أزمة الانتخابات في لجنة المتابعة: بين الانسحابات المفاجئة وضرورة تجديد القيادة

خالد خليفة
نُشر: 25/11/25 11:22

شهدت الساحة السياسية العربية في الداخل واحدة من أكثر المحطات حساسية منذ سنوات، عقب التطورات المتسارعة التي رافقت انتخابات رئاسة لجنة المتابعة العليا في الخامس عشر من نوفمبر الماضي وانتخاب الدكتور جمال زحالقة رئيسًا للجنة. فقد أثار إعلان ثلاثة من المرشحين انسحابهم قبل يوم واحد فقط من موعد الاقتراع حالة من الارتباك والغضب الشعبي، نظرًا لما يحمله هذا القرار المتأخر من أضرار مباشرة على مسار التمثيل العربي وعلى جهود الحفاظ على وحدة المجتمع العربي في لحظة تاريخية دقيقة.

وكان من المفترض، لو كانت وحدة الجماهير هي الهدف الأول لهؤلاء المرشحين، أن يعلنوا انسحابهم قبل أسابيع من الانتخابات، وأن يطرحوا ملاحظاتهم وانتقاداتهم مسبقًا، بدلًا من التراجع والانسحاب في الساعات الأخيرة. ولأن خطاب هؤلاء المرشحين جاء متطابقًا بشكل لافت، فقد زاد ذلك من الشكوك حول وجود جهة سياسية تقف خلف الانسحابات، ويكثر الحديث عن دور محتمل للقائمة الموحدة بعد تقديرات داخلية أفادت بأن مرشحها لن يحظى بالفوز. إن صحّ هذا السيناريو فإنه يعكس تغليب اعتبارات حزبية ضيقة على مصلحة الجماهير العربية، ويهدد بالتأكيد بفتح باب جديد لانقسام لا يحتاجه المجتمع العربي في هذه المرحلة الحرجة من مسيرة جماهيرنا.

وقد جاءت هذه الأزمة في وقت يعاني فيه المجتمع العربي من سلسلة تهديدات استراتيجية، تتعلق بتفشي الجريمة وتصاعد العنف وسياسات حكومية تُوصف بأنها استهداف مباشر للوجود العربي، إضافة إلى ما يحدث في الضفة الغربية وقطاع غزة والتوترات على الساحة الدولية. وفي ظل هذه الظروف، يصبح وجود قيادة عربية قوية وفاعلة ضرورة وطنية وليس مجرد خيار سياسي. كما أن الأحزاب والقوائم العربية، رغم دورها الفعّال، لا تستطيع وحدها قيادة المشهد السياسي العربي في ظل نظام سياسي إسرائيلي يستهدف الوجود الفلسطيني، بحيث أوضحت هذه الحكومة أنها غير معنية بأي حلول سلمية على مختلف الأصعدة تتعلق بالتسوية الحقيقية، بل تريدها دولة من النهر إلى البحر مع وجود فلسطيني ضعيف في الداخل وغيتو محاصر في الضفة الغربية، الأمر الذي يمنح لجنة المتابعة المنتخبة حديثًا أهمية مضاعفة كإطار جامع يتجاوز الحدود الحزبية.

لقد عرفت لجنة المتابعة في منتصف التسعينيات مرحلة نموذجية من العمل المشترك عندما ترأسها المرحوم إبراهيم نمر حسين، حيث كان التنسيق بينها وبين اللجنة القطرية فعالًا ومنتجًا. ومع أننا نحيي هذا العام الذكرى العشرين لوفاته، إلا أن تجربته تبقى مثالًا على القيادة الوطنية القادرة على جمع الطيف السياسي والاجتماعي العربي في إطار واحد. ورغم أن فصل أطر العمل بين اللجنتين لاحقًا أدى إلى بعض التباعد، إلا أنه منح لجنة المتابعة دورًا أكبر في إدارة الأزمات وتنسيق المواقف مع الأحزاب العربية، الأمر الذي يعزز حاليًا، وخاصة بعد انتخاب زحالقة، موقعها كجسم قيادي جامع.

وفي خضم هذه المجريات، يأتي انتخاب الدكتور جمال زحالقة بوصفه شخصية سياسية تمتلك تجارب محلية وقطرية ودولية واسعة، حيث شغل عضوية الكنيست لأكثر من ستة عشر عامًا، وعمل بشكل متواصل في الحقل الجماهيري والأكاديمي، وكتب في صحف دولية، ما أكسبه رؤية شاملة تساعده على فهم التحديات التي تواجه الجماهير العربية وربطها بالسياق العالمي.

إن انتخاب زحالقة سيمنح لجنة المتابعة دفعًا جديدًا، ويساعد على بناء قيادة تستند إلى خبرة سياسية وقدرة على التواصل العميق مع المجتمع المحلي ومع الجهات الدولية أيضًا. وتتمثل أولى مهامه وتحدياته، والتي يجب أن يعمل كثيرًا من أجل تحقيقها ونُسائلُه عليها بعد خمس سنوات، في إعادة بناء لجنة المتابعة على أسس مهنية، واستخلاص العبر من السنوات العشر الماضية التي أدار فيها اللجنة محمد بركة، والذي واجهته الكثير من الصعاب. ولعل من المفيد أن يقدّم محمد بركة، الرئيس السابق للجنة، تقريرًا شاملًا عن التحديات التي واجهته، وفي مقابلة على الهواء مع الإعلامي ومحرر كل العرب فايز شتيوي اعترف محمد بركة علنا انه واجه العديد من المشاكل والتحديات التي لم يستطع تحقيقها بحيث أبقت لجنة المتابعة لجنة ضعيفة ولا تملك القوة والثروات والتي من الواجب على جمال زحالقة ان يقوم بإعادة بنائها ومأسستها من جديد والعمل على إقامة صندوق قومي تديره لجنة المتابعة ويكون ذخرا للمجتمع العربي الامر الذي يسمح بالفعل في بداية صحيحة للمرحلة المقبلة.

كما أن أمام القيادة الجديدة، أياً كانت، مسؤولية توسيع دائرة المهنيين والمتخصصين داخل أطر اللجنة، وتطوير مؤسسات المجتمع المدني والعمل مع هذه المؤسسات، وبناء جسور الثقة بين مختلف القوى والأحزاب العربية. وفي مقدمة المهام الملحّة أيضًا إعادة إحياء مشروع القائمة المشتركة، باعتباره مشروعًا استراتيجيًا يهدف إلى توحيد الصوت العربي وإعادة تنظيم الموقف السياسي في مواجهة المرحلة المقبلة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة