الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 22:02

أنا آسف!

بقلم: بكر أبو بكر

بكر أبو بكر
نُشر: 09/10/21 08:59,  حُتلن: 09:01

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

أن تقول آسف فهي حالة طبيعية عند عديد الناس، والقول هنا عندما يكون حقيقيًا ونابعًا من القلب، فالاعتذار شيمة الكبار والمتسامحون وأصحاب النفوس العالية، وكما نقول في تراثنا أن الاعتذار فضيلة، وما نتعلمه من رسولنا الكريم أن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، والاعتذار عن الفعل وعدم اقترافه ثانية بداية التوبة الحقيقية وما يخالطها من ثقافة العفو والمسامحة والصفح والانفتاح والتقبل للآخر المختلف.

ولأن الاعتذار كما الحال مع الاعتراف بالخطأ او الصفح فإنه ممارسة انسانية يجب ان تكون طبيعية في ظل فهم أنه يتعرض لذات التصرف أو الفعل الذي يقوم به الشخص وليس لشخصه أوذاته، ما يجعل الفصل بين الأفعال والتصرفات من جهة وبين ذات الشخص من جهة ضرورية للفهم فلا يشعر الشخص بالإهانة حين يعتذر.

وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما: لو أن رجلاً شتمني في أذني هذه واعتذر في أذني الأخرى لقبلت عذره

وقال الإمام الشافعي (وتنسب أيضا للبحتري):
إِقبَل مَعاذيرَ مَن يَأتيكَ مُعتَذِراً*إِن بَرَّ عِندَكَ فيما قالَ أَوفَجَرا
لَقَد أَطاعَكَ مَن يُرضيكَ ظاهِرُهُ*وَقَد أَجَلَّكَ مَن يَعصيكَ مُستَتِرا

وقال الشاعر: إِذَا اعْتَذَرَ الْجَانِي ومَحَا الْعُذْرُ ذَنْبَهُ* كَانَ الَّذِي لاَ يَقْبلُ الْعُذْرَ جَانِيًا

لطالما حصل التداخل في الفهم عند كثير من الناس بين الفعل/السلوك/التصرف المتحرك أبدًا متأرجحًا بين الخطأ والصواب وبين الشخصية للانسان التي تعني احترامه لذاته.

يجب أن يفهم الشخص الصعب أن احترامه لذاته واعتزازه بها لا يتأثر بالاعتذار وقول آسف، فالاعتذار لا يأتي مهددًا له أومستنزفا لكرامته أواحترامه لنفسه، بل على العكس من ذلك هو من الدلالات النقيضة أي دلالة الاحترام للذات والقدرة على التقبل وتقويم الخطأ.

في مجتمعنا العربي ومنه الفلسطيني لربما تكون ثقافة الاعتذار، ثم الصفح والعفو، صعبة واحيانًا مستحيلة رغم التنبيه النبوي ورغم الآيات القرآنية الكريمة الحاثة على ذلك، لسبب التراتبية البنيوية (الأب او الأم المهيمنة، وفهم السلطة بالمنطق الاستبدادي الإخضاعي بأي من أشكالها في الدولة أ التنظيم، او المؤسسسة....)، وربما للنظرات الطبقية الدونية للبعض الآخر ضمن المجتمعات أوالنظرات الفوقية المجتمعية/النفسية بأنني (أو أننا كشعب أو قبيلة أوفصيل سياسي، أوعائلة أو مذهب أو...) أفضل من الآخرين! ويمكن أن نضيف لهذه العوامل غياب ثقافة الحوار والنقد.

كان النبي صلى الله عليه وسلم منشغلا في دعوة أكابر قريش فجاء أحد المسلمين (وهو ابن أم مكتوم) وقال: يا رسول الله، علمني مما علمك الله فعبس النبي في وجهه (وهو أعمى لن يرى عبوس النبي لكن الله رآه وعاتبه في ذلك) ولم ينطق النبي بكلمة واحدة، لكن الله أنزل قوله تعالى: “عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى.. ” وهنا يأتي دور حبيبنا الذي اعترف بعبوسه وصار كلما رأى ابن أم مكتوم قال: مرحبًا بمن عاتبني ربّي فيه. هل يحب أحد منا أن يتذكّر موقفًا اعتذر فيه ؟ لكنها عظَمَة الرسول.

