الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 19:02

النقب: فرص التطوير الاقتصادي/ بقلم: منى مصالحة

المحامية والاقتصادية منى
نُشر: 21/09/21 10:06,  حُتلن: 12:24

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

ان التطوير الاقتصادي للأقليات من سكان البلاد الأصليين أو المهاجرين يسترعي اهتمام الدول المتقدمة ويعتبر هدفا استراتيجيا لها لادراكها تبعيات الأمر على اقتصاد الدولة عامة وعلى مختلف المناحي الاجتماعية ولذا وضعت هذه الدول لنفسها أهدافا للتطوير مرفقة لمعايير تقيس مدى النجاح، تتابعها سنويا. ونرى أنه عندما كان الأمر مرتبطا بصراعات سياسية مع هذه الاقليات فان دولا سلبت حقوقها الاقتصادية كوسيلة ضغط أو انتقام وأخرى انتهجت نهجا اخر ورأت بالاقتصاد كحل للصراع فكثفت الجهود لتحسن الظروف الاقتصادية للأقلية على أمل أن يخفف ذلك من حدة الصراع.
يستدعي تطوير النقب تفكيرا استثنائيا وهي منطقة تحمل كل المقومات الاقتصادية الضرورية للتطوير من القوى البشرية، الكنوز الطبيعة إضافة الى ارث تاريخي عريق يعتبر في الاقتصاد عمادا للسياحة. ولان الاعتبارات المهنية الاقتصادية ليست سيدة الموقف، على الأقل في الوقت الحالي، انما الرهاب السياسي القومي هو المحرك الأساسي للسياسات الحكومية وجب تجاوز هذه العقبة أولا.
بالنسبة للإنسان العربي في النقب فان السياسات الحكومية الاقتصادية اتجاهه كانت متخبطة فقد توالت القرارات الحكومية الاقتصادية التي خصصت الميزانيات للتطوير في مجال البنى التحتية وبناء المؤسسات العامة، التعليم، الخدمات الاجتماعية، التشغيل، إقامة المناطق الصناعية ودعم المصالح التجارية الى محاربة العنف الا انها لم تستنفد بالكامل ولاقت العقبات الجمة لتخرج الى حيز التنفيذ. وربما ذلك ينبع من عدم وجود سياسة عامة موحدة في الدولة فيحدث أن تتخذ الحكومة قرارا لكنه لا يحترم على مستوى موظفي المؤسسات الحكومية المنفذة وخاصة في ظل الصراعات الحزبية الضارية فلا يخلو الأمر من دخول الاعتبارات السياسية كعثرة عند التطبيق.
وفي هذا السياق، لا نغفل عن القضية الأساسية ألا وهي قضية الأرض فكان عدم الاعتراف بالعديد من البلدات العربية البدوية وهذا لوحده من شأنه أن يعرقل مسيرة التطوير. ان مسألة الاعتراف بالقرى الغير معترف فيها بالنقب هي أيضا مسألة مهنية اقتصادية ومحورية للتطوير الجاد. مع ادراكنا أنه بطبيعة الحال لا تقوم أي دولة بتمكين مواطنيها من السكنى في كل مكان يريدونه ولهذا كانت قوانين التنظيم والبناء حيث أن لذلك ابعاد مادية ويكلف مبالغ طائلة من ناحية انشاء البنى التحتية، الكهرباء، المياه، الصرف الصحي والخدمات الصحية، التعليمية والاجتماعية ولكن حيثيات البلدات العربية في النقب تختلف ولذا وجب الاعتراف بما هو قائم والتنظيم مستقبلا.
وكما أسلفت فأن بإمكان النقب بمقوماته أن يشكل رافعة لاقتصاد الدولة وأن يستقطب فئات سكانية من مختلف أنحاء البلاد ويوفر السكن الرخيص ومكان التشغيل ولكن للوصول الى هذه المرحلة نحتاج الى العمل الدؤوب المدروس والذي لا يعتمد فقط على الميزانيات الحكومية انما أبضا على قطاع الأعمال وجذب استثمارات محلية ودولية. أن عملية التشبيك بين كافة الأطر واشراك الجمهور هي مهمة ضرورية للحصول على النتائج المرجوة.
