الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 07:02

البؤس الاجتماعي وغياب الإنتلجنتسيا

مقدام مواسي

مقدام مواسي
نُشر: 26/08/21 15:10

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

في مراحل تطور التاريخ الاجتماعي-السياسي للبشرية تنتقل المجتمعات من اطوار متخلفة في تكوينها الاجتماعي وفي نمط حياتها الاقتصادي الى اطوار اكثر منها تقدما في نظامها وفي قيمها عبر مراحل انتقالية اصطلحنا على تسميتها بالمراحل الثورية.

فعندما يستنزف النظام القديم امكاناته في البقاء والاستمرار وتعيش الجماهير حالة بؤس وشقاء ترافقها ايضا حالة تذرر اجتماعي (اي انهيار البنى الاجتماعية التقليدية وسقوط مجموع القيم والمبادئ وضوابط السلوك التي تشكل شخصية النظام القديم والتي كانت سائدة على المستوى الشعبي كما صاغها ايديولوحيو السلطة) تكون الظروف الموضوعية جاهزة للثورة اما عن طريق تبلور وعي جمعي لمصلحة طبفية كما حصل مع الثورات البرجوازية في ادراكها الواضح لمصلحتها ضد الطبقة الاقطاعية وتناقضها مع النظام الذي يرعاها وهو ما حدث في الثورة الفرنسية 1789 او بالتقاء انتلجنسيا (نخبة مثقفة) ثورية تعوض عدم نضوج الوعي الثوري عند الطبقات المسحوقة في النظام للقيام بثورة بسبب حالة التخلف المجتمعي وعدم وجود وعي ثوري عند الجماهير المستاءة لطبيعة تناقضها مع النظام والقورة البلشفية 1917 تقدم نموذجا واضحا للمثال بالتقاء الطليعة الماركسية الاشتراكية بقيادة لينين مع جموع الشعب المتذرر قائدا اياه لمشروع ثورة تقدمي وتكون تلك النخبة متقدمة في وعيها عن وعي جموع الشعب وتتولى هي بالذات تثقيف الجماهير لمقاصده الثورية.

ما نعيشه اليوم في واقعنا العربي هو بالضبط (حالة تخلف اجتماعي-اقتصادي هائل مع غياب انتلجنسيا تلتقي مع جموع الشعب المستاء في قيادته لبناء مشروع حداثوي) لذلك لا نرى شعارات ثورية اكبر واعمق من (الشعب يريد اسقاط النظام) و(كلهن يعني كلهن) ولا شيئ يتجاوز ذلك, ولا الوم الشعوب العربية في ذلك فواقعنا من نواحي اقتصادية وسياسية لا يعطي للاغلبية الساحقة مجالا للتفكر والتامل في صياغة نماذج نظرية ثورية بديلة عما تعيشه فضغوضات الحياة المعيشية تستنزف طاقاتهم الجسدية والنفسية في مسعاهم الحثيث لتلبية واشباع حاجاتهم المادية المتزايدة.

هذه الهوة العميقة بين الواقع المتخلف وبين المقاصد الثورية الذي لا يدرك غالبيتنا ماهيتها وقصور الطبقات المسحوقة المنتفضة في بلورتها تستوجب وتستدعي وجود انتلجنسيا ثورية تقود حزبا يلتقي مع جموع الشعب العربي المستاء والمتذرر ويشكل بوصلتهم نحو التغيير ويطرح برنامجا ثوريا يحدد تناقضات الشارع بنظرة واعية ويصوغ حلها في برنامجه السياسي.

منذ مايقرب من العشرة اعوام شهد محيطنا العربي حراكا شعبيا محقا صادقا في تعبيره عن ازماته السياسية والاقتصادية ولكن عدم التقاءهم بنخب مثقفة تلتقي معهم وتعبر عن طموحاتهم وتطرح تناقضاتهم مع واقعهم في برنامجها السياسي وتضعه في سلم اولوياتها كان سببا في فشل الحراك اليمني والسوري والليبي والتونسي.

غياب تلك الانتلجنسيا الثورية كانت سببا في ظهور احزاب وقوى لا تختلف في تعاطيها مع المشهد السياسي والاقتصادي من سابقاتها كما حدث في تونس مراكمة فشل المنظومات القديمة في حل المشاكل الاقتصادية في البلاد, ونستطيع ان نرى في نجاح قيس سعيد القادم من خارج التشكيلات الحزبية دليلا على حالة الاحباط الشعبي من تلك الاحزاب.

غياب تلك الانتلجنسيا كانت سببا في افراز قوى معارضة سورية ترى تناقضها الاساسي مع حزب الله كما هو الحال مع الائتلاف السوري لقوى الثورة. في تجاوز واضح لجوهر هذه الانتفاضات واسبابها ولتراتبية تناقضاتها (ابتداءا بالوضع المعيشي وانتهاءا بالعلاقات الخارجية).

غياب تلك الانتلجنسيا كانت سببا في دخول موجات قاعدية على خطوط الازمة في ليبيا واليمن مستغلة حالة الارباك السياسي بعد انهيار منظومات الحكم القديمة فيها.

وظاهرة الارتزاق السياسي ليست ببعيدة عن ذلك فالمرتزق انتهازي لا يرى ابعد من مصلحة عينية متحققة بالامد القصير, لا تضبطه قيم ولا قواعد سلوك, لا يرتبط بمقاصد عليا, ان ما يشكل بوصلته بضعة دولارات. وهو حال السوريين في ليبيا والسودانيين في اليمن.

عندما تعبر النخب السياسية في برنامجها السياسي عن تناقضات دول اقليمية ودولية او عندما تعبر عن مصالح طبقات محتكرة لراس المال مسيطرة فاسدة يكون محكوم عليها بالفشل في احتواء الغضب الشعبي المتراكم وبالسقوط المستقبلي المحتم ويبقى الرهان على نخب تلتقي بصدق مع ما يتطلع اليه الشارع كحل يتجاوز ظروفه القاهرة.

وفي مراحل متقدمة من تجليات غياب الانتلجنتسيا الثورية بتنا نسمع اصواتا تدعوا للوصاية والإستتباع لصالح قوى دولية كما يحصل الان في لبنان بعد حادثة المرفأ المفجعة.

إنكقاء النخب المثقفة (من خارج المنظومات الحاكمة) عن تادية دورها التاريخي في استقطاب الجماهير وقيادتهم في وضع يستدعي وجودهم ينذر بحالة اسوا مما نحن عليها الان, لذلك فهم بمثابة البوصلة التي تتوق جماهير الشعب العربي للتمسك بها والانضواء تحت رايتها.

مقالات متعلقة