الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 30 / أبريل 22:02

عملاق الطرب الذي عانق صوته السّماء وداعب النّخيل/ بقلم: معين أبو عبيد

معين أبو عبيد
نُشر: 09/11/21 13:27,  حُتلن: 13:53

علميًا، الصّوت يسمع فقط، لكن هناك أصوات يحق القول إنها خلقت لنتذوّقها بحواسنا الخمس، يعتلي المسرح ليبدأ القدود...فيغدو صوته شريط صور لذاكرة مدينة بألف عام وعام، ترى في قسمات الصّوت المتنبي يعاتب سيف الدولة، المعري يتطهر بأديم الثرى، تستنشق رائحة أزقة قديمة عانقها صوت مآذن حلب التي ارتد صداها بين جدران قلعتها، تلمس أطراف أثواب دراويش ومتصوفين تاهوا في الوجد لكثرة دورانهم وتحليقهم.
تنتشي الكلمات بصوته، فتخرج من حنجرته لتصيب جمهوره المفتون بمس من الجنون اللذيذ، يقفون ملوحين بأيديهم كما يفعل هو نفسه، ويطلقون صيحات عالية في الهواء "الله الله الله".
وهو الخبير بحال عشاقه السكارى، يترع الكأس لهم مرة تلو الأخرى ويسقيها لهم!
"اترع الكاس وطيبها بعطر من لماك، واسقها إن عيني إن عيني لا ترى شيئا سواك".
يأخذ النّفَسَ عميقًا ليخرج الصّوت الرخيم مضبوطًا مزينا بهندسة الألفاظ بتلقائية مدروسة، لا عيب فيه ولا كدر، وإن امتد الغناء لساعات لما تبدلت عذوبة صوته ولا قدرته على إطراب الروح قبل الأذن.
نعم، إنه الغني عن التعريف، أحد أعمدة ورموز الغناء العربي قصير القامة، معروف بوصلاته الفنية الطويلة على المسرح، الذي تربع على عرش الغناء ما يزيد عن ستة عقود، ترجل عن صهوة الإبداع والتألق، فسقطت قلعة الطرب الأصيل والصوت الصبوح، حبيب الملاين صباح فخري الذي تعالت أغانيه لتعانق أحياء دمشق وأسواقها، حلب وآثارها القديمة، قلاعها متاحفها، والأقطار العربية كافّة..
بنبأ وفاته، تنتشر النار في الهشيم، وتظهر علامات الحزن والأسى ولوعة الفراق على وجوه محبيه من كافة الدول، وقد نعته الساحة الفنية وكبار الفنيين، مؤكدين أن الخسارة كبيرة لا تعوض، وتطرقوا إلى مسيرته الفنية الغنية ودوره في إثراء الحركة الفنية التراثية كونه أحد أعلام الغناء العربي.
الصبوح مجدد التراث الغنائي الأصيل، امتلك أسلوبًا خاصًّا في إشعال قلوب الجماهير الحاضرة من خلال رقصته المميزة على المسرح، رقصة السنبلة المشهورة، حاز على عشرات الأوسمة من شخصيات محلية وعالمية منها؛ محافظ مدينة لاس فيغاس، مدينة ميامي في ولاية فلوريدا، وغنى في قاعة نوبل للسلام في السويد، بتهوبن في بون المانيا، قصر المؤتمرات باريس فرنسا، وحفلات في أنحاء بريطانيا وعدد من الدول.
صباح فخري، فارقنا جسدًا لكن سيبقى معنا وبيننا وفي قلوب ووجدان الملايين وأصحاب الذوق الرفيع أبد الدهر، وسيبقى صدى ألحانه وصوته العذب المميز، وكلمات أغانيه؛ يا مال الشام، فوق النخل، مالك يا حلوة، قل للمليحة، قدك المياس، سكابا يا دموع العين، يا طيرة طيري، عالروزنا، وعشرات غيرها، ستبقى تسمع عاليًا في أزقة الشام وحلب وما تبقى من الأبنية المعمارية في بلد الحضارات.
 

مقالات متعلقة