخضوع والتكيّف وطمس الوعي.
وقد تُرجم هذا المسار إلى خطوات سياسية خطيرة، أبرزها إيصال قائمة عربية إلى موقع الشراكة في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، وهو ما جعلها عمليًا طرفًا في كل ما تنفذه الحكومة من استيطان وقتل للفلسطينيين ومصادرة للأراضي وتهجير وسياسات أخرى لا تقل خطورة. وتم تبرير هذه الشراكة بذريعة مواجهة الجريمة في الداخل، وإن كان هذا المطلب بحد ذاته مطلبًا نبيلًا وضروريًا، إلا أنه استُخدم لتسويغ خيار سياسي يُوحي بأن دم ابن الداخل أغلى من دم ابن غزة والضفة، وهو منطق أعوج يختزل القضية الوطنية في حفنة خدمات موضعية مقابل شرعنة الائتلاف والمشاركة في سياساته.
في هذا السياق، تبرز تجربة الأستاذ محمد بركة خلال رئاسته للمتابعة بوصفها محاولة جادة لصون الإطار الوطني الجامع. فمنذ الأيام الأولى لتوليه المنصب، أظهر بركة قدرة على تجاوز حساباته الحزبية، وقيادة المتابعة بعقلية الوحدة لا بعقلية التنظيم. وليس في الانتماء الحزبي ما يعيب أي قيادي، لكن الموقع الوطني الجامع يتطلب مستوى مختلفًا من الأداء، وقد أثبت بركة ذلك في محطات كثيرة.
وتزداد أهمية هذا النهج عند مقارنته بتجربة الأستاذ شوقي خطيب، رغم انتمائهما إلى الحزب نفسه، إذ بدت الميول الحزبية لدى خطيب أكثر حضورًا في سلوكه السياسي، بينما سعى بركة إلى بناء خطاب أكثر شمولًا واستيعابًا للتعددية.
وقد تجلى هذا المسار القيادي عمليًا منذ اللحظات الأولى لتوليه المنصب. فبعد انتخابه في 24/10/2015، لم تمض سوى أسابيع حتى صدر قرار حظر الحركة الإسلامية في 17/11/2015، وما تلاه من حملة ملاحقات طالت قياداتها ونشطائها طوال عقد كامل. تعامل بركة مع القرار بوصفه اعتداءً على مجمل المجتمع العربي، لا على حركة بعينها، وأكد أن المتابعة والجماهير العربية ترفض هذا الحظر، وتعامل مع الحركة الإسلامية كجزء أصيل من المتابعة، ما عزز موقع اللجنة كإطار جامع يحمي التعددية ويمنع استفراد الدولة بأي من مكوناتها.
ورغم موقف بركة الواضح، ظهرت – وإن كانت هامشية – أصوات حاولت استغلال لحظة الحظر لفتح نقاشات جانبية حول وزن الحركة المحظورة وتمثيلها. غير أن هذه الأصوات لم تنجح في التأثير على إجماع المتابعة أو المزاج الشعبي الرافض لسياسة الحظر.
وأمام هذه المشاهد المتراكمة، يمكن القول إن الأستاذ محمد بركة قدم خلال رئاسته رؤية جامعة ومواقف وطنية صلبة، ومحاولات جادة لتحسين أداء المتابعة رغم محدودية الإمكانيات. لكن جهوده اصطدمت بواقع داخلي غير مهيّأ للإصلاح، إذ لم تتوفر الإرادة الحقيقية لدى معظم مركبات المتابعة للنهوض بهذا الإطار، فتراكمت الإخفاقات في مراحل مختلفة، وتحملت المركبات الحزبية – لا رئيس المتابعة وحده – مسؤولية عدم توفير بيئة جماعية قادرة على بناء لجنة متابعة قوية وفاعلة.
وفي هذا السياق، نبارك للدكتور جمال زحالقة توليه رئاسة المتابعة، ونأمل أن يشكل انتخابه فرصة حقيقية لفتح صفحة جديدة، وأن يصغي إلى الرأي العام الجماهيري الواسع المطالب بإصلاحات جذرية داخل المتابعة، وصولًا إلى انتخابها مباشرة من الجماهير، باعتبار ذلك المدخل الأهم لاستعادة ثقة الناس بدورها وتعزيز مكانتها كإطار وطني جامع وفاعل.


 

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة