الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 00:01

الأسير ناصر الشاويش يحلّق في سماء بلدته قنّير/ بقلم: حسن عبادي

حسن عبادي
نُشر: 17/05/22 09:50

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

في طريقي إلى قريّة قنّير المهجّرة وصلتني رسالة صوتيّة من ابنتي ديمة جاء فيها: "ابشروا، اليوم سألت المعلمّة مين منكم بعرف شو النكبة؟ فرفع ماهر إصبعه وأجاب: "هي الحرب اللّي احتلوا فيها الإسرائيليّة بيوت العرب وطلّعوهم منها". هيك بالحرف. بقدر أموت مرتاحة". (حفيدي ماهر طالب الصف الثالث في مدرسة مشتركة، عربيّة- يهوديّة، في حيفا).

شاركت مئات الندوات وحفلات إطلاق وإشهار كتب، ولكنْ، كان لهذا الحفل مذاق آخر.

حفل إطلاق ديوان "أنا سيد المعنى" للصديق الأسير ناصر الشاويش، تزامنًا مع ذكرى النكبة وعلى أراضي قنّير المهجّرة، تلك القرية التي هُجّر منها أهله إثر النكبة، رغم قانون النكبة المقيت الذي سنّه برلمان الكيان.

دُعي لحفل الإطلاق أهالي قنّير والاتحاد العام للكتّاب الفلسطينيين-الكرمل 48؛ وهذه كانت افتتاحيّتي للحفل:
"أعدمت شيرين بدم بارد برصاص الاحتلال الغاشم على مشارف مخيّم الصمود في جنين، وحتمًا هذه الميتة التي كانت تتمنّاها، حين يأتي أجلها، خلال ممارستها المهنة التي عشقتها في خدمة رسالة آمنت بها، عشق عابر للقارّات والأديان... عشق إنساني وعطاء بلا حدود.
شيرين كانت شاهدة على الجريمة، ويتوجّب إقامة لجنة تحقيق دوليّة محايدة لكشف الحقيقة الواضحة كعين الشمس، قبل محاولة تشويشها وطمسها، وحتمًا هذا هو مطلب شيرين الأخير لو أتيحت لها فرصة الاختيار! واليوم استشهد الأسير المحرّر داود زبيدي، وهذا وضعنا مع استمرار نكبتنا. الرحمة والسكينة لروح شيرين وداود وكل شهداء فلسطين".
كانت الكلمة الأولى للكاتب سعيد نفاع، الأمين العام لاتحاد الكتّاب الفلسطينيين-الكرمل 48 وجاء فيها: "الحريّة التي يملكها الأسير حين يقرأ وحين يكتُب هي حريّة لا يعرف معناها إلّا الأسرى. الحريّة التي تنطلق مع كلماته عبر الأسلاك والجدران لا يعرفُ قيمتها إلّا الأسرى.
الحريّة التي تحوم الآن بين أطلال قنّير هي سيّدة كلّ المعاني".
تلته كلمة موسى الشاويش (ابن أخ الأسير ناصر) باسم عائلة الشاويش، حيث مُنع والدا الأسير وأهله من المشاركة وأعيدوا عن الحاجز، وموسى لم يلتقِ بعمّه الأسير حتّى اليوم، وتلته كلمة ترحيبّية لمحمود أبو واصل (قنّيري مهجّر)، وكانت المداخلة الرئيسة حول الديوان للروائي مصطفى عبد الفتاح.

تلتها كلمة مؤثّرة لزميل الزنزانة والأسر أمير مخول.

حين علم أسرانا بالحفل تواصل العشرات منهم للمشاركة بمداخلات، وكانت مداخلة للصديق الأسير حسام زهدي شاهين (ألقاها نيابةً عنه الكاتب الشفاعمريّ زياد شليوط) وجاء فيها: "اليوم استطاع صديقي حسن عبادي ومن معه من أحبة وأصدقاء، بكل حنكة وذكاء من إحالة قنّير المهجّرة إلى حلبة مصارعة، يتصارع فيها التاريخ الحقيقي والطبيعي مع التاريخ المزوّر والاصطناعي، وهم يدركون تمام الإدراك بأن إمكانية انتصار الآلة على الطبيعة، إمكانية واردة جداً بحكم التقدم التقني والقوة، لكنهم في ذات الوقت يعون تماماً بأن طرح الحقيقة كما هي، وببساطة مجردة أمام الرأي العام الدولي والإقليمي، أبلغ من كل الفذلكات والخطابات الطنانة، وأعمق تأثيراً، فلا أحد حول العالم يمتلك ذرة إنسانية واحدة، يمكنه/ها أن يتعاطف مع الجرّافة ضد الشجرة، ولا مع البندقية ضد الحياة، ولا مع القاتل ضد الضحية، ولا مع اللص ضد المسروق، ولا مع المستعمر ضد المُستعمَر والمشرد من وطنه، ولا مع الكراهية ضد الحب، هذه هي النكبة، وهذا ما ألحقته بشعبنا من ظلم ودمار، هذه هي هويتها القاسية والمؤلمة، الهوية التي يستحيل معها، مهما طال الزمن، أن تحل مكانها هوية "الاستقلال" لكيان طارئ وغاصب مهما بلغت قوته؟".