الى جانب توفير الخدمات الأساسية من التعليم، الخدمات الاجتماعية والصحية وتوفير البنى التحتية فأنه مبدئيا ينصح بالارتكاز على ثلاث محاور: الزراعة، الطاقة البديلة والسياحة كلها مدعومة بتطوير فرع الهاي تيك.
ومن الممكن أن نستفيد في هذا المضمار من تجارب دول أخرى سعت الى اعمار الصحراء كمحرك للنمو الاقتصادي فيها. وحتى نفهم حجم تأثير تطوير النقب على الاقتصاد المحلي نذكر هنا أن مساحة النقب تشكل 60% من اجمالي مساحة الدولة الا أن عدد ساكنيه هو 8% من سكان الدولة نصفهم من العرب.
المحور الأول المقترح هو تطوير قطاع الزراعة فالى جانب إسرائيل فان دول كثيرة بالعالم قد طورت طرق وتقنيات للزراعة الصحراوية وهناك العديد من المشاريع الاقتصادية التي أقيمت بهذا المضمار ان كان في المجتمعات النامية أو المتقدمة. لقد قامت دول عدة باستصلاح الأراضي الصحراوية وتحويلها لأراض زراعية تعوض عن النقص في الأراضي الزراعية وقد سهلت التكنولوجيا هذا الامر وأقيمت مراكز البحث في انحاء العالم لتطويرها علما أن النقب يشكل 60% تقريبا من مساحة الدولة. وقد قامت دول عديدة في المنطقة بمشاريع زراعية في الصحراء كمصر، الامارات, السعودية، المغرب ، الصين، الولايات المتحدة ودول افريقية عدة. على سبيل المثال فان الصين التي تشكل الصحراء 27% من مساحتها قد طورت الصناعة الصحراوية حيث ان هذه الصناعات الجديدة لا تحفز الاقتصاد المحلي فقط، وإنما أيضا تستكشف طريقا جديدا للبناء الإيكولوجي في الصين وتعزز السياحة البيئية الزراعية. في الامارات استصلاح الأراضي الصحراوية، يعتبر أولوية، فهي تسعى إلى دعم الأمن الغذائي، وتقليل اعتمادها على الاستيراد من الخارج وقد استعملت مؤخرا الطين المصنع وهو ابتكار نرويجي يحول الاراضي الزراعية الى اراض خصبة في سبعة أيام فقط.
أما في الاردن المجاورة قد أطلق مشروع زراعي يهدف الى تشغيل النساء الا وهو " مشروع الصحراء الذكية والتطوير الذكي للحلول الصديقة للبيئة" والذي ترعاه الوكالة الفرنسية للتنمية وينفذه الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة بالتعاون مع عدد من المنظمات المحلية. امكانية التعاون واردة مع منظمات دولية تمول وتدعم مشاريع تنموية وخاصة تلك التي تعنى بتشغيل المرأة.
هناك العديد من المبادرات في مجال الزراعة بالنقب لكنها تقتصر تقريبا على البلدات اليهودية ولذلك من المهم أن نعزز هذا القطاع في البلدات العربية أيضا. وهناك حاجة ماسة الى دعم من المؤسسات الحكومية ذات الصلة خاصة أن هذا القطاع قد اهمل وقد تحولت الدولة مع الوقت الى مصدرة للتكنولوجيا الزراعية أكثر منها كداعمة للمزارعين.
