الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 14:02

صمت في مقهى

بقلم: حنيفة سليمان

حنيفة سليمان
نُشر: 31/08/21 16:45,  حُتلن: 17:23

جلس على الطاولة الملاصقة لنافذة المقهى والذي اعتاد ارتياده منذ فترة قريبة، يجلس بصحبة فنجان قهوته الساخن وكاس ماؤه البارد ولا أحد بانتظاره سواهما، تبدأ الامطار بالهطول لتصفق النافذة بعنف وكأنما ترجوه بشق النافذة لتستقطب بعضا من دفء المقهى المكتنز داخله، صوت اقدام تروح وتجيء امام ناظريه ليعود ويحدق بالبخار الساخن الذي اخذ يرتفع ويتعالى ليرتطم برائحة الدخان العابقة في ثياب الوافدين الى هنا.


في رائحة القهوة التي بدأت خيوطها تنساب الى انفه وتتغلغل في ثنايا المكان ليبدأ معها شريط الذكريات بالدوران.
ذكريات تساقطت اوراقها على ثرى أيام ماضية انتظر عودتها، ذكريات استرقت انامل الزمن أجمل لحظاتها، اضاعت حروف ضحكاتها في دروب الانتظار وسحقتها بلا رحمة.
صور لأشخاص بدأت تلوح خيالاتها للحظة وتتلاشى لحظة أخرى , اشخاص في حضرة أصواتهم تحتضر الكلمات، أحس للحظة وفي اثناء استحضار أصواتهم بان دقات قلبه اخذت تتناثر في كل مكان وما يزيد تناثرها تلك القطرات المتجمعة على النافذة والتي اخذت تنسحب بسرعة الى اسفلها لتختفي الى الابد.
أحس بساعاته التي يقضيها في المقهى تتراقص على موسيقى الم جديد، عيناه تسرحان بالاشيء ببشر بأماكن، زوايا، ليتساءل: من لي لأسرع بهذا الشغف الذي اتابعه امامي؟ لأترك موقعي في هذا المقهى الذي اعتدته وارحل؟ طرح اسئلته للمرة المليون وأجاب عليها للمرة المليون ومع ذلك لا يزال يعيدها.
امسك فنجان قهوته شعر وكأن سخونته بدأت تقل شيئا فشيئا بينما كأس الماء بدأت سخونته في الارتفاع , بدأت متعة ارتشافهما ترحل وهو غارق في الشرود، ما زال يطرح اسئلته ، ما زال لديه الكثير منها في جوفه وعلى ما يبدو لن تنتهي حلقتها اليوم.
تذكر تلك المرأة البيضاء التي اخذت تعبث بقلبه تبحث لها عن نبضة تقوم بتدوينها باسمها، حفنة وفاء تسجلها لها تمتلكه بذاته لنفسها، تنسيه تلك السمراء التي عاشت معه ثلاثين عاما، شاركته ذكرياته , أحلامه، افراحه احزانه، أولاده. ظنت بأنها قادرة على ذلك بمجرد ابتسامة او لمسة او ضحكة ترتسم على ثغرها، وضع يده ناحية القلب الذي اخذ يبعث بضربات حادة، أراد ان يقيس نسبة الحنين في كل زاوية من زواياه ليفاجئ بأنها قد قدمت استقالتها منذ زمن فهي غير قادرة على ان تحمل نفسها أكثر مما يجب، ليست بمضطرة أصلا لتحملها. ودع قهوته وكأس ماؤه ، ركن أحلامه , ذكرياته على الكرسي الذي كان جالسا عليه نظر اليها نظرة عميقة وانسل خارجا من حيث اتى.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

مقالات متعلقة