الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 17:02

الحبوبة الانجليزية/ بقلم: ناجي ظاهر

ناجي ظاهر
نُشر: 13/05/22 10:20,  حُتلن: 14:39

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

فتحت إكرام الوائلي عينيها في الصباح الباكر.. أغمضتهما.. ليت المساء يأتي بسرعة لتطير إليه، إلى من اختاره قلبها هناك في المركز الانكليزي في البلدة. لتُفرح عينيها بمرآه ولتشنّف اذنيها بالاستماع إلى لغته الانجليزية الساحرة. قبل أيام التقت به هناك في المركز.. خلال زيارتها لصديقتها اللدودة.. منافستها في كل شيء..

العاملة فيه. مصادفة طيبة جمعت بينهما هي المرأة العربية الحالمة وهو الرجل الانجليزي فاره الطول بهي الطلعة. ما ان التقت عيناها بعينيه في تلك اللحظة التاريخية الفاصلة، حتى نسيت كل ما مضى من سنوات البحث عن الحب والاستقرار، وشعرت أنها ولدت إبّان ذاك اللقاء العياني.. لقد أمضت إكرام عشرين عامًا من عمرها وهي تنتظر اللحظة المناسبة للعثور على الذات، منذ أكثر من عشرين عامًا بحثت وها هي تفاجأ بان الامل لا يموت.. وانه يتجدد وينبعث ورودًا.. ندىً وامطارًا على القلب المعنّى. "أين مني مجلس أنت به .. فتنةٌ تمت سناء وسنى وأنا حبٌ وقلبٌ هائمُ". همستْ لنفسها وهي تكاد تطير من شدة شوقها إليه.. إلى ذلك الشاب الانجليزي المدهش.. المفاجئ بإطلالته الاسطورية.
تحرّكت في سريرها متمطّية متثائبة.. إنها تشعر بنفسها فراشة عثرت على وردتها ورحيقها التائه في أعماق الزمن، لذا عليها أن تتحرّك. الحمد لله أنه أرسل إليّ أخيرًا من يفهمني وأفهمه.. غيرًا عن اولئك الشبان العابثين اللاهين الذين ينتظرون فريستهم النسوية لُيعملوا مخالبهم في جسدها الطري ناسين أنها إبنة بلدتهم وأن ما يوقعونه بها وبأمثالها قد يوقعه آخرون بأخواتهم وبناتهم وربما بأمهاتهم. عندما خطرت لها هذه الهواجس .. تذكّرت ذلك الشاب اللاهي الذي أضاع عشرة اعوام من عمرها وهو يعدها بالزواج والاستقرار لتكتشف بعدها أنه لاهٍ عابثٌ يريد أن يجعل منها مطية له ولأصدقائه، وراحت تقارنه بذلك الانجليزي الوسيم،.. وتذكّرت ما قالته لها صديقتُها العاملة في المركز عن رقيّ الانجليز وعن اخلاصهم للنساء ووفائهم غير المحدود، وعن رغبتها في واحد منهم، وراحت تمنّي نفسها بسنوات حافلة بالدفء والحياة والحب أيضًا. " لو لم أكن لقيت هوى في نفسه.. ما كان نظر إلي بكل ذاك الشوق.. ولما التقت عينانا راسمة كل تلك الالوان المدهشة"، قالت في نفسها وهي تطرد كل احتمال للفشل في علاقتها الجديدة.
توجّهت إكرام إلى كومودينتها القديمة. كانت هذه الكومودينة لأمها، وهي ما زالت تتذكّر كيف أن والدتها رحمها الله كانت تقف قُبالتها لتتزّين وتتجمّل استعدادًا لاستقبال والدها، بل إنها ما زالت تتذكّر أن والدتها حاولت بعد الرحيل المبكر لوالدها أن تقيم علاقة برجل فرنسي وسيم، إلا أنها ما لبثت أن اكتشفت أنه رجل متزوّج ولا يفكر بعلاقة أخرى يقيمها في بلاد غربته، بلادها. عندما أتمّت الوائلي تبرجها، أعادت ما ردّدته منذ الصباح" متى ستأتي أيها المساء"، وراحت ترسم صورًا للقاء به، بذلك الرجل الانجليزي اللطيف. من المؤكد أنها ستمدُّ يديها البشاريتين إلى يديه الانجليزيتين.. وسوف تلتقي هاتان اليدان بتلكما، لقاء شرق حالم بغرب غانم، "الله ما أجمله من لقاء.. متى تأتي أيها المساء"، كرّرت بصوت تعمّدت أن يكون مرتفعًا ربّما لتتأكّد من أنها إنما تقف على أبواب عِلم وليس حلمًا ووهمًا كالعادة.
