الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 21:02

ذكرى سهرة خالدة في ام الغنم/ بقلم: ناجي ظاهر

ناجي ظاهر
نُشر: 05/10/21 13:52,  حُتلن: 13:58

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

لا اخفي انني بتّ بعد ان دق الموت ابواب عائلتنا الصغيرة، بيد من حديد، قبل حوالي اثنتي عشرة سنة، حساسًا شديد الحساسية لذاك الزائر الثقيل الذي يغافلنا في صفو الليالي، ليستلّ من بيننا أحباء اعزاء غوالي، غير عابئ بنا وبما ينتابنا من آلام الفقد والخسارة. قبل حوالي الاثنتي عشرة سنة.. عرف ملك الموت طريقه الينا .. نحن ابناء العائلة المهجرة من قريتنا سيرين، فتسلّل إلى ربوعنا في غفلة منا، وشرع في اختطاف الاحباء واحدًا تلو الآخر.. في البداية فاجأنا بزيارة غير متوقّعة ولم نحسب لها أي حساب فاختطف أخي الاكبر، بعدها بأيام لا تتجاوز الاسبوع.. غافلنا ودخل من نافذة عائلتنا ليسحب من بيننا ارملة خالي.. بعدها داهمنا مباغتًا إيانا.. وليأخذ معه والدتي. المرأة الاحب والاقرب إلى قلبي وروحي. خلال أقل من شهرين جاء ذلك الملك.. وولّى بسرعة البرق مخلّفًا وراءه احزانًا.. وآلاما لا تمحوها الايام.. ولا يحلُّ عليها التقادم، مهما مضت الاعوام وتعاقبت العقود. لقد دفعتني احزان تلك الفترة إلى تأليف كتاب عنها هو كتابي "حياض غثيم- سيرة ذاتية من خلال اخرين"، وعنوان كتابي هذا يعني الموت، كما ورد في رسالة تعزية كتبها ابو العلاء المعري.
اليوم تصادف الذكرى الرابعة لرحيل للأخ المرحوم علي كحيلي- ابي عمر- ( 54 عاما)، زوج الصديقة ردينة كحيلي، من قرية ام الغنم، في سفح جبل الطور. لقد اعادتني هذه الذكرى المُفزعצ بوفاته.. الى تلك الايام الحزينة. قبل اثنتي عشرة سنة، وقد زاد في مشاعر الفقد والخسارة.. مصادفة الذكرى الرابعة لرحيل الصديق اديب حداد ابن مدينتي الناصرة. والنجل الاكبر للعزيز الراحل الشاعر- ابي الاديب- ميشيل حداد.. طابت ذكراه.
اعترف.. بدايةً انني لم التق بالمرحوم علي كحيلي.. ابي عمر.. سوى مرة واحدة، لكنها كانت كافية لأن اتعرّف عليه جيدًا، ولأن أشعر أنني أعرفه دون أن اتمكن من تحديد المكان الذي جمع بيننا. عندما عجزت عن التذكر، عزوت شعوري أنني سبق والتقيت به، إلى أنه يمتلك إطلالة لطيفة تُشعر مَن يلتقي به عامةً أنه سبق والتقى به.. أو عرفه.
تمّ ذلك اللقاء الدافئ اليتيم بعد أن دعتنا الصديقة ردينة كحيلي لزيارتها في بيتها، وأذكر أنه حضر تلك الزيارة كل من الصديقين الفنانة المغنية الكاتبة نهاي داموني والمحامي نهاد زرعيني، إضافة إلى زوجته امل وكريمتيه الصغيرتين جنى ولولو، وما زلت أذكر تلك الحفاوة التي استقبلنا بها الفقيد رحمه الله وزوجته الصديقة ردينة اطال الله في عمرها.. لقد كانت سهرتُنا تلك محطةً لا تُنسى مهما حصل من تباعد بيننا وبينها. في تلك السهرة جرت أحاديث وأحاديث.. عن البيت. الابناء... العائلة والبلدة.. بصورة عامة. تحدثنا عن الصداقة والصدق. وعن محبة الآباء للأبناء. ولم يُخفِ الفقيد أبو عمر قلقه على ما يجري في مجتمعنا من أعمال عنف وقتل، وأذكر أنه كان قليل الكلام.. غنيّ المعاني.. وللحقيقة لم تخلُ تلك السهرة من مشاكسات محبّبة وخفيفة الدم بين مُسضيفتنا وزوجها.. مستضيفنا، ولعل ذلك ما دفع بي لقراءة مجموعة من اشعاري.. بالعامية والفصحى.. ودفع الصديقة نهاي للغناء صادحة باغان من الزمن العربي الجميل.
انتهت تلك السهرة بعد أن امتدت ساعات وساعات. وتشاء المصادفات أن يتم بعض التباعد بيننا نحن الضيوف ومستضيفينا. إلا أن كلًا منّا يتابع الآخر. ولو من بعيد. وتجري الامور في اعنتها. إلى أن نفاجأ، قبل اربعة اعوام.. في مثل هذا اليوم، بالخبر الجلل.. لقد رحل علي كحيلي زوج الصديقة ردينة كحيلي.. بعد مُعاناة مُضنية مع المرض، مخلّفًا وراءه زوجة واربعة ابناء.. ثلاثة منهم ذكور ورابعتهم انثى. وذكرى عطرة.. تستعصي على النسيان.
صحيح أن اللقاء بالمرحوم كان وحيدًا ويتيمًا ولم يتكرّر.. إلا أنه كان كافيًا. لأن يجعل له منزلة خاصة في القلب والذاكرة .. في هذه الذكرى المؤسية نردد ما سبق وقلناه يوم رحيله.. رحم الله راحلنا الكريم واسكنه جناته الفسيحة.. ورحم جميع أعزائنا الراحلين وجعل مرقدهم جنة رضوان.

مقالات متعلقة