الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 17:02

الامتحان العظيم/ بقلم: ناجي ظاهر

ناجي ظاهر
نُشر: 01/02/22 13:08

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

ها نحن نصل النهاية. المشوار كان قصيرًا لكن صعبًا جدًا. منذ بداية لقائنا الاول هناك وراء النخيل وفي أحضان الزهور، كنت عارفًا اننا سنفترق، ويخيل إلي أنك أنت أيضًا كنت تعرفين ما عرفته في حينها، ومع هذا تابعنا طريقنا وكأننا مسحوران مبهوران بجمالية الطريق وغير مصدّقين ما حدث.. فالتقينا. إنني الآن.. في هذه اللحظة الصعبة الحاسمة.. أعود إلى تلك اللحظة الفريدة في حياتي، فأراني أرفع راسي لأراك تطلين بوجهك السموح الجميل.. كنت تطلّين من هناك من وراء النخيل العربي ناعس العينين، وكنتُ متجمّدًا كي لا تفرّي كما تفعل الحمائم الملونة الجميلة حين تشعر بنا وقد اقتربنا منها حدّ ملامستنا ريشها الساحر. منذ اللحظة الاولى لإطلالتك تلك شعرت أن أمرًا كبيرًا متوقعًا حدث، وأن نسمةً رخيةً هبّت أخيرًا على قفاري الخالية.. لتحقّق لي حُلمًا طال انتظاري له. ربما ما زلت تذكرين كيف أنني بقيت بعيدًا.. كي أقترب أكثر. حتى وقعت تلك الحادثة اللطيفة بين كلبك الصغير وكلب آخر كبير.. وقف صاحبُه الشاب قريبًا منه.. حينها كان لا بُدّ من التدخل، فتدخلت على اعتبارٍ مُضمرٍ هو أنني واحد من أبناء اسرتك، وعندما فضضنا النزاع بين الكلبين، سألتني وأنت تُزمعين الانطلاق في فضائك:
-الحمد لله انها جاءت سليمة.
وشكرتني، قائلة:
-لقد رأيت ذلك الثقيل وهو يحرّض كلبَه على كلبي.. كانت تلك محاولة ساذجة منه للتحرّش بي.. على كلٍّ اشكرك على تخليصك لي من موقف صعب.
قلتِ هذه الكلمات وأنتِ تواصلين محاولتك المضي.. إلا أنني استوقفتك:
-أنت من هنا؟.. فرددت:
-أنا في زيارة لأقارب لي هنا.. لا أعرف ما أذا كانت ستطول أم تقصر.
رجوت لك حينها كلَّ خير وتركتك تمضين في طريقك، تاركًا لك أن تقرّري ما إذا كان يروقك أن تعودي إلى ذلك المكان ذاته، بين النخيل وحضن الزهر، وتعمّدتُ في اليوم التالي أن أكون في نفس الساعة، ونفس المكان، فإذا ما أتيت أيقنت أن تلك إشارة منك لتقبُّل علاقة ناشئة قد تتفتّح وتزدهر وتطرح ورودًا يتضوّع شذاها في الاجواء. تفحّصت حينها ساعتي اليدوية، كانت تشير إلى الوقت ذاته.. الخامسة مساء، وعندما أرسلت نظري إلى هناك إلى حيث توقعت وفودك بصحبة كلبك المرافق، رأيت طرف ثوبك. زارت الابتسامة حينها وجهي المترقّب المتنظّر، ومرّت الثواني بطيئةً ثقيلة لاكتشف أن تلك المارّة العابرة ليست أنت وإنما هي ترتدي ثوبًا يشبه ثوبك.. لقد تكرّر ما حصل مع تلك العابرة مع شابتين آخريين، كانت كل منهما ترتدي.. سبحان الله.. ثوبًا مماثلًا لثوبك. عندها تساءلت هل تعمّدت أن تشعلي نار انتظاري بثلاث صبايا من قريباتك؟ فنسجتِ ذلك الموقف المثير؟.. لقد بقي تساؤلي هذا مجرّد سؤال ولم أطلب إجابة عليه حتى أطللت بطلعتك البهيّة الساحرة.
تقدمّتِ مني حينها:
-أما زلت مكانك هنا منذ الامس؟
هززت رأسي:
-غريب.
فتحت عينيك على أوسع ما يمكنك:
-ما الغريب.. الله يستر.
-ثلاث صبايا يَمررن مِن هنا يرتدين ثيابًا تكاد تكون واحدة.
يومها ضحكت. وشاركتُك الضحك. وكأنما نحن اتفقنا على أن نمضي في طريق النخيل والزهر. فهمت هذا وأنا استرق النظر إليك خلال مداعبتي كلبَك. كنت حينها تفيضين سرورًا وحبورًا، الامر الذي شجّعني على التمادي في مداعبة كلبك الحبّوب.