المحور الثاني الذي بامكانه أن يعزز تطوير النقب وفيه يستغل المناخ الصحراوي هو الطاقة البديلة- توليد الطاقة الشمسية الصديق للبيئة بهدف الوصول لاكتفاء ذاتي وبعد الربح المادي. ان هذا الاستثمار من الاستثمارات المربحة ومصادر التمويل البنكية متوفرة وممكن تطبيقه على المدى القريب. وهذا المشروع يتماشي مع أهداف الخطة الحكومية لزيادة انتاج الطاقة البديلة. وقد شاركت مؤخرا في جلسة عبر الزوم بحضور الوزيرة كارين الهرار عرضت فيها هذه الخطة التي تشجع المبادرات في هذا المضمار وتذييل الصعاب امام التنفيذ.
ومنذ عقد مضى ونيف والشركات الإسرائيلية تنفذ مشاريع عديدة في مجال الطاقة الشمسية إضافة الى الابتكارات والتطوير التكنولوجي بعضها كان في البلاد وفي منطقة النقب تحديدا ولكن جلها كان في دول أخرى وربما ذلك نابع من البيروقراطية المحلية والتي في أحيان عدة تؤدي الى هجرة الفكرة والمبادرة الى الاسواق العالمية حيث الفرص الاقتصادية والدعم. وعلى كل حال حتى المشاريع التي أقيمت في النقب لم يكن للعرب فيها حصة تذكر.
اما المحور الثالث فهو السياحة الصحراوية هي تلقى اهتماما خاصا في الكثير من المخططات والمشاريع التنموية الاستثمارية في الدول ذات الطبيعة الصحراوية. وينتعش هذا القطاع في النقب لكن بعيدا عن البلدات العربية بالرغم من وجود جدوى اقتصادية من تطوير السياحة البدوية وذلك بالاعتماد على الإرث البدوي وعلى الكنوز الطبيعية التي من شأنها أن تشكل مصدر جذب والحديث لا يدور هنا لا يدور فقط عن استثمارات كبيرة انما يمكن تبني أفكار بسيطة في مجالات السياحة المتنوعة من سياحة المغامرات والتخييم، سياحة استكشافية للمعالم التاريخية والأثرية، سياحة ثقافية لحضور المهرجانات، سياحة رياضية لممارسة رياضة الصحراء و سياحة الأسواق لتشجيع المصالح الصغيرة التي فيها من الممكن أن تبيع الملابس التقليدية، أدوات تقليدية ومنتجات الالبان على سبيل المثال لا الحصر.
من المهم أن نذكر ان استقطاب ونجاح المشاريع الاقتصادية يحتاج الى توفير المناخ المناسب من البنى التحتية ويحتاج الى دعم حكومي لاصحاب المصالح والمبادرات الاقتصادية كالمنح ، إعفاءات، التسهيلات الضريبية ، القروض البنكية للتمويل وتيسير الأمور بعيدا عن البيروقراطية. كما تحتاج البلدات العربية الى الالتفاف حول مشاريع مشتركة مما من شأنه أن يسهل عملية التمويل في مرحلة الانشاء ويمكن تقاسم تصاريف التفعيل مستقبلا ولعل العناقيد (اشكولوت) هي أفضل طريقة لذلك. فعن طريقها بإمكان انشاء المشاريع الاقتصادية المشتركة، المؤسسات التعليمية المشتركة، المرافق الصحية، المجمعات التجارية، المجمعات الرياضية، المناطق السياحية، المناطق الصناعية وغيرها مع اتاحة السفر اليها.
وخلاصة القول أن التطوير الاقتصادي الاجتماعي يلزم نبذ النمطية في التفكير، تجاوز البعد السياسي ومشاركة المواطن، القطاع الخاص والمؤسسات المدنية والعاملين في هذا المضمار يعون جيدا أنه لا يكفي رصد الميزانيات انما يجب التعاون الجاد لتجاوز تحدي التطبيق والاستنفاد.

كاتبة المقال: اقتصادية ومحامية ومديرة مركز نسمو للتطوير الاقتصادي والاجتماعي 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     

مقالات متعلقة