للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
"ممنوع تقولي لأ، قولي آه.. انت بنت".
هذا ما سمعته من طفلة صغيرة لا تبلغ من العمر عشرة أعوام تقول لأختها الطفلة الأصغر بصرخة عالية، التي تبلغ من العمر خمسة أعوام على الأكثر.
من نلوم هُنا؟ الطفلة غير القادرة بأن تتخذ قرار وموقف يشابه براءتها، والتي لا تميّز بين الرغبات والطاعة، بين الحرمان والقناعة؟ أم نعود الى البارحة ونتطلّع اليه بقلق جارف وعادات تراكمت خلال السنوات ونلوم هذين الزوجين حين تعارفا على بعضهما وقرّرا الزواج، الزواج الذي للبعض هو عقد رسمي فقط، وللبعض الاخر هو عقد وعلاقة مقدّسة في ذات الوقت. وبالخيار السليم، الانجاب هي العمليّة العظيمة جالبة معها طفلًا كهبة حامل الحُب والعظمة المقدّسة التي ربطت بينهما. ولكن، الانجاب ليست عمليّة تأتي بلحظتها ونتوقّف هنا عن التعامل مع المولود. بل هي سيرورة تربية، عادات موروثة ومكتسبة وأيضًا فوضى من المشاعر الغريبة والحديثة. وغرس لأفكارٍ ومعتقدات تنتهك الطفلات منذ أول مسارهنّ وصولًا الى المراهقة وحتى البلوغ وأكثر. المعتقد "انت بنت"، أي لا يحقّ لك بأن تختاري، تتخذي موقفًا ما في حضرة الوالدين، عليك بالطاعة وأن لا تكسري الكلمة والعديد من الكلمات المستنزفة التي تهمس في آذاننا حتى مرحلة البلوغ.
وحين يأتي الأوان، وتدرك هذه الطفلة بعد سنوات طويلة بأن الطاعة كانت مبرمجة على الخوف من كسر الكلمة تلك، وليست الحق الجوهري في شفافيّة العلاقات على مستوى العائلة وغيرها، وأبدت ما يخطر في ذهنها ونطقت ما في قلبها، تعود الأقوال التي تناثرت سابقًا الى أقوال في السياق نفسه. على سبيل المثال: "وينتا صرتِ هيك تفكري"، "انت مخطئة، وممنوع تكسري كلمة أهلك"، "إذا هيك بدك، فش عندك أهل".
وهذه الأقوال المربّعة أي محتجزة في ذات القالب، هي ردود فعل على طلبات وحقوق طبيعية لكل فتاة، في أن تختار شريك حياتها، في أن تختار بعدم زيارة عمّها في العيد، الذي تحرّش بها في طفولتها وهي غير قادرة حتى اليوم بأن تكشف هويّة ما تعرّضت له ومِن قبل مَن. في أن تختار تعليمها، عملها وحتى كيفيّة تربية أطفالها حين تتزوّج وتنجب.
هذه الطاعة، الطاعة السامّة والتي تهمّش حقيقة العلاقات الطيّبة والسليمة، تسبّب ألمًا للفتيات حين ادراكهنّ للحقيقة، وتحرمهنّ من قول الحق والتعبير عن مشاعرهنّ مع الأقرب اليهن بالمكان والمكانة وهذا ما يعزّز هذه الكلمات الظالمة المذكورة أعلاه: "انت بنت". وندوم في هذا الظلّام الذي عتق وجوده على مدار سنوات طويلة. حتى ينكشف الأطفال، الأمهات والاباء وخصوصًا الحالات المغايرة للمشهد الأول.
دورنا اليوم، هو الحدّ من استخدام كلمة "ممنوع" لأنها تجذب كل ما نرغب بأن نقوم به سرًا، وتسمّم العلاقات وخصوصًا العلاقة الأولى والأقرب الينا وهي العلاقة الأسريّة. وحين نقول بأن العنف الأسري هو الأعلى والأكثر نشوبًا، أنظروا على بنيويّة العلاقة بين الأب والأم، بين الوالدين والأطفال والتعامل الشمولي من قبل المجتمع مع قضايا التربية النمطيّة وارتباطها بالعنف.