الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 21:02

لا يعرف وجع اللاجئين الّا الّذي اكتوى به

بقلم: الكاتب والأديب محمّد علي طه

محمّد علي طه
نُشر: 17/03/22 14:53,  حُتلن: 19:05

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

مناظر الأطفال والنّساء والشّيوخ والرّجال الأوكراينيّين الهاربين من الحرب والموت الى الدّول المجاورة تُدمي العيون والقلوب فهؤلاء النّاس يدفعون فاتورة الحرب القذرة أملاكًا وغربةً ومعاناة وذلًّا وجوعًا ومرضًا وبردًا وضياعًا. لا أحد يعرف وجع اللّجوء الّا الّذي اكتوى به. ونحن أبناء الشّعب العربيّ الفلسطينيّ الّذين عشنا التّجربة المرّة حينما لجأنا الى لبنان وسوريا والأردن والعراق ومصر، تاركين مرغمين مدننا وقرانا وبيوتنا، عانينا من الجوع والعطش والحرّ والقرّ والذّلّ والمهانة ولم يرَ العالم مناظرنا على شاشات التّلفاز، ولم تتجنّد دولة عظمى للدّفاع عنّا والتّخفيف من معاناتنا، ولم تفرض دولة من الدّول الغنّيّة مقاطعة ما على مسبّب أو مسبّبي نكبتنا بل دعمت الدّول الكبرى والغنيّة دولة إسرائيل اقتصاديًّا في بنائها كما دعمتها سياسيًّا في تجاهلها وتنكّرها لشعبنا المنكوب. كنّا أيتامًا على موائد اللّئام الّذين اجتهدوا كي يحوّلونا الى شعبٍ جائع يفكّر بمعدته فقط وبرغيف الخبز والجبنة الصّفراء لا غير.


لم تشعر بمعاناتنا الدّول الّتي تدّعي أنّها ديموقراطيّة وتحرص على كرامة الانسان وحرّيّته، وتغاضت الدّول الأوروبيّة عمّا جرى لنا، وتصاممت وتعامت الولايات المتحدّة عن وجعنا فنحن سمر البشرة ونلفظ الشّهادتين صباح مساء، وهذان الأمران خطران على الانسان ذي العينين الزّرقاوين.


ما يحدث اليوم للشّعب الأوكراينيّ يذّكرني بمسيرة اللّجوء والعذاب والشّقاء الّتي مشيتها على الشّوك والحجارة مع أهلي وأبناء شعبي في الطّرّق الجبليّة من قريتي الى الجنّوب اللبنانيّ وحينما وقفت خائفًا باكيًا على صخرة الجليل الأعلى حيث الوادي العميق بجواري وقوافل اللّاجئين تمرّ أمامي وعينايّ تبحثان عن والديّ ولا أحد يسأل عنّي.
شاهدت في هذه الأيّام هذه الصّورة المأساة في عيون أطفال أوكراينا وفي عيون النسّاء كما سمعت نشيج الشّيوخ الّذين يمشون على ثلاث.


يا شعب أوكراينا مأساتك استمرار لمأساتي ووجعك من وجعي.
حكّام القارّة العجوز وأصحاب مصانع الأسلحة وتجّارها وسادة البورصة يميّزون بين دمٍ ودم ويفرّقون بين لون وبين لون ويعبدون الهًا ويتنكّرون له عندما يتغيّر اسمه ولغة أتباعه وأمّا أنا وأبناء شعبي فعلى الرّغم ممّا جرى لنا ويجري لنا نبقى انسانيّين نتعاطف مع الجياع والمشرّدين واللّاجئين والّذين ينشدون الأمن والحرّيّة مهما كانت لغتهم ومهما كان لون بشرتهم ومهما كانت التّميمة على عنق الواحد منهم.
يا شعب أوكراينا أعداؤك هم أعداء شعبي، ومصّاصو دمك هم مصّاصو دم أبناء شعبي.
أعرفهم هؤلاء القتلة المجرمين أصحاب شركات النّفط والغاز وأصحاب المطاحن الّتي تطحن القمح واللّحم البشريّ، أصحاب مصانع الأسلحة وأصحاب الأسهم الكبيرة في البورصات، أصحاب الأحلاف العسكريّة وأيتام هتلر وموسليني وتشرتشل وروزفلت وستالين.
مناظر الأطفال والنّساء والشّيوخ الفارّين من الموت والباحثين عن الأمن تسرق النّوم من عينيّ وتحملني الى ثلاثة وسبعين عامًا خلون، الى أيّام البؤس والضّياع، الى قوافل اللّاجئين من يافا واللّد والرّملة وحيفا وعكّا وصفد وطبريّا وبيسان.
أعرف من يتوجّع لأطفال أوكراينا، وأعرف من يكذب وينافق ويتاجر بأوجاعهم وبدّمهم وبقبورهم.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com


مقالات متعلقة