التقينا يومها مرتين أخريين في طريق النخيل. وكنا مصممين على آن يتم اللقاء في المكان والساعة ذاتهما، إلى أن وقعت حادثة سيكون لها تأثيرُها على رؤيتي لمسار الفرح الجاري بيننا. يومها سألتني عمّا إذا كان في تلك المنطقة حانوت لبيع مأكولات الكلاب، فحملت نفسي وانطلقت دون أن تطلبي مني.. ملوحًا لك بيدي ومنطلقا في طلب ما أردته. غبت لحظات حاولت أن أجعلها قصيرة إلى أقصى الحدود، لأكسب أطول وقت معك وفي رفقتك، غير أن ما حدث حين عدت بعدها، كان مثيرًا وأكاد أقول مقزّزًا لي. فقد رأيت كلبك يلعب مع كلب ذلك الثقيل، ورأيته هو يستلقي على الاعشاب النابتة للتوّ هناك بالقرب منك، مُعربًا عن رضاه بما يحدث، وقد تبّلتِها حينها عندما تناولتِ ما جلبته إليك من غذاء الكلاب، ورميت ببعضه لكل من الكلبين.. كلبك وكلب ذلك الثقيل. عندها افتعلت عدم الاهتمام وقلبي يكاد يحترق غيظًا، وعلى طرف لساني سؤال قلق.. هل يختلف أصحاب الكلاب ويتفقون بتلك السهولة؟ لقد تصنّعت عدم المبالاة، وانضممت إليك مبتسمًا، بل إنني بالغت بثقتي بنفسي عندما قدّمت بنفسي المزيد من الغذاء لذلك الكلب المسعور. أعترف أنك كنتِ ذكية عندما طلبت مني أن نبتعد عن ذلك المكان، بل أعترف أكثر من هذا أن ذلك الغرّ الثقيل صاحب الكلب، عندما شعر أننا سنغادر المكان، انصرف مبتعدًا عنّا. قد تقولين إن ابتعاده ذاك جاء مصادفة مثلما تتالت المصادفات فيما بيننا، إلا أن ما حدث أشعل الضوء الاحمر في عيني، وجعلني أتساءل هل يوجد هناك ما لا أعرفه بينك وبين ذلك الثقيل، وإذا كان الامر ذلك، لماذا أدخلتني بينكما؟ حملت هذه الاسئلة بعد انتهاء لقائنا ذاك وولّيت حاملًا إياها إلى غرفتي المنعزلة الوحيدة، وخطر لي خلال استعادتي لكلّ ما حصل أنك إنما أردت استثارتي بذلك الموقف البايخ، ووضعي في امتحان صعب، فإذا نجحت استمرت العلاقة الناشئة بيننا، وإذا أخفقت تكونين قد حميت نفسك من غازٍ هُمامٍ عنيد. باختصار فهمت أنك إنما أردت أن تكتشفي عمق مشاعري تجاهك. عندما توصّلتُ إلى هذا الحد من التفكير.. قرّرتُ ان أدخلَ اللعبة معك.. وأن اقلبَ الادوار.
بعد سبعة لقاءات.. وكان هذا الاخير قريبًا جدًا من عودتك إلى بلدك البعيد، طلبت من ثلاث صبايا قريبات لي، أن يرتدين ثيابًا متماثلة في القصّة واللون، وأن يفدن إلى حيث نجلس، أنت وأنا في طريق النخيل، وحدّدت لهن الساعة الخامسة مساء، وكانت المفاجأة يوم أطلّت الاولى فدعوتها للجلوس معنا، وكذلك فعلت مع الثانية والثالثة. لقد أتقنتِ حينها حضرتك الدور، فاندمجت في أحاديثك معهن، بل أكثر من هذا شعرت أنك عثرت على صديقات لك في تلك البلدة، بدليل أنك قررت تأجيل عودتك إلى بلدتك. لقد نجحت خطتي يومها حتى النهاية، فما أن انصرفت ضيفاتُنا العزيزات تاركاتٍ لنا المجال للاستمتاع بمواصلة اللقاء.. حتى اعترفتِ لي بأنك أخطأت في تصرفاتك المثيرة للشك معي.. وأن اللعبة انتهت على خير.. وأكدتِ لي أنك ابتدأت ترتاحين إلي أكثر فأكثر.. في تلك اللحظة شعرت للأسف بحزن شديد يشدّني إليه.. فقد اكتشفت أنني كنت معك تلك الفترة القصيرة في مسافتها الغنية في مضمونها.. موضوعًا لامتحان صعب.. وليس لعشق وحب.
 

مقالات متعلقة