لا تحتاج كلمات د. رولا غانم عن ابنها يزن إلى كثير من الشرح كي تصل إلى القارئ؛ فهي كلمات تنبع من مكانٍ لا يخطئه الإحساس. في كل مرة تكتب فيها عن ابنها، يتجاوز النص حدود السرد الشخصي، ليصبح شهادة حيّة على معاناة الأمهات الفلسطينيات، وعلى العمق الإنساني الذي لا يلتقطه الإعلام كفاية في زحمة الخطابات السياسية.
وجع الأم… الحكاية التي تُختصر ولا تُختزل
حين تتحدث د. رولا غانم عن يزن، فهي لا تنطق بلسانها وحدها. في صوتها تمتزج أصوات آلاف الأمهات اللواتي يعشن على طرف الانتظار، دون يقين واضح ولا مواعيد قريبة. يزن بالنسبة لها ليس غائبًا؛ إنه حاضرٌ في كل تفصيلة. الغياب هنا لا يشبه الغياب العابر، بل هو غيابٌ يعيد تشكيل القلب، ويضع الأم في مواجهة يومية مع ما لا تستطيع السيطرة عليه.
ومع ذلك، تكتب د. رولا من موقع القوة الهادئة لا من موقع الانكسار. هي أمّ تعرف أن ضعفها جريمة يرتكبها الألم، لذلك تقاومه بالصبر، وبإعادة تعريف الأمومة في ظروف لا تشبه شيئًا من الطبيعي.
الانتظار… ذاكرة لا تمحى
غياب الابن خلف جدار غير معلوم يخلق زمنًا مختلفًا. الانتظار يصبح طريقة في العيش، والشوق يتحول إلى لغة ثانية للأم. لم تُخفِ د. رولا هذا التحول، بل وثّقته بكلماتها، وكأنها تقول إن الأم التي يبتعد عنها ابنها لا تنام كما ينام الآخرون، ولا تعيش كما يعيش الآخرون.
هي تستنشق الهواء وكأن في رئتيها ثِقلاً ليس مرئيًا. تفتح النوافذ لا لتغيّر الهواء، بل لعل نسمة تأتي من جهة يزن. هكذا يتحوّل الغياب إلى حضورٍ مضاعف، وإلى اختبار يومي للإنسانية.
الاتكال على الله… المقاومة التي لا تُلتقط بالكاميرا
قد يظن البعض أن الاتكال على الله أمرٌ عاطفيّ، لكنه بالنسبة للأمهات اللواتي فقدن أبناءهن أو انتُزعوا منهن، هو شكلٌ من أشكال المقاومة. د. رولا غانم تفهم ذلك جيدًا. في دعائها تجد قوتها، وفي يقينها بالله تجد الطريق الوحيد الممكن لمواجهة هذا الثقل.
هي لا تكتب لتثير الشفقة؛ بل لتعلن أن الدعاء ليس انسحابًا من الواقع، بل حضورًا كاملًا فيه، ومحاولة لحماية ما تبقى من الروح.
يزن… مرآة لوجع جماعي
قصة يزن ليست حالة فردية؛ إنها مرآة تُظهر الوجه الإنساني للقضية الفلسطينية، الوجه الذي كثيرًا ما يختفي خلف الضجيج السياسي.
في كلمات د. رولا نلمس بوضوح أن المعاناة الفلسطينية ليست أرقامًا تُذكر في التقارير، بل وجوه، وقلوب، وأمهات ينتظرن بصبرٍ يُشبه المعجزة.
يزن هو جزء من هذه الحكاية؛ ابنٌ غاب قسرًا، لكنه ظلّ حاضرًا في ذاكرة أمه وفي وجدان كل من يقرأ كلماتها بصدق.
خاتمة: الأم ليست الهامش
تكتب د. رولا غانم لأن الصمت خيانة، ولأن الأم، مهما اشتدّ عليها الألم، تظلّ نقطة الارتكاز الأولى في روايتنا الفلسطينية.
وما دامت الأمهات يرفعن أسماء أبنائهن في الدعاء، فإن الأمل يبقى قائمًا، والضوء لا ينطفئ، والعودة تظلّ ممكنة مهما طال الطريق.
يزن… ذلك الجزء من الأم الذي لم يغِب يومًا، وسيظلّ حاضرًا بصبرها، وبقوة دعائها، وبإيمانها بأن الله لا يترك قلبًا ينتظر بالحق.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency