الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 08:02

نفق "الطريق الى القدس"-أمير مخول

أمير مخول
نُشر: 17/10/21 01:04,  حُتلن: 10:47

هكذا أطلق محمود العارضة وزملاؤه على عملية النفق، وهذا ما ارادوا كتابته على جدار الزنزانة، قبل الولوج في النفق من اجل الخروج منه كما فعلوا. لم يتمكنوا من الكتابة وإبقاء الرسالة على الجدار نظرا لتطورات اللحظة الاخيرة في حينه، لكنهم كتبوا الرسالة وطبعوها عميقا في وجدان شعبهم، كل شعبهم وكل انصار ونصيرات الحرية في العالم.


الطريق الى القدس هي رسالة، وهي رسالة فلسطينية الى شعب فلسطين والى شعبنا العربي في الوطن العربي. فلا مكان لطرق التفافية ولا لمسارات تكثر الحديث عن القدس برمزيتها بل وتتحدث باسمها، لكنها تبتعد عنها في كل خطوة تخطوها.
الحديث عن القدس يذكرني بأمر آخر مختلف، لكنه التصق بالقدس وبالاسرى. كان ذلك في العام 2011 حين نظمت اللجنة الرياضية في القسم 2 من السجن ذاته، ماراتون القدس. المسافة من مشارف غور بيسان وحتى القدس تعادل الثمانين كيلومترا. طول ساحة القسم حوالي 35 مترا وعرضها حوالي العشرين إن لم أكن مخطئا. لكن الخيال الاسير حين يحرر ذاته يجد الحلول، فكيف تصل الى القدس وانت مكبّل بالسجن وقيوده، وكيف تُدخِل فلسطين في باحة السجن كي تخرج اليها؟. تمّ احتساب كل دورة ركض في الساحة بـ 65 مترا. رسم اعضاء اللجنة الرياضية الاشارات لتحديد مسار الركض وذلك من لا شيء فالطباشير ممنوعة والحجارة محظورة وعليه استخدموا علب مخللات استعاروها من الكانتينا، وقام أخرون بتفكيك أكياس البطاطا الى خيوط دقيقة استخدموها للقياس ومن ثم لتحديد حدود المسار، وتم اعتماد اسرى كمراقبين للمسار وللطابور كي يلتزم الجميع بالتعليمات.
تم احتساب الوقت الضروري كي يقوم الاسرى بالمهمة وكي يصلوا الي القدس. واتفق الرأي بعد اعتماد المعادلات الرياضية الى ان يتواصل الطابور لمدة اسبوع وخلال ساعتين متواصلتين ودونما استراحة يوميا، من السابعة ولغاية التاسعة صباحا. وهكذا انطلق الماراتون وقد بلغنا نهايته وكنا 18 اسيرا من بقينا حتى خط النهاية وقد حصلتُ شخصياً على الرقم 18 لكن صديقي علي عمرية ابن ابطن والذي تحرر في صفقة وفاء الاحرار، أبى إلا ان يقدّمني للمرتبة السابعة عشرة ليحتل هو المرتبة الثامنية عشرة اذ تباطأ خصيصا في اليوم الاخير كي يحصل ذلك.
للقدس مكانة في رسالة الاسرى، فالمسجد الاقصى المبارك من أكثر ما يحرّك مشاعر الاسرى، كما أن الكثيرين وبالذات من الاجيال الناشئة المعتقلين دفاعا عن القدس او بالاحتجاج في انحاء مختلفة من فلسطين على اعتداءات الاحتلال على القدس والاقصى. أذكر ما بين العامين 2017 و2019 حيث كنت في "قسم نابلس" في سجن الجلبوع، كنت التقي بكثافة مع الاسرى الشبان، سواء بالتدريس او الفعاليات وورشات النقاش الثقافية والسياسية، وقد شارك في الحلقات إثنان وثلاثون منهم. حين كنت اطرح في احدى الورشات سؤالا حول ما يدفع الشباب الى مواجهة الاحتلال والقيام بعمليات فردية، كان شبه اجماع بأن الخط الاحمر هو المس بالقدس والاقصى، ويلي ذلك اعتداءات الاحتلال على النساء والامهات وبالذات في القدس.
حين بدأت تتكشف وقائع التخطيط وحفر النفق وعملية الخروج للحرية وتحرير الذات، سواء أكان ذلك بالرسائل التي بعث بها الاسرى الستة، أم بما يرشح من حيثيات التحقيقات من خلال المحامين وبعض المصادر الاعلامية، تكشّفت ايضا كم كانت الحالة الفلسطينية بحاجة الى نفق يهزها، كي تصحو ولو مؤقتا، كي تكون عملية مراجعة، كي يتعلم الجميع ما معنى الحلم وما معنى الطريق الى الحلم، وما معنى القيادة حين يكون محمود العارضة أول من خطط للنفق وأول من بدأ عملية الحفر في 14/12/2020 وآخر الستة في الخروج منه بعد أن ضمن سلامة زملائه في مسيرة الثلاثين مترا تحت الارض ونحو السماوات. لقد أراد أحرار النفق الوصول الى الضفة وحماية حريتهم من خلال الناس واذا لزم الامر من خلال الاحتماء بسجن السلطة الفلسطينية من السجن الاسرائيلي ومن جيش الاحتلال. كما ارادوا حسب تصريحات العارضة وزكريا الزبيدي تلقين الاحتلال ومؤسسته الامنية درسا بأنه لا شيء يقف أمام الحرية وأن كل مخططاته خائبة في هذا الشأن.
حين سال محققو الشاباك محمود عن مصيره بعد سبع سنوات هل سيحاول حفر نفق جديد، اذ كان النفق السابق الذي عمل عليه في العام 2014 اي قبل سبع سنوات، فأجاب سأكون محرّراً في صفقة التبادل مع حماس والتي يكثر الحديث عنها، وأتجول في أنحاء الوطن. وقد رد عليه المحقق بأدعائه بأنه لن تكون صفقة ولن نبادل جثث جنود، فقال له محمود لكن السنوار يقول انهم احياء. إنها صدام روايات، وفي هكذا صدام لم يقبل الفلسطيني إلاّ بروايته وليس برواية الاحتلال مهما كانت. وفي هذا درس بأن احتلال الرواية من قبل المستعمِر هو وسيلته لتعميق احتلال الارض والوطن وارادة ضحاياه الذين لم ولن يستسلموا.
الطريق الى القدس شعار، وفي حالة أسرى النفق الستة هو مشروع، فلا تلعثم عندهم ولا توجد اية فجوة بين الشعار والممارسة في هذا الصدد. فالطريق يمر من الوطن، من بطن ارضه ويتجاوز مشقّات ومخاطر حفره، ليخرج الى الوطن. لم يفتش طريق الاسرى عن مكان أخر يلتف فيه على فلسطين كي يعود اليها وربما لا يعود. لكنه يقبل ان يبقى في ارضها ويصرّ على ذلك ومهما كان الثمن، فلا فرق عنده بين فلسطين وفلسطين، ولا يتوقف عند "خط اخضر" وهمي زرعه المستعمر في أذهاننا كي يعبث بجانبيه بينما يريد لنا أن نلتهي به ونتوقف عنده. لم يأبه الاسرى الاحرار ان يتيهوا الا في ارض الوطن، وكل قطعة من ارض فلسطين هي قدس وهي حرية. فالطريق الى القدس واضح لمن يريد أن يصل.

مقالات متعلقة