ركبت الوائلي سيّارتها القديمة وانطلقت باحثةً عن ذلك الانجليزي. مَن يدري ربّما التقت به في هذه الزاوية أو ذلك الركن من أنحاء بلدتِها. هي لا تستطيع أن تنتظر حتى المساء.. وقت دوامه في المركز الانجليزي الرابض في قمة الجبل كما يربض ملك الغابة، لذا عليك يا إكرام، أكرمك الله، أن تعملي أي شيء من أجل تقصير عمر الانتظار، وراحت الوائلي تجوب شوارع البلدة شارعًا إثر شارع وساحةً تلو ساحة.. لتتوقّف في مركز البلدة فاركةً عينيها وغير مصدقة ما تراه عيناها، إنها ترى السيارة الجديدة لذاك الانجليزي الساحر الذي اختاره قلبها واحتضنته عيناها.. متوقفةً قرب مطعم تعرفه جيدًا.. أليست ابنة البلدة؟.
أوقفت إكرام سيارتها في أقرب مكان من تلك السيارة مُمنيةً نفسَها بأروع اللقاءات، أوقفتها غير عابئة بأنها قد تأكل علقةً ساخنةً تتمثّل في مخالفة وقوف في مكان ممنوع.. وحتى عندما رأت أحد زعران المفتشين يقترب من سيارتها، تناست ما قد تتعرض إليه من مخالفة ساخنة.. تجاهلته وانطلقت تبحث عمّن أحبت عيناها عينيه وارتاح إليه قلبها. اقتربت من نافذة مطعم نيسان الراقي في بلدتها، غير مفكرة في أي موضوع آخر غير موضوع ذاك الحبّوب الانجليزي. أرسلت نظرها عبر النافذة برقةٍ ورغبةٍ لتصطدم عيناها بصديقتها المنافسة تجلس إلى ذاك الساحر الانجليزي، كانت تجلس قريبةً منه وتكاد تلتصق به، ما أثار مخاوفها. ترى هل تكون صديقتها المنافسة لها رقم واحد في محبة الاجانب والانجليز خاصةً، قد سبقتها وأقامت علاقة به؟.. الويل لها أذا كان هذا كله قد وقع في غفلة منها، والآن ماذا عليها أن تفعل لتتأكد مما خطر لها ووقر في ذهنها المتعب المكدود؟ .. الآن ما عليك إلا أن تجلسي قريبًا من طاولتهما.. بحيث ترينهما ولا يريانك.. لتستمعي إلى ما يقوله أحدهما للآخر.. فإذا كان حبًا قد جمع بينهما خضت معركتك في الدفاع عن حبك الخديج، وإذا كان مجرّد لقاء عمل بين عاملين في مكتب واحد.. تجاهلت الامر.. وانضممت إليهما هما الاثنين لمواصلة نظرات ابتدأت وآن لها أن تتواصل.. فتطرح وردها وأريجه.
تسلّلت إكرام إلى مكان قريب من طاولتهما مستغلة انشغال ذلك الانجليزي إلى صديقتها اللدودة منافستها في الحب والحياة، واتخذت مجلسها قريبًا من موقع يمكنها من الاستماع إليها. أصاخت السمع لتسمع اسمها.. والصقت اذنها بالهواء الجاري من تلك الطاولة القريبة إلى طاولتها.. كي لا تفوتها أية كلمة.. ولتسمع المكالمة الكارثية التالية:
صديقتها: أشعر أنك استلطفت صديقتي إكرام.
الانجليزي: لا أنكر هذا.. لقد بدت لي بجمالها الشرقي الاسمر ساحرةً من ألف ليلة وليلة.
صديقتها: إلى هذا الحد أعجبت بها قبل أن تعرفها ويدور لسانك مع لسانها؟ آه.. لو تعرفها عن قرب.. هي لم تترك انجليزيًا زائرًا دون أن تحاول بناء علاقة به.
الانجليزي: تقصدين أنني واحد من أرقام ونمر؟
صديقتها: إفهم ما تريده وتراه مناسبًا.. كلّ ما في الامر أنني أردت أن انبّهك.. كي لا تتورّط معها.. أمها حاولت بناء علاقة مع أجنبي زائر في البلدة وكادت تورّطه بها.. فيهجر عائلته في باريس. هل أنت جادّ بعلاقتك معها؟
هنا تحفّزت الوائلي للانقضاض على الطاولة مثل يمامة جريحة لتسألها ما دخلك أنت بي.. إلا أن صمت ذلك الانجليزي وعدم إجابته.. ردعاها ودفعاها لأن تنسحب مؤجلةً المواجهة إلى وقتها المناسب وزمانها الملائم..
في المساء تجدّد حُلمها باللقاء بذلك الانجليزي الحبّوب.. امتطت صهوة سيارتها القديمة. توقفت قُبالة المركز الانجليزي في راس الجبل.. قرب السيارة الجديدة لمن اختارته عيناها وانتقاه قلبها.. واندفعت إلى الداخل.. عندما اقتربت من غرفته تصدت لها صديقتُها:
-إلى أين أنت متوجّهة؟
-دعيني أدخل.. لا شأن لك أنت بي.
أزاحتها من طريقها بقوة.. ودخلت غرفة محبوبها الانجليزي.. متعمّدةً أن تكون مثل نسمة طيبة أو يمامة حنونة.. ففوجئت به يسألها مَن سمح لك بأن تدخلي.. لا أستطيع استقبالك الآن.
عندها خرجت تبكي.. تلملم دموعها.. وتتذكر أمها وفشلها مع ذلك الفرنسي.. الحبوب." ما اتعسني".. قالت لنفسها ومضت في شارع وحدتها..

مقالات متعلقة