الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 22:02

النعش وعرش اكتاف الرجال!

بقلم: د. شكري الهزَّيل

د. شكري الهزَّيل
نُشر: 17/05/22 14:28,  حُتلن: 15:53

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

بعد أن شاهدت في حياتي الدنياوية امورا كثيرة وبعد ان تأملت كثيرا وعلى طول سنين افاق افق فلسطين المرصعة بالنجوم وقمرها التارة هلال واخرى قمر كامل ساطع، عاودت التأمل في معنى الدنيا والحياة بكل مقوماتها وانا اشاهد مراسيم جنازة عزيزتنا النجمة الراحلة شيرين ابوعاقلة لتعود بي الذاكرة الى زمان ليس بعيد ولا قريبا حين كنا في ذاك الزمان طلاب مدارس صغار ندرس في مدرسة بالاصل مسيحية تبشيرية في مدينة الناصرة عاصمة الجليل الجليلة، مدرسة تأسست عام 1860 كان يؤمها الطلاب الفلسطينيون من كل الديانات وكانت الاكثرية من الطلاب " المسلمون" ونحن كلنا باطيافنا ودياناتنا منطوون تحت قبة صف واحد ونلعب ونلهو في ساحة مدرسة واحدة ومن ثم نعود يوميا بعد الدوام الى بيوتنا وقرانا المجاورة للناصرة التي كانت في ذاك الوقت حاضنة لطلاب القرى المجاورة اذكر من بينها اكسال والرينة والبعينة ويافة الناصرة وصندلة وقرى كثيرة اخرى في مرج بن عامر ومحيط مدينة الناصرة البعيد والقريب واذكر ما اذكر حركة الباصات والمحطة المركزية في الناصرة التي تتفرع منها غايات واهداف المسافرون الى كل الاتجاهات..

الذي اعادني الى هذة الذكريات هو هويتنا العروبيه الفلسطينية التي لم تأبه كثيرا بديانتنا وطوائفنا كشعب فلسطيني لاقول لكم ان اول خطوات تشكل وعيي الوطني هو مدارسنا " التبشيريه" التي انسَّتنَّا بذكاء ووعي مدروس مرجعية ديانتنا وركزت على هويتنا الفلسطينية العربية وعملية صَّهرنا في وعاء ووعي وحدة الهوية والمصيرحيث تخرجنا جميعا فلسطينيون وكل بقي على ديانته وعاد الى دياره من شمال فلسطين الى جنوبها ومن ثم تفرعت بنا الدنيا لكن اكثريتنا الساحقة واكثرية افواج الخريجون من تلك المدرسة الخالدة بقوا ع عهد الهوية الفلسطينية و عليه ترتب القول بانه لم تشكل حتى يومنا هذا بالنسبه لي " ديانة" الفلسطيني اي اشكالية فكنا زملاء المدارس والجامعات والمعاهد العليا ومنتسبي اتحادات الطلبه نتبادل شؤوننا وشجوننا الفلسطينية كفلسطينيون اصحاب قضية وهويه ونحن ندرك ان في صفوف شعبنا المقاوم بتاريخه المجيد كان الابطال والبطلات والشهداء والشهيدات من كل الديانات والاطياف.. كانوا عرب فلسطينيون ينتسبون الى فلسطين فكانت الناصرة ناصرتهم والقدس قدسهم وحيفا حيفاهم والاقصى اقصاهم والقيامة قيامتهم وهم يدركون بوعي ان الاحتلال الغاصب يستهدفهم كشعب صاحب هوية وحق بصرف النظر عن ديانتهم..


اقول بكل ثقة وفخر بأنه حتى يومنا هذا اشعر بفخر كَّوني عربي فلسطيني و افخر بانتسابي ل شعب عظيم ولتجربة عظيمة اثريتها لاحقا بالتعرف على الفلسطينيون في كل بقاع الدنيا وهم يحملون فلسطين في حقيبة سفرهم واينما حطوا رحالهم بحثوا عن ابناء وبنات شعبهم وشكلوا التكتلات والجمعيات التي تجمعهم ويجمعون فيها على فلسطينتهم وضرورة عودة الحق الفلسطيني الى اهله..*لكم اينما كنتم وطنا ومهجرا كل التحايا والشكر على وجودكم وصمودكم الاسطوري وكَّمشكم على جمر قضيتكم وهويتكم الفلسطينية جيل بعد جيل حين ظن الاعداء والمحتلون خطأا ان اجيال النكبة ستموت في المنافي والاجيال اللاحقة ستنسى فلسطين.. لم ننسى وازددنا عددا وتعدادا ووعيا بان فلسطين وطننا والشهداء والشهيدات ابطالنا وامثالنا العليا في الفداء والعطاء... عاشت فلسطين بكم وبوجودكم ولولا هذا الوجود العنيد الواعي لما بلغنا ما بلغنا..ابشروا: يرونها بعيده ونراها اقرب من مرمى حجر..خيوط شمس الحرية تلوح في الافق القريب والبعيد..!!


كانت شيرين أبوعاقلة في حياتها صحفية منتسبه لاحدى الفضائيات لكنها كانت فلسطينية الاصل والمنشأ اصيلة ابية على الانكسار, امتشقت اجهزة التصوير ولَقَمتها بكلماتها وصوتها وهي تروي حكاية شعبها ونضاله اليومي ومقاومته اليوميه لاحتلال غاشم وفاشي يجثم على صدر الشعب الفلسطيني ويخنق انفاسة,روت احزان واشجان وهموم وانتصارات وانكسارات شعبها,وقفت في مواجهة دبابات مدججة بالسلاح واستنشقت الغازات السامة وحفرت باصابعها جنبا الى جنب مع الامهات في ركام مخيم جنين"2002 "بحثا عن المفقودين, ووقفت بجانب المصلين في الاقصى وكنيسة القيامة وشاركت في تشييع الشهداء وساندت اسرى الحرية, صدح صوتها وسطعت صور "كاميراتها" وهي تقدم الدليل تلوى الدليل على جرائم الاحتلال الفاشي في فلسطين,كانت ناشطة اجتماعية بين صفوف شعبها وقدمت العون بكل اشكالة لمستوري الحال, كانت في فلسطين كل فلسطين تزاوغ مطبات وحواجز الاحتلال وتراوغ حتى تصل الى ميادين الاحداث وتنقلها في بث حي بحيوية وحرقة الفلسطينية شيرين ابوعاقلة حارسة الكلمة والحقيقة..


في حياتها ومماتها واستشهادها كانت شيرين في الواجهة تقود معركة شعبها الاعلامية,فلم تكن الجنازة جنازة لابل معركة حامية الوطيس مع احتلال فاشي,فجثمانها الملفوف والمكفَّن بالعلم الفلسطيني بث الرعب والخوف في نفوس اوباش الاحتلال وجبناء الهراوات الذين عجزوا امام مشهد احتضان فلسطين بكامل شعبها لجثمان الشهيدة ابوعاقلة,مشهد تدفق الفلسطينيون للمشاركة في التشييع, مشهد تحدي قادتة الشهيدة الخالدة محمولة على اكتاف شعبها حين تربع نعشها عرش الاكتاف والسواعد التي تحملت سوط وهراوات همج العصر وتشبثت بالنعش.. لم يسقط النعش..صمد النعش وظلَّت الايادي متشبثه برفع شأن نعش شيرين الى ما بعد بعد افق فلسطين,دقت الكنائس اجراسها ورفع الاذان ووصل في النهاية النعش الى عنوانه معززا مكرما احتضنته وتحتضنه ارض فلسطين والقدس مسقط راس الشهيدة شيرين,ملايين الفلسطينيون رافقوا بارواحهم واحزانهم شيرين الى مثواها الاخير في ثرى فلسطين.. الرحمة كل الرحمة والشكر كل الشكر لشيرين من كل بيت وفرد ومكان وشارع في فلسطين والعالم..


لم تنسى شيرين واجبها الوطني قبل ان ترحل رحيل الابطال, فاعدت برنامجها الاخير حول النكبة الفلسطينية بذكراها ال74 ,رحلت وتركت رسالتها الاخيرة وهي اللتي احيت سنويا ذكرى النكبة الفلسطينية على مدى اكثر من ربع قرن, نصف حياتها امضته في ميادين التقارير حول فلسطين,دونت نصوصها في الرواية الفلسطينية, نزفنا دموعا حرقة على رحيل شيرين لكننا ادركنا انها شمعة اضاءت الطريق لنهضة فلسطينية وقفزة نضالية في معركة الفلسطيني العادلة مع اوباش الاحتلال الذين هاجموا جنازة شيرين واعتدوا على نعشها في صورة بلغت ببلاغتها وبشاعتها ضمير العالم الحر, فمن هم هؤلاء الاوباش الهمج بكل هراواتهم واسلحتهم امام قوة السواعد والاكتاف الفلسطينية اللتي ابت ان يسقط النعش؟ وكأن حال لسان هؤلاء الابطال يقول: صُنعت اكتاف الرجال الفلسطينيون لحمل نعوش الشهداء الابطال كي لا تسقط, وهم يعيدون التاريخ الى تاريخه الخالد بتشابه المواقف باقوال غسان كنفاني عندما كتب يوما :*خُلقت أكتاف الرجال لحملِ البنادق، فإمَّا عُظماء فوق الأرضِ أو عظاماً في جوفها ونحن نقول اليوم 2022 : خلقت اكتاف الفلسطينيون رجالا ونساءا ليكونوا جمل المحامل وحاملي نعوش الشهداء كي لا تسقط ولن تسقط.. نعش شيرين عندما اعتلى عرش اكتاف وسواعد الرجال وكانت هي تحمل تاج فلسطين كل فلسطين..الى الابطال المدافعون عن شموخ نعش شيرين كل التحايا والشكر من فلسطين ارضا وشعبا, كتبتم بطولة ومقولة اخرى ورفعتم العلم الفلسطيني رغم كيد الاعداء وحقدهم..


حقيقة لم اجد التعبير الملائم اوالوصف اللائق بمسلكية اوباش الاحتلال وهم يجلدون نعش شيرين , والحقيقة انهم اوباش خالون من كل مشاعر انسانية, معبأون حقدا اسودا على كل ماهو فلسطيني ولن اوصفهم بالبهيميه لان البهائم لاتعرف هذة المسلكية اصلا وقد تبدي مشاعر انسانية افضل من هؤلاء الفاشيون الحاقدون على كل ماهو فلسطيني وبلغ حد كراهيتهم وحقدهم درجة الاