الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 07:02

الوسطية كأيدولجيا سياسية في مواجهة التيارات المتطرفة

بقلم: حسين الديك

حسين الديك
نُشر: 12/11/21 16:58,  حُتلن: 23:04

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

تعتبرالوسطية كايدولوجية سياسية جزءا مهما من تراث و ثقافة المجتمعات المسلمة اذ انها جاءت بنص صريح في القران الكريم، وتمثلت في عدد من المصطلحات، منها اوسطهم، وسطا، اوسط، في قوله تعالى (( وكذلك جعلناكم امة وسطا ))، وهنا ياتي التفسير الحقيقي لذلك وسطا في كل المعاني المادية والحسية والاعتدال في الاعتقاد والاعتدال في التصور والاعتدال في العلاقات والوسط هو العدل ما بين طرفين مختلفين متشدد ومتراخي.

لكن هذا النموذج المعتدل ابتعدت عنه الكثير من المجتمعات المسلمة و سيطرت في نهاية القرن العشرين ظاهرة التشدد و التطرف في بعض المجتمعات واتخذت من الدين غطاءا لها واصبحت ظاهرة التطرف والتشدد ظاهرة معولمة واستمرت حتى يومنا هذا باشكال والوان و مسميات مختلفة اتخذت من تفسيرات النصوص الدينية الخاطىة مبررا قويا للقيام باعمال العنف والتطرف والقتل والتدمير على اساس الدين والمذهب والطائفة واللون والعرق واختلاف الراي، و تحولت الى ايدولوجيات اسلامية راديكالية توليتارية تقتل و تعدم وتدمر باسم الدين الاسلامي وتعلن عن نفسها بمسميات اسلامية مختلفة و مهتمها حماية الدين الاسلامي والدفاع عن الملسمين واقامة الدولة الاسلامية الموعودة.

واصبحت هذه القوى المتطرفة والمتشددة ظاهرة منتشرة في المجتمعات الاسلامية وتستطيع بكل سهولة جذب الجماهير لها و استغلال العاطفة الدينية وتكوين راي عام مجتمعي مؤيد ومساند لها في فترة زمنية قصيرة من خلال استخدام المشاعر الدينية المتاصلة في المجتمعات المسلمة وترك ذلك تأثيرا في كافة جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تعدى ذلك حدول الدولة الاقليمية اذا اصبحت ملجا لكل الافراد المتعصبون من شتى انحاء العالم وتحولت الى ايدولوجية معولمة عابرة للحدود والقارات والمجتمعات، وتبرز الاشكالية الكبرى هنا في عدم القدرة على مواجهتها كونها اصبحت جزءا من الحيز العام الدولي ومخترقه له عبر الاعلام الاجتماعي و ووسائل الاتصال التكنولوجي.

وامام هذا الواقع فقد اخفقت كافة المحاولات المحلية والاقليمية والدولية لمحاربة هذه الظاهرة والقضاء عليها اذ انها تزداد قوة وانتشارا يوما بعد، رغم كل الجهود الدولية والمحلية سواء كانت سياسية او اقتصادية او عسكرية للقضاء على هذه الظاهرة باءت بالفشل انطلاقا من افغانستان الى العراق واليوم سوريا وليبيا واليمن والصومال وغرب افريقيا وجنوب شرق اسيا، اذ اصبحت تلك الاقاليم عبارة عن مستنقع لتصدير الارهاب والتطرف الى شتى بقاع الارض و الى كل المجتمعات، لكن كل المحاولات التي بذلت للتصدي لهذه الظاهرة والقضاء عليها كانت محاولات سطحية تتعلق بالشكليات والظاهر ولا تعالج المضمون والمنبع والجذور المغذية لهذه الظاهرة المعولمة، كالشجرة ذات الاغصان الكثيرة اذا قطعت قمة الغصن او الفرع فانها تطلق العشرات من الاغصان والفروع لان الجذور تبقى قوية وتنتج البديل، وهكذا ظاهرة الارهاب والتطرف مهما تم مجابهتا بالقوة المادية والعسكرية وباقوى انواع الاسلحة الفتاكه لم تستطع ايقافها او القضاء عليها او الحد من انتشارها بل تزداد قوة يوما بعد يوم وتتمدد وتنتشر.

فظاهرة التطرف والتشدد و الارهاب ليس ممارسة مادية فقط ، بل هي تغذية فكرية وفطرية ورحية وعقائدية متجذرة استطاعت الجماعات الارهابية المتطرفة نشرها في عقول الشباب الذي يمارس تلك الممارسات اللانسانية من قتل وتدمير ورفض وتحجيم لدور العقل واطلاق العنان للقلب والعاطفة في الحكم استنادا الى تفسيرات باطلة وغير موجودة ، فهذه الظاهرة المعولمة والمنتشرة يمكن ايقافها والقضاء عليها في حالة اننا استطعنا السيطرة على منابعها ومعرفة الاسباب التي تؤدي اليها ومعالجة تلك الاسباب معالجة جذرية توقف تدفق الشباب لتك الجماعات وتوجههم نحو مستقبلهم في الابداع والانجاز وتحقيق الذات وحب الحياة ، و تبني نهج و بديل وخيار جديد معتدل وسطي يكون مقبولا لدى المجتمعات المسلمة وهو الوسطية كايدولوجية سياسية معتدلة متسامحة مع الذات ومع الاخر ومع المجتمع تتبنى منهج الاعتدال والحوار والوسط وقبول الاخر وبناء مجتمع متسامح متصالح يركتز على الاسس الصحيحة ويطلق العنان للعقل والفكر والابداع و الانجاز لصنع مستقبل مشرق للاجيال القادمة.

ومن هنا فنحن بحاجة للقضاء على الارهاب والتطرف و لكي نهزم هذه الظاهرة المعولمة (الارهاب) للعديد من الاشياء ولكنها اشياء بسيطة وحاسمة ومؤثرة وقادرة على وقف انتشار وتمدد تلك الظاهرة، فالاسلحة والطائرت والاساطيل والبوارج البحرية والجوية والجيوش البرية لن تستطيع هزيمة تلك الظاهرة، وقد تم فعلا استخدام تلك الادوات وفشلت في افغانستان والعراق والصومال وليبيا واليمن، ولكن لكي نهزم تلك الظاهرة ونقتلعها من جذورها فنحن بحاجة الى بدائل اخرى ، نحن بحاجة الى القلم والكلمة الطيبة والموسيقى والثقافة والغناء، نحن بحاجة الى مناهج تعليمية عصرية وحديثة تعزز قيم الحرية وقيم الاعتراف بالاخر وقيم التسامح والتعاون والتعارف والاحترام المتبادل، بحاجة الى تربية وتنشئة اسرية صحيحة تغذي قيم الحياة والمحبة والسلام في نفوس ابنائنا وبناتنا وشبابنا، بحاجة الى التعاون معا من اجل مستقبل افضل للجميع، بحاجة الى استقرار اقتصادي وتوفير فرص عمل لكل الشباب الخريجيين والعاطلين عن العمل، بحاجة الى دولة مدنية علمانية حديثة تعزز قيم المواطنة والمساواة، بحاجة الى فصل السلطات وتعزيز سيادة القانون، بحاجة الى محاربة الفساد والانظمة الفاسدة التي تسرق اموال الشعوب وتستعبدها ، بحاجة الى تحقيق مبدا تكافؤ الفرص والمساواة للجميع، بحاجة الى خطاب ديني معتدل يمثل الاسلام الحقيقي الذي يدعو الى التسامح وعدم الاعتداء على الاخر ويحرم قتل الانسان، بحاجة الى التحرر من وعاظ الخرافة ودجالي السياسة، بحاجة الى التحرر من ثقافة الحاكم الاله والشيخ ولي الله، بحاجة الى التحرر من ثقافة التصفيق والمدح للحكام ، بحاجة الى التحرر من خطابات الشعارت الرنانة والبراقة، بحاجة الى التحرر من ثقافة التخوين والتكفير التي نمارسها ليل نهار ، بحاجة الى استراتجية تعلمية و تنشئة اسريه صحيحة تسمو الى خلق جيل مثقف متعلم منتج ومبدع يستخدم العقل في كل تصرفاته، بحاجة الى جيل يحارب من اجل تحرير العقل العربي من التخلف والجهل والرجعية، اذا حققنا كل هذا نهزم الارهاب والتطرف وتنتهي تلك الظاهرة المرعبة اللانسانية.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   
 

مقالات متعلقة