الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 22:01

مُهرةٌ فوق السحاب

بقلم: السفير منجد صالح

منجد صالح
نُشر: 06/10/21 15:36,  حُتلن: 16:12

انحنت نحوي دلالاً،
وهمست بصوتِ كروان:
"من فضلك اربط حزام الأمان،
فنحن على وشكِ الطيران"،
انسدل شعرُها فوق كتفي،
عطرها "هاجم" أرنبة انفي،
وهبّت عليّ نسائم الحنان،
سمعتها،
لم أسمعها!!،
لا أدري،
فأنا لا أتقن تفسير صوتِ البلابل،
تركتُ الحزام على غاربه،
تركتُه هكذا،
دون ربطٍ،
بلا جدايل،
*****
عادت في اللفّة التالية،
وقفت جنبي،
تُظلّلني،
حدّقت بي،
بعينين خضراوين سوابل،
ابتسمت وغرّدت:
"ألم أقل لك لُطفا أن تربط حزام الأمان؟
فالطائرة ستُقلع حالا،
ستمخُرُ توّا
عباب السُحب الأوائل"،
أجبتها: "سامحيني،
فأنا لا أتقنُ فنّ ربط الحزام،
رُبما تساعديني؟
أكون لك شاكرا على طول الزمان"،
ابتسمت بخفرٍ و"خُبث" وقالت:
"حسناً، سأُحضرُ لك زميلا "خبيرا"،
زميلي "عريق" في لعبة الأيام،
وفي دُنيا "صيد الأيايل"،
اصطادتني هي حتى
قبل أن أبدأ في رسم البدائل!!
*****
أصبحنا فوق السحاب،
نُجدّف في بحر الغيوم،
نخترق تلال القطن،
جبال الثلوج،
كأننا جُندٌ نُرابط على التُخُوم،
لمحتها رأيتها
تأتي تقفز طربا
كمُهرةٍ إنفلتت من بين النُجوم،
عطرها الفوّاح يسبقها،
يتبعها،
ترُشّه عبقا على الجانبين،
تُدغدغ أنوفا،
تُشنّف آذانا،
تأسرُ لُبّ عقلِ الراكبين،
*****
عطرها يُدغدغ شهوة الفحولة،
التطامُ أمواج البحر فوق الصخور،
نهرٌ يسيل ماء عذبا بين ضفّتين،
*****
احترس يا هذا لا تحلم،
نم قرير العيون،
فالرحلة طويلة لا تسمح
بمثل هذا الجنون،
انسَ المهرة، انسَ النجمة،
انسَ كحيلة الجفون،
فأنت لم تعهد
حياة السهر
ولا السُهد
ولا العشق
ولا المُجون،
صوت البلابل يُغري
مثل صوتِ الحسّون،
حصانكُ جامحٌ،
لكن اهدأ قليلا،
فسرّك بمليون.
*****
يأتي صوت عبر الأثير يصدح:
"سيداتي سادتي،
رجاءً اعدِلوا ظهر المقاعد
اقفلوا الطاولات أمامكم،
التزموا المطرح،
ستحطّ بنا الطائرة حالا
في مطار العاصمة،
نشكركم على اختياركم
لأجنحتنا الباسمة،
نلقاكم على خير
في المرّة القادمة"،
*****
وتشرع بلفّتها الأخيرة،
بثوبها الشعبي المُطرّز
بخيط إبرة
ونقشة الديرة،
تغمر الركّاب عطرا
ووردا وودّا وسكينة،
تقف بجانبي، قصدا،
تبتسم "بخبثٍ"،
نواجذ حبّتي الفراولة،
وتنحني نحوي
وتهمس:
"من فضلك إربط حزام الأمان".

* منجد صالح: كاتب ودبلوماسي فلسطيني*

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com 


مقالات متعلقة