الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 23:02

أدينهم، ولكن...-سميح غنادري

سميح غنادري
نُشر: 09/04/22 23:51

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

أدين وبدون تردد أو تأتأة العمليات الإرهابية المتكررة التي جرت في كل مِن بئر السبع والخضيرة وبني براك، والتي نفّذتها عناصر من المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل تغذّت على تعاليم "داعش" و "القاعدة". ولكن أؤكد أن الإرهاب الأكبر والممأسَس ليس إرهاب قلة فقدت البوصلة، وإنما إرهاب الفاعل الإساسي. والفاعل هو إسرائيل التي احتلت وقتلت وهجّرت وداست على كل القوانين الدولية. وهذه الأعشاب البريّة والسامّة، كما يسميّها منظروا دولة الإحتلال، نمت على نتانة مزابل تلك السياسة كرد فعل على جرائمها. لكن هذا لا ينفي إدانتي لها. وأؤكد بوضوح ما بعده وضوح أن الإدانة الكبرى الأولى والأساسية هي لإسرائيل التي تحتل وتهجّر وتقتل، وتميّز عنصريًا.
لسنا نحن المحتلين. نحن مُحتَلون. ودخلنا إلى هذه البلاد مِن أكثر الطرق شرعية – مِن أرحام أمهاتنا. وإسرائيل التي تذرف دموع التماسيح على سقوط بعض ضحاياها وتدمغ الفلسطينيين عمومًا بالإرهاب كانت قد هدمت في سنة إستقلالها عام 1948، الذي هو يوم نكبتنا، 478 قرية وتجمعًا بدويًا من أصل 585 قرية موجودة. وهَجّرت 780000 إنسان ولم يتبقَ على الأرض التي إستولت عليها إلا 132000 إنسان، علمًا بأنه كان يقطن في تلك المناطق 800000 فلسطيني.
وأتحدى حتى أي مؤرخ، عربيًا كان أم يهوديًا، أن يذكر لي عدد الحروب والحملات والغارات وغيرها من إرهاب حكومي منظّم إقترفته إسرائيل بحق غزة وسيناء والضفة الغربية وسوريا ولبنان. وأن يضيف إليها أيضًا مجازر دير ياسين وعيلبون واللد وكفر قاسم وغيرها، وفرض الحكم العسكري على البقية الباقية مِن العرب في وطنهم منذ 12 كانون أول 1948 حتى عام 1966.
ولا أذكر أمام هوْل هذه الجرائم الإرهابية بحق شعبنا جرائم "أصغر" منها – مصادرة الأرض والتهويد والتجهيل وتحويلنا إلى "أورطة" شعب و "جعلنا حطّابين وسقاة ماء" كما تفلسف لوبراني. أو كما "فسى" هرتسل بحديثه عن شعب بلا أرض أتى للإستيطان على أرض بلا شعب. أو كما أفتى رجال دينهم بأن الله هو الذي أمرهم بأن يأتوا إلى أرض الميعاد وأن يقتلوا أهلها من رجال ونساء وأطفال وحيوانات، ولا يبقوا منهم نفسًا حيّة. لقد صهينوا حتى الله!
و "العربي الجيّد هو العربي الميّت"، و"العربي سرطان في جسم الدولة"، و "العربي حيوان يدبّ على أربع"، و"مافت لعرفيم"/ الموت للعرب/ هو الهتاف الأكثر ترددًا في إسرائيل. ويكاد ترديده يضاهي ترديد النشيد القومي لإسرائيل – "هتكفا". والهتاف الذي كان يردده الجمهور اليهودي عندما قضى الشرطي العربي على منفّذ عملية بني براك، كان "مافت لعرفيم".
لذا الذي يريد حقًا قطع جذور ومسببات هذا الإرهاب الفردي الأجدى به أن يوجّه سهامه أوّلًا نحو قيادات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ووزاراتها. وكذلك إلى الحكومة الحالية بغالبية وزرائها، وإلى الكنيست الحالية بغالبية أعضائها في الإئتلاف الحكومي وفي المعارضة – (بإستثناء القائمة المشتركة وميرتس).
بلغ عدد الضحايا الإسرائيليين في ثلاث عمليات إرهابية 11 ضحية، بينما بلغ عددهم 47 ضحية في عام 2015 حيث كان يجري تفجير باصات/ حافلات بمن فيها مِن مسافرين. أنسيتَ هذا يا نتنياهو، ويا مَن يدور في فلكه؟ يذرفون دموع التماسيح على الضحايا. وما يبغونه هو العودة إلى السلطة، أو النجاح في "برايمرز"/ انتخابات تمهيدية/ قد تجري قريبًا، ليواصلوا إحتلالهم وإباحتهم للدم الفلسطيني. وتنفلت جوقة واسعة مِن أعضاء الكنيست في الإئتلاف الحكومي وفي المعارضة المغالية في يمينيتها. وتسيب بعض المواد في وسائل التواصل الاجتماعي. وما مِن صرخة تعلو بضرورة إنهاء الاحتلال، وضمان حق الشعب العربي الفلسطيني بتحقيق مصيره وإقامة دولته إلى جانب إسرائيل. علمًا بأنه هذا هو الحل الذي يقرّه المجتمع الدولي.
وماذا يفعل قادة في الإئتلاف الحكومي؟ يتحدثون عن خروق يجب إغلاقها في الجدار الفاصل بين المناطق المحتلة وإسرائيل، وعن ضرورة تقوية جهاز المخابرات وتصعيد التحقيقات والملاحقات وزيادة الميزانيات للمخابرات ولحرس الحدود ولتجنيد المتعاونين – العملاء، ويدعون عموم المواطنين اليهود إلى إصطحاب سلاحهم حين يخرجون مِن بيوتهم.
لذا تتسائل سيما كدمون في مقالها في صحيفة "يديعوت" بتاريخ 1.4.2022: قولوا لي، هل أصابنا الجنون؟ عذرًا يا سيما، فرغم تقديرنا لشجاعة تساؤلك ولبعض مواقفك، هذه الدولة مصابة بالجنون منذ أن إعتقدت وبنت ذاتها ونهجها على أساس أن ما لم يتم تحقيقه بالقوة والقمع والبطش بوطن الآخر وبشعبه سيتم تحقيقه بالمزيد مِن القوة. علمًا بأن البطش والإحتلال والتهجير والإستيطان والعنصرية والتمييز القومي والمدني هو الإرهاب بشتى إشكاله.
أما نحن، شعب الضحية، فنتسائل: هل تعرفون حركة مقاومة ضد الاحتلال في شتى دول قارات العالَم بأسره لم تلجأ أحيانًا إلى عمليات مدانة إنسانيًا وأخلاقيًا؟ كتب إميل حبيبي مرّة مقالًا بهذا الخصوص عن هذا الموضوع كان عنوانه: "لا تلوموا الضحية". أمّا ثوار الجزائر فكان ردّهم ضد الإستعمارعلى توجيه الإنتقادات لهم لوضع متفجرات في مقاه ومطاعم وأماكن مدنية عامة تقضي على حياة العديد مِن البريئين مِن بين القتلى، قائلين: نحن على إستعداد لإستبدال موادنا التفجيرية بطائراتكم ودباباتكم ومدافعكم!
إذًا، لماذا يا هذا، تدين تلك العمليات؟
أسمعكم تسألونني هذا السؤال الذي أسأله أنا أيضًا لذاتي. أدينها ليس مِن باب الدفاع عن إسرائيل أو/ و مطالبتها لنا بالإدانة. أدينها لأن القضية العادلة بحاجة إلى وسائل كفاح عادلة، وإلى كسب رأي عام عالمي وتجنيد تضامن دولي وحتى إسرائيلي ديمقراطي، لا إلى تقليد العدو والمحتل والمستوطن القامع الغاضب. ونحن هنا يجب ألّا نتصرّف حسب قوانين العلوم الفيزيائية – لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الإتجاه. وإنما حسب دايلكتيكية/ جدلية الفكر السياسي والنهج الممارساتي، وأن تكون مصلحة قضيتنا العادلة النبراس والفنار والهدف في هذا الليل الدامس والأثقل والأطول من ليل السموأل.
نعم نُحمّل الإحتلال المسؤولية الأساس، ولكن هذا لا يعفي المحتلة أرضه مِن أن يكون مسؤولًا في كفاحيته وكفاحيًا في مسؤوليته الوطنية ،مِن باب الحرص أولًا وقبل كل شيء على قضيته الوطنية العادلة التي تستلزم وسائل كفاح عادلة. أمّأ هؤلاء الإنتحاريون المعبئون بحقد عادل على المحتل فلقد قاموا بتشويه قضيتهم وخدمة عدوّهم حين مزجوا حقدهم بتشويههم للإسلام الحنيف أيضًا. ولست بحاجة لأن أذكّر أحدًا بأن الحركات الإسلاموية قتلت مِن المسلمين أضعاف أضعاف ما قتلته مِن أتباع ديانات أخرى ومِن محتلين وغاصبين لبلاد العرب والمسلمين.
وأخيرًا، وليس آخرًا، دعونا لا ننسى أن الذين نفّذوا تلك العمليات الإنتحارية هم من عرب البلاد الأصلانيين، مِن "فلسطينيي الداخل" كما يسميهم البعض. وستكون لهذا آثار سيئة على حياتهم ومعيشتهم وعلى التعامل مهم. عِلمًا بأن هؤلاء العرب الفلسطينيين حققوا المآثر والإنتصارات في عقر الدار الإسرائيلية بإنتهاجهم لسياسة كفاحية وعقلانية في الوقت نفسه. سياسة عزّزت بقائهم وصمودهم وإنتمائهم لشعبهم وتحقيقهم لأكثر ما يمكن مِن المكاسب بأقل ما يمكن مِن المخاسر.
وما مِن شعب أو أقليات مِن شعب، أينما سكنوا، إلا وكانوا محكومين بالظروف الزمانية والمكانية/ الزمكانية. ففيها يولدون وينمون ويتعلمون ويعملون ويتزوجون ويخلّفون ويتوَفون. لذا أقول لهؤلاء الذين في الخارج والذين في الداخل، وأكرّر أن عودوا رجاء الآن لقراءة هذا المقال بهدوء ثانية. نقاشي المسبق مع بعضكم هو الذي أوحى لي بالعنوان – أدينهم ولكن...
ملاحظة: كتبتُ هذا المقالا بتاريخ 02.04.2022
(Samih.gha@gmail.com)

مقالات متعلقة