تلاها شاعر الوادي عبد القادر عرباسي (أبو صخر) بكلمة عن قنّير وعلاقته بها وألقى قصيدة بعنوان "فلسطينيّ أنا"، وكانت الكلمة للدكتور يوسف بشارة حول فوزي القنّيري الذي هُجّر إلى الطيرة.

وكانت المداخلة للشاعر زاهر بولس حول الديوان والنكبة وما بينهما وتلاه الشاعر ناظم حسون بقصيدة كتبها خصّيصًا من وحي اللقاء نهايتها "وقلوبنا بلغت حناجرنا أفما لهذا الليل من صبح".
جاء في كلمة عريس الحفل (ألقتها نيابةً عنه الفنّانة رنا بشارة): "من وسط حدائق الحرية العابقة بعبير الثورة والفداء في سجون الاحتلال، أُحيّيكم جميعاً باسمي وباسم كافة إخوتي ورفاق دربي في الأسر، واُقَبّل جباه كل من حضر اليوم إلى قنّير ليشاركنا حفل إطلاق ديوان شعري الجديد "أنا سيد المعنى" الذي ارتأينا أن يكون في ذكرى النكبة الأليمة، وعلى أرض قنّير التي اقتلع منها جدي ووالدي في العام 48 على أيدي العصابات الصهيونية لنصبح نحن وآباؤنا وأبناؤنا آثارَ الحنين للماضي الحاضر فينا حُلماً. إنّ إطلاق ديواني الجديد اليوم بوجودكم وحضوركم الكريم لهو أصدق رسالة أخويّة ووطنيّة تقدمونها لهذا الكيان اللقيط، بأن الكبار يموتون، ولكن الصغار يولدون أكثر تمسّكا من آبائهم وأجدادهم بحقهم بالعوده إلى جذورهم وبلادهم المغتصبة.

اليوم إخوتي وأخواتي الحضور، بفضلكم وبفضل وطنيّتكم العالية وحضوركم اللافت تنتصر القصيدة على فضاءات السجن الضيقة وينتصر الشاعر الأسير على عتمة وضيق زنزانته وتنتصر قنّير على كل محاولات شطبها من قاموسنا وذاكرتنا الفلسطينية، هو عرس انتصار المقولة الثقافية والأدبية على آلات حربهم العسكريّة، وعلى سجونهم التي أرادوها لنا مقابرَ للأحياء، فجعلناها ساحات للاشتباك السياسي والثقافي مع المحتل، ولتأصيل روايتنا الفلسطينية في مواجهة رواية صهيونية لقيطة لن تجد لجذورها فرصة تنمو فيها على أرض آبائنا وأجدادنا.

بعد مسيرة طويلة وشاقة من النضال من أجل حقنا في العودة إلى ديارنا المغتصبة، أجدني اليوم أشعر بلذة الانتصار على حراس سجني وأنا أحلّق بكلماتي وقصائدي في سماء قنّير، ولأُطلِقَ قوافيَ شِعري حَمَاماً يحلّق فوق أشجار الزيتون وسنديان قنّير، بل وأشتمّ من خلالكم اليوم رائحةَ التراب القنّيري المفعم بروائح المِسْك من عرق أجدادنا الذي كان يغسل الغبار عن وجه القمر الحيفاوي الجميل حيث لم أتمالك نفسي من الغبطة والسعادة عندما أخبرني صديقي العزيز، المحامي الحيفاوي حسن عبادي، عن نيته بإطلاق ديواني الشِعري الجديد إلى حريته المشتهاة من فوق تراب قّنير، وخاصة في هذا اليوم بالذات الذي يصادف ذكرى النكبة الأليمة الحاضرة فينا والحاضرين فيها".

وختامها مسك مع نشيد "موطني" للفنّانة سناء موسى بتفاعل الحضور.

مقالات متعلقة