صادفتُ في حياتي الكثيرين الذين اضطروا للاعتذار، وكأنهم ذاهبون الى معركة حربيّة انهزموا فيها! فهم باعتذارهم وكأنهم يسلمون كامل أسلحتهم للعدو ويعلنون الخضوع الكامل! أوبلغة اخرى كأنهم يوقعون صكّ استسلامهم كما فعلت اليابان أمام الولايات المتحدة الامريكية في الحرب الأوربية (العالمية) الثانية تمامًا.

ورأيت من يعتذرون وهم يقصدون ذلك حقًا، فيتذوقون فرحة الآخر المحزون، ويشعرون بالفرحة المقابلة، وهؤلاء على قلتهم في حياتي إلا أنهم ربطوا على قلبي علامات محبة وشوق لهم فلم يكونوا إلا نموذجًا حقيقيًا للمعلم أوالقائد الذي لا تبهت صورته مطلقًا حين يعتذر ويتأسف.

يقول عالم النفس "د.غاي ونتش"[1] أن هناك 5 أسباب رئيسة "للرافضين للاعتذار" أولها: عدم قدرتهم على الفصل بين أفعالهم وبين شخصيتهم، وثانيا: آسف تفتح لهم الباب للشعور بالعار كما يفهمون، وثالثا:يرون أن الاعتذار وقول آسف يفتح الباب على مصراعيه أمام المزيد من الاتهامات ومزيد من الصراع الداخلي فيهم، والضعف واللوم. ورابعًا: يعتقدون أنهم حين يقولون آسف بحقها سيتحملون كامل المسؤولية ويريحون الطرف الأخر من أي ذنب.أما خامسًا فلقد رأي أن الرافضين للاعتذار يحاولون التحكم بأحاسيسهم، والسيطرة عليها فهم عادة ما يكونوا مرتاحين مع غضبهم وانفعالاتهم ووضع المسافة العاطفية بينهم والآخرين.

في فن الاعتذار والتسامح الذي يتوجب أن نفهمه ونتعلمه ونطبقه فينا وبيننا، لنا في المثال القيادي ياسر عرفات الذي لطالما اعترف بالاخطاء، وقال اعتبروني أخطأت في أكثر من مرة، وعلنًا بلا خشية من اهتزاز صورته، وكما كان من خالد مشعل حين فعلها وهو يعلن وثيقة حماس عام 2017 وإن بصيغة مخفّفة.

تقول الكاتبة "موريال ميراك فايسباخ" في كتابها “مهووسون بالسلطة، تحليل نفسي لزعماء استهدفتهم ثورات 2011″،[2] إن جوهر النرجسية هو حب الذات الذي يستتبع عددا من الصفات. فالنرجسي يفرط عادة في تقدير نفسه وقدراته، ويطلب الإعجاب من الآخرين الذين يطمئنون إلى عظمته. وتشير في تحليلها لشخصية الحكام العرب، إلى أنهم يحيطون أنفسهم دائما بالرجال الذين يوافقونهم في الرأي، والمتزلفين والمتملقين.

وتضيف: أنهم يحتاجون إلى الشعور بأنهم محبوبون ويُخشى منهم، ولا يحتملون أي انتقاد وهم عاجزون تماما عن النظر في إمكان أن ينقلب شعبهم عليهم. ويتوجب الأمر تجنب الأشخاص الذين يظهرون أي حكم مستقل على الأمور، ومن يجرؤ على انتقاد الزعيم النرجسي، أو يُشكك في سلطته، يصبح عرضة للضغط الاجتماعي الهائل. وهذا يفسر سبب إصرار الزعماء النرجسيين على السيطرة الكاملة على الرأي العام من خلال وسائل الاتصال الجماهيرية.

ولنترك الزعماء جانبًا، وإن كان في كل منّا كشرقيين زعيم عامةً! ونقول على العموم أن الاعتذار كما يقول علماء النفس يجلب الشفاء الروحي، ويوطد العلاقات الانسانية (بين الشركاء أوالزملاء في العمل أو الفصيل السياسي...الخ) ويحقق المغفرة الربانية ويجلب حالة التعافي والصحة النفسية أيضًا.

الحواشي:

[1] د.جاي وينش هو طبيب نفساني، ومتحدث رئيسي ومؤلف. من كتبه-كتاب: تحسين علاقاتك وتعزيز احترام الذات الذي تمت ترجمته إلى سبع وعشرين لغة.

2 مهووسون بالسلطة: تحليل نفسي لزعماء إستهدفتهم ثورات 2011، تأليف ـ موريال ميراك فايسباخ، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة الأولى 2012

---------

رام الله

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة