الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 07:02

ما تساقط/ بقلم: حسن عبادي

حسن عبادي
نُشر: 24/01/22 12:25

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

بداية، اسمحوا لي أن أشكر القائمين على هذا اللقاء الذين منحوني الفرصة لأكون على هذه المنصّة وأخصّ بالذكر الدكتورة لينا الشخشير التي دعتني للمشاركة بمداخلة؛
ملاحظة لا بدّ منها؛
حين استيقظت هذا الصباح وجدت على شاشة نقّالي رنقيّة (رسالة نصيّة قصيرة) من الدكتورة لينا (بعثتها الساعة 23:49 وأنا لا أُدخل هاتفي إلى غرفة نومي): "مساء الخير. ممكن أستاذ حسن أعرف عن أي جانب ستتحدث عن رواية عفاف حتى يكون عندي تصوّر المقدمة والحوار" وفي طريقي للسيارة فوجئت بسياّرة غريبة (وما غريب إلّا الشيطان) فخمة مركونة في حارتنا، مرسيديس من الطراز الحديث، وإذ بها تحمل إشارة فلسطينيّة ولكن عليها يافطة BMC (بطاقة رجل أعمال!) صفعتني وأعادتني للرواية لأتساءل: "هل كان لازم "ثوّارنا" يرجعوا بطيّارة إلعال عن طريق مطار بن غوريون/ ومشان يخفّوفها بقولولها تل أبيب؟) وأعادتني إلى تخبّطات يوسف (بطل رواية "تذكرتان إلى صفورية" لسليم البيك):
تبدأ الرواية بتأخّر يوسف عن اللحاق بالطائرة الأولى، وتنتهي حين يغادر إلى المطار مع ليا، وتذكرتان، يصلا صالة الانتظار، بوّابة العودة إلى صفّورية، ويبدأ الصراع النفسي ويتخبّط بنفسه، ستكون زيارة وليس عودة، ليست بعودة عن أجداده الأربعة وعن والديه وعن نفسه، ولم يُرد أن تكون زيارته هو الفلسطينيّ إلى فلسطين بجواز سفر فرنسيّ وإلى مطار إسرائيليّ، ليس هذا ما انتظره سبعين عامًا، منذ خرج جدّه من الجليل إلى الشّام، توالى الخروج، أبوه من المخيّم إلى دبي، وهو من كلّ ذلك مغرّبًا إلى أوروبا.
تتناول الرواية (رواية "ما تساقط"، 369 صفحة، دار الفينيق للنشر والتوزيع، الأردن للكاتبة الفلسطينيّة عفاف خلف) ظواهر اجتماعيّة وسياسيّة فلسطينيّة؛ تتّخذ من التاريخ ركيزة (وليس رواية تاريخيّة) ومعلوماتها دقيقة، رغم أنّها لم تُعايش أزمنة الرواية وأمكنتها، ويبدو أنّها استعانت بمقابلات/لقاءات أُحاديّة الجانب والموقف، وأخذني تصويرها البانورامي، ثلاثيّ الأبعاد، لمخيم تلّ الزعتر، أزقّته وأهله، وتربطني علاقة خاصة بالتل ومن تبقّى من أهله الذين شُرّدوا في بقاع العالم.
أخذتني إلى رموز نضاليّة نقيّة أمثال "علي أبو طوق" وغيره مقابل من يتغنّى بالحروب الفضية والانتصارات الوهميّة.
تناولت الكاتبة الخروج من بيروت وسقوط خيار البندقيّة الذي أوصلنا للوهم الأوسلويّ وفقاعة رام الله!
تتناول الكتابة الاختراق الأمني الصارخ والفاضح (بمسميّاته المختلفة) والمسكوت عنه في أدبيّاتنا ما عدى الأسرى(حسام شاهين في زغرودة الفنجان، هيثم جابر في "الشهيدة"، معتز الهيموني في "سراج عشق خالد")‘ وظاهرة "التخوين" البغيضة، فأهون شيء إذا أردنا محاربة الخصم أو تشويه سمعته أو التخلّص منه نطلق عليه إشاعة "خائن" واليوم صار بالموضة "تمويل تركي".
تتناول الكاتبة ظاهرة لجوء الخمسة نجوم وتحوّل الصراع من الخنادق والبنادق إلى الفنادق، وذكّرتني بما قاله لي أحد الأسرى: إميّاتنا بستنوا بوابات السجون وأمّياتهم باب الفنادق"، أوافقها الرأي والفكرة؛ نعم، لا يمكن الجمع ما بين الثورة والثروة إلّا بالخطيئة، المتسلّقون يقطفون ثمار الثورة، فالمخيّمات وبراءتها كبراءة الانتفاضة الأولى ولكن تُجّار القضيّة لوّثوها.
وُئِدت الانتفاضة الثانيّة بالخيانة، كما حدث في الكرامة وتل الزعتر وبيروت ومهزلة التنسيق الأمني ومفاوضات عبثيّة أدارها كبير المفاوضين وغيره.
تتناول كذبة "العائدين"، تلك العودة المبتورة إلى الجزء المُتاح من الوطن، كما وصفها الصديق الراحل أحمد دحبور، وما تبعها من كذبة الدورات التدريبيّة المشبوهة والعلاقات الاقتصادية والشراكات المشبوهة، وخاصّة مع خريجي الأجهزة الأمنيّة من كلا الطرفين (بداية بشركات الاتصال، مرورًا بشركات الوقود، الامتيازات على أنواعها، معرّجين حتى على الشركة التي تزوّد الكانتينا للأسرى بالمنتجات بأسعار خياليّة).
نعم، خلق الاحتلال طبقة كومبرادوريّة منتفعة للحفاظ على مصالحه وصارت العلاقة طفيليّة (سمبيوزا) من طرف واحد وكأنّه لا وجود للفلسطيني المستقلّ دون "حماية" سيّده الآمر الناهي.
هل فعلّا الرب لاعب شطرنج يا عفاف؟ نعم، صدق الأسير شادي الشرفا حين قال لي: نحن نلعب الشيش بيش وهم يلعبون الشطرنج.
تطرّقت إلى ظاهرة تهريب وتسريب الأراضي وبيعها للكيان، صفقات البيع المشبوهة والمكاتب التي قامت في الفترة الأخيرة كالفطريات في رام الله وعمان وبيروت وغيرها، بمسميّاتها المختلفة وهدفها الأوحد شرعنة نهب الأراضي والاستيطان، تلك الأراضي التي تم مصادرتها والاستيلاء عليها ويحاولون الآن تبييضها عن طريق شرائها بواسطة سماسرة أنذال وطرق التفافيّة إبليسيّة مختلفة.
وضعت الكاتبة يدها على جرح نازف؛ ظاهرة استغلال النساء، من بهية ونجلاء وصولًا إلى إياد، استغلال الثورة النسويّة العابرة والفمينيزم المستورد حديثًا في وسطنا وتوظيفهن فصِرن ماريونيتات (راقصات في مسرح الدمى) لتمرير ألاعيب ومشاريع الاحتلال، ومثقّفو البلاط الذي يبيّضون كلّ سقوط (أخذتني إلى إدوارد سعيد و"خيانة المثقّفين).
راق لي وصفها لحيّ القاطمون المقدسيّ ودوار عابدين التي يعرفها الأبناء من حكايا الآباء والجدّات.
تصل الكاتبة إلى خلاصة مفادها أنّ الأبرياء يدفعون الفاتورة والثمن: "الصفقة كانت مستمرة، ودفعنا الثمن كاملًا في تلّ الزعتر ومُسح المخيم تمامًا بالدم والقبور. وتصافح القادة فوق الجثث، وقتلوا كل من قاوم، وبعدها مسحوا الدم عن السكاكين الآثمة، وجلسوا على الطاولة بابتساماتٍ لاصقة في حفل توزيع الغنائم يقتسمون الشراب والطعام وأرصدة الدم المكدّس" (ص. 222)، وما أشبه اليوم بالأمس، وكأنّي بها تتحدّث عن القصبة وحيّ الياسمينة.
نجحت الكاتبة بتوظيف تقنيّة الاستباق والاسترجاع ممّا زاد من عناصر البلبلة والتشويق.
الكاتبة مثقّفة حين تتحدّث عن ألبير كامو، ماركيز، كاترين إمبراطورة روسيا القيصريّة وزوجها بيتر الثالث أو أغنية "كلام غرناطة" لكارلوس كانو فجاءت بنيويّة وليس مبتذلة "خبط لصق"!
نعم، ما خرّبها إلّا "الأبوات"!

أعادتني عفاف إلى غرناطة والأندلس؛ ولكن هي حارة البيازين وليس البياسين، وهو متحف ديل برادو وليس برادو!!
***مشاركتي في حفل إطلاق الرواية وإشهارها الذي رتّبه منتدى المنارة للثقافة والإبداع ومركز حمدي منكو في نابلس يوم السبت 22.01.2022
 

مقالات متعلقة