الأخبار العاجلة
حكايتك يا شيرين أبلغ نطقًا من كلماتنا..
حكايتك أسمى رقيًّا من أوصافنا..
حكايتك حبٌّ ودموعٌ وإنسان!
في الأصولِ مقدسيّةٌ
في الجذورِ عربيّةٌ
في الصّميمِ وطنيّةٌ
في المسلكِ اعتنقتِ الإنسان..
مسلمٌ، مسيحيٌّ، يزيديٌّ، وأيًّا كان..
في الرّوح مسيحيّةٌ،
في القوميّة فلسطينيّةٌ،
في الرّسالة صحفيّةٌ،
في الحقيقة صاحبةُ قضيّة.. لا تستسلم.. لا تنام!
شيرين الرّسالة.. كنتِ وما زلتِ..
عشقْتِ الكلمة.. ونقل الحقيقة وصوت الإنسان..
وعملْتِ نحو ثلاثين عامًا في وكالات الإعلام..
في الأونروا وصوت فلسطين، في فضائيّة عمّان ومؤّسسة مفتاح..
في إذاعة مونت كارلو، تلاهم ربعَ قرنٍ في فضائيّة الجزيرة..
تجوّلتِ في أرضنا.. بصوتك الصّارخ.. في أزقّة الآلام..
في القدس، في جنين، في الخليل، في طولكرم ورام الله، وفي سجون عسقلان..
واكبتِ الحجارة وهي تسقط من بيوت أربابها.. لتدافعي عن كرامة الإنسان..
خاطرت بحياتك.. لتنقلي للمتألّم العزاء، للمحبط الرّجاء وللمغترب الحقيقة..
زفّتك أيدي المحبّين.. من جنين ونابلس ورام الله والقدس التّي أحببتها.. وابناء الجليل وكافّة بلادنا مع الاغتراب من قريب ومن بعيد..
زفّتك ايديهم وهم مع نعشك تحت ضرب العُصي وفزَع الكارثة ورهبة الأفراس وألم الفقدان..
فزَيّحَت جثمانك.. هناك حيث تَزيّح جثمان المسيح.. في القدس..
القدس الّتي قال فيها المسيح.. متأوّهًا:
"«يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا،
كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!" (مت 23، 37).
شيرين يا شيرين.. أنت.. يا مُهجة قلبِ شعبنا..
أنت الضّمير.. وصوتٌ يدعو لتقرير المصير..
أنت فِعلٌ جَسّد معنى احتضان المشرّد والفقير..
لست ولم تكوني يومًا من المنظّرين المنافقين..
ولم تندرجي يومًا في أولئك الّذين يبيعون التّاريخ والحقائق بدراهم الإسخريوطيّ يهوذا..
ولم تتوقّفي يومًا عن عيش أثمن ما في قلبك من نزعات الحُبّ والانتماء للإنسان وللحقيقة..
شيرين أنت درسٌ في الحضارة.. أنت درسٌ في الإيمان..
أنت نموذجُ من يحبّ ولا يأبه لتهديدات الظّلام!
شيرين الاسم، ومعنى الاسم هو شيرين..
"الحلوة، العذبة ، والعنب الكثير الحلاوة..":
حلوة الملقى، عذبة الرّوح، وعنبٌ سُفكَ في أرضنا الهوجاء.. يذكّر بالفداء..
شيرين نصري أنطون أبو عاقلة، مولودة 3 كانون الثاني 1971،
أهلها من بيت لحم، بيت الخبز، حيث ولد المسيح، "خبز الحياة"..
مدرستها لدى راهبات الورديّة، في بيت حنينا، رهبنة أسّستها بنت بلادنا القدّيسة ماري ألفونسين غطّاس، لتقتصر على راهبات عربيّات.
تبعتها دراستها الجامعيّة في الأردن، في الهندسة المعماريّة في جامعة العلوم والتّكنولوجيا أوّلًا، تلاها تخصّص الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك.. واكبتهم وتَلَتْهُم مدرسة الحياة.. وحكايةٌ وبسمةٌ ومثابرةٌ وحرّيّةّ وعزّةُ نفسٍ وعنفوانٌ ونشاط...
ورصاصة 11 أيّار! وقيامة!
شيرين الرّمزُ والصّوتُ والالتزامُ..
لم نعرف بعضًا من كنوزها بعمق إلّا عند وفاتها..
فظهر ما كان خفيّ.. وما أجلّه..
كعطاءها الكثيف للفقراء من أًجرها الشّهريّ..
كحبّ النّاس العظيم لها.. الّذي تفجّر ألمًا عند الفراق..
فشهِدنا من أعظم وأكثف جنازات أرضنا..
كتفانيها العظيم في رسالتها حتّى الجوع والعطش
وإصرارها الصّادق دون استسلام لما تلقّته من إنذارات متعدّدة في مسيرة عطاءها، والمزيد والمزيد..
كلماتها الأخيرة في طريقها إلى جنين..
مدفوعة بقوّة من أعماقها، قالت:
"إن أردت أن تبدو قويًّا، قل: في الطريق إلى جنين.
وإن كنت حزينًا، أو تائهًا، قل: في الطريق إلى جنين.
وإن أردت صلاة، قل: في الطريق إلى جنين.
وإن سألك أحدهم كيف يبدو الطقس اليوم؟ قل: في الطريق إلى جنين.
مطر الله، وأحزان يعقوب، والنهاية، والبكاء، والأعياد، والحجّ،
وتناقضات الحياة كلّها، تجدها في الطريق إلى جنين.
الطريق إلى القدس تمر عبر جنين... ونحن سائرون في طريق" (شيرين)
هناك وهي في لباس الصّحافة وخوذة الصّحافة ووسط شعبها..
هناك حيث كانت تلتقي آلام البشر.. تلقّت الرّصاصة.. ومَضَت.. بل بقت!
مَضَت شيرين إلى ديار الله.. ولكنّها بقت في قلوب الكثيرين وفي ذاكرة الشّعب..
مَضَت شيرين إلى دار العدالة، دار السّلام.. حيث ترقد بسلام دون عنف ولا سلاح..
مضت شيرين من ههنا، ومكثت هناك.. في استقرار وامان.. في السّماء..
ها هي تنتظر منّا رسالة، مقصدًا وقرار.. ونحن ماذا نفعل؟
رسالتها قيمة الإنسان،
رسالتها قدسيّة الإنسان،
رسالتها الكرامة والحقيقة والعدالة..
أمام الخوف من اخماد الصّحافة الصّادقة.. لنشجّع على صحافة الحقيقة والحرّية..
ليذهب شبابنا وشابّاتنا بالمئات والآلاف.. إلى عيش وإعلان الحقيقة.. والقيم.. وحُبّ الحياة..
أمام التّطرّف بكلّ أشكاله.. لنشجّع على الإنسانيّة، على المحبّة، على الانفتاح، على الاعتدال..
أمام القمع والعنف والسّلاح.. لنشجّع على الحرّيّة، على نهج السّلام وحقوق الشّعوب بتقرير مصائرها وتطوير ذاتها واعتناق الحياة...
قال قداسة البابا فرنسيس، قبل أيّام من مقتل شيرين، وتحديدًا في الأوّل من أيّار، في كلمة التّبشير الملائكيّ "بعد غد، الثالث من أيّار، هو اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي ترعاه اليونسكو. أحيّي الصحفيّين الذين يقدمون حياتهم لخدمة هذا الواجب. في العام الماضي قُتل 47 صحفيًا في جميع أنحاء العالم وسُجن أكثر من 350 منهم. شكرٌ خاص لجميع هؤلاء الصحفيّين الذين ظلّوا يحملون إلينا بشجاعة، الأخبار عن جراح البشريّة" نعم شكرًا يا شيرين.. فقد حملت لنا بشجاعة جراح البشريّة!
قال الكتاب المقدّس، عن كلام الله، عزّ وجلّ، لقايين:
"مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ" (تك 1، 10).
لنصلّي لأجل روح عزيزتنا الغالية شيرين،
ولنصلّي لأجل كلّ مظلوم قُتل من هابيل الصّدّيق إلى يومنا،
أن يهبهم الله الرّاحة في ملكوته،
هناك حيث الفرح والعزاء والسّلام والأجر الصّالح.
الرّاحة الدّائمة أعطهم يا ربّ ولتسترح أنفسهم بسلام، آمين.
المسيح قام. فلنحيا القيامة!
الأب مجدي أسامة هاشول
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency