مفاهيم جديدة في العقيدة الاسرائيلية
أمير مخول
في كلمته بتاريخ 26/11 امام مؤتمر المسيّرات UVID2025 صرح بوعاز لافي المدير التنفيذي للصناعات الجوية الاسرائيلية بأن المفاجأة الكبرى لإسرائيل خلال الحرب مع ايران "لم تكن في التكنولوجيا - بل كانت المفاجأة الرئيسية هي جرأة الإيرانيين". ويضيف "لم نكن نعتقد قط أن أحدًا سيجرؤ على إطلاق مثل هذا الكم الهائل من الصواريخ على قلب البلاد. كنا أول دولة تتلقى هذا الكم الهائل من الصواريخ في آن واحد. لقد طوّر الإيرانيون مجالا في هذا الصدد، ومن الواضح أن حرب الصواريخ القادمة ستكون وابلًا من الصواريخ، وأن الرد يجب أن يكون مُصمّمًا. وفي النهاية، شاملا. فيما الرد الحربي هو بالطفرة التكنلوجية التي يوفرها وفقا له الصاروخان الاستراتيجيان حيتس 4 وحيتس5 بالشراكة مع الولايات المتحدة.
فيما صرح الجنرال احتياط تمير هايمن رئيس معهد دراسات الامن القومي INSS بأن اسرائيل عادت لتفوّت الفرص الاستراتيجية منوها الى اعادة تسلح حزب الله والذي لن يترك خيارا سوى مواجهة حربية جديدة. وفقا لرؤيته لإنه "على الرغم من المخاطر، فإن دولة جهادية برعاية تركيا افضل لنا من سيطرة ايرانية تواصل تعزيز قوة حزب الله وتسليحه"، مشيرا الى ان اسرائيل قد فوتت فرصة القضاء على قدرات الحزب ونزع سلاحه فور وقف اطلاق النار، فيما يستخلص بأنه اذا واصل الحزب عملية التسلح بوتيرة تفوق استنزافه من قبل اسرائيل،سيكون الخيار اما بالاعتياد على الوضع او المبادرة الى حرب في لبنان.
في القراءة:
ميدانيا يشير التصعيد الاسرائيلي المكثف في لبنان الى تغيير نهج بشكل جوهري؛ فمقابل حالة الردع التي كانت قائمة لغاية الحرب الاخيرة، وعلى اساسها احتواء اسرائيل لكل استحقاقات الردع، فقد انتقلت حاليا الى اتّباع سياسة انتهاء الاحتواء تجاه تهديد مباشر وتجاه احتمالية كل ما ترى به احتمالا لتهديد مستقبلي، والانتقال من "مفهوم استنزاف العدو الى القضاء عليه قبل أن يتعاظم". وهي استراتيجية تتطلب بعدا استخباراتيا غير مسبوق وبقدرات دولة عظمى، وبناء عليه التعاون الاستخباراتي الاقوى مع الولايات المتحدة ودول مثل بريطانيا وألمانيا وضمان التفوق النوعي الذي يؤدي النتيجة.
لقد بات اخفاق السابع من اكتوبر 2023 هو الهاجس وهو المحرك لمجمل التغييرات في الاستراتيجيات الامنية، كما اصبح شعار "كي لا يحصل 7 اكتوبر جديد" متلازما لسياسة فعلية ومخططات أمنية متعددة الجبهات وتفتقر الى الحلول السياسية بل تتماشى مع خطاب نتنياهو عن "اسبارطة العظمى"الذي يشكل موجّها لمعظم المخططات ذات البعد الأمني الشامل. ضمن هذا المبدأ يجري على قدم وساق تنفيذ مشروع "الشرق الجديد" في الاراضي السورية المحتلة عام 2024 وهو عبارة عن ساتر ضخم يستند الى تسع نقاط تمركز من السواتر الترابية والصخرية ومجهز بأحدث اجهزة الرقابة والمجسات المبنية على الذكاء الاصطناعي الحربي ومهمته منع اي تحرك سريع من داخل الاراضي السورية المذكورة الى حدود العام 1967 والجولان المحتل الخاضع لقانون الضم الاسرائيلي. وبالاضافة أقام الجيش الاسرائيلي تسعة مواقع عملياتية في هذه المنطقة التي تخضع لاحتلال مستدام.
بالتوازي مع هذا، يجري في الجنوب اللبناني نمط شبيه، يتمثل في تثبيت النقاط العسكرية الاسرائيلية الخمس، والتي تشكل بحد ذاتها نقاط تواصل عملياتية اسرائيلية تحوّل كل الجنوب الى منطقة عازلة تحت الرقابة والتحكّم. فيما ترى ان استهداف حزب الله في كل لبنان بما فيه في قلب الضاحية الجنوبية من بيروت انما يعزز من فاعلية النقاط الخمس، بالاضافة الى الساتر الاسمنتي على طول الحدود مع لبنان او بموازاتها وجعل التهديد ليس متبادلا ورادعا بل من طرف واحد اسرائيلي تجاه لبنان كله.
تحت مسمى "منع 7 اكتوبر جديد" يغير جيش الاحتلال نمط عمله في الضفة الغربية، فبعد تهجير مخيمي اللاجئين في جنين وطولكرم وبشكل مستدام، يقوم الجيش باعلان مناطق كاملة بأنها عسكرية مغلقة ويمنع حركة الناس لفترات مطولة، مسوّغا ذلك باحتمالية وجود خلايا فلسطينية او حتى خلية واحدة. فيهذه الايام قام الاحتلال باعلان مناطق شمال الضفة الغربية ومنطقة طوباس وبلداتها حصريا مناطق مغلقة تخضع لعمليات الجيش. كما تجري هذه العمليات في اطار ما يسمى "انتهاء سياسة الاحتواء" والرقابة الاستخباراتية التقليدية والتحوّل الى الفعل الاستباقي الحاسم، ووفقا لذات المنطق القائم على محاربة العدو في عمقه. صحيح ان هذا المبدأ معمول به منذ أمد طويل الا انه محرَّر من اية اعتبارات سياسية ولا يتردد في التصعيد نحو تهجير مناطق كاملة.
تحدي المسيّرات، تعتبر اسرائيل ان الحرب المستقبلية كما الحالية ستشهد انتقالا واسعا الى حرب المسيّرات. ونظرا لهذا التحوّل تم عقد مؤتمر حرب المسيّرات المذكور اعلاه. حاليا لا يوجد رد متكامل لهذا التحدي كما تفيد التقديرات الاسرائيلية. بالاضافة الى الرد العملياتي والتكتيكي وتطوير القدرات، فإن الرؤية تشير الى تدمير بنية صناعة المسيرات، وتطوير التكنولوجيا المضادة.
نقل الحرب بكل مراحلها الى ارض العدو وعمقه الاستراتيجي، وإبعادها تماما عن الداخل الاسرائيلي وهذا يتطلب إبعادها عن الحدود تماما، وكي لا يصل مداها الى الحدود. في هذا السياق اعتبرت غالبية التقديرات بأن نقل سكان المنطقة الشمالية الحدودية وتوزيعهم في مركز البلاد كان خطأ استراتيجيا يتم تصحيحه بإبعاد الحرب عن الحدود ومستقبلا عن المناطق العازلة الاحتلالية فعليا. في هذا الصدد فإن اسرائيل تعود الى عقيدتها التأسيسية التي قامت على منع وصول الحرب الى حدودها او الى داخلها. هذه العقيدة تآكلت في حرب 2006 والتي ترسخت فيها عقيدة الردع المتبادل، وفي الحرب الاخيرة انهارت. بينما المسعى الحالي وبرؤية مستقبلية هو استراتيجية الردع من طرف واحد هو الاسرائيلي. يقوم هذا الردع على عقيدة استهداف العدو قبل ان يستكمل اية قدرات، بل والسعي الثابت لتدميره وتقويضه ومنعه من تطوير قدراته.
في هذا الصدد تأتي فكرة المنطقة العازلة في غزة والنوايا الاسرائيلية في تثبيت الخط الاصفر اضافة الى "السواتر الذكية" والدفع لتوسيعه، الا ان الردع في غزة يستند الى خطة ترامب التي تحد من الدور الاسرائيلي وتفرض واقعا دوليا يختلف عن باقي الجبهات.
يبقى المبدأ الاساس في العقيدة الاسرائيلية هو التحول من الاعتماد المطلق على الدعم الامريكي الى خلق شراكات أمنية وتكنولوجية عسكرية، تخلق مصلحة مباشرة للولايات المتحدة في هذه الشراكة وجدواها. هذا المبدأ هو من الاسس الموجّهة للاستراتيجيات الاسرائيلية، وحصريا في التطوير التكنولوجي الحربي والقدرات التي تضمن لها كما للولايات المتحدة التفوق على التكنولوجيا الايرانية وقدرات هذا البلد الصاروخية التي فاجأت اسرائيل كما ذكر سالفا. في المقابل تعتبر الولايات المتحدة ان القدرات الايرانية تعتمد على التكنولوجيا الصينية مما يرسخ الرغبة الامريكية في مواجهتها والشراكة في ذلك مع اسرائيل.
في الخلاصة، ونظرا لانعدام أفق سياسي اسرائيلي تجاه أية جبهة وحصريا تجاه الحالة الفلسطينية فإن كل الجهود تتجه الى الحلول التكتيكية العسكرية والأمنيّة الأكثر عدوانيةً، ووفقا لعقيدة "اسبارطة العظمى" التي تحدث عنها نتنياهو. ويبدو ان حديث ترامب سابقا عن ضيق حدود اسرائيل هو جزء من عقيدة تتبلور أمنيا.
كما تقوم اسرائيل بعملية شاملة متعددة المنظومات لم تكتمل بعد، وفي قراءة التحولات واستخلاص العبر من اخفاق 7 اكتوبر 2023. وتحت مسمى منع تكرار الاخفاق تعود الى بناء القدرات والشراكات من اجل عقيدتها التأسيسية القائمة على نقل الحرب الى ارض العدو وعمقه الاستراتيجي وبعيدا عن الحدود الاسرائيلية.
مفاد التحولات الاستراتيجية هو إنهاء مفهوم معادلة الردع الثنائية والمتبادل، اي بين طرفين، والتحول الى ردع من طرف واحد من خلال توسيع الحدود الأمنية لاسرائيل فعليا كما يحدث حاليا في لبنان وسوريا وغزة والتوسع في الضفة وتصعيد الخناق على السلطة الفلسطينية.
بعد ان قوضت اسرائيل استراتيجية وحدة الساحات وطوق النار، تحولت استراتيجيتها الى مفهوم تعدد الجبهات واعتبار أن الجبهات المتعددة تشكل عمقا الواحدة للاخرى، وبناء عليه تبني اسرائيل قدرات تقويضية لجميعها تقوم على الشراكة مع الولايات المتحدة.
في بناء قدراتها للرد على كل مستويات التحديات، فإن المنحى الاهم الذي ترى به اسرائيل ضامنا لها، هو تحويل علاقتها مع الولايات المتحدة الى شراكة ناجعة تجد فيها الولايات المتحدة قيمة اضافية وحصريا لمواجهات اسرائيل مع تكنولوجيا الحروب مع جبهات تعتمد التكنولوجيا الصينية الاكثر تطورا، والتي أثبتت نجاعتها وفقا للقراءة الاسرائيلية والاستخلاصات من الحرب مع ايران.
(مركز تقدم للسياسات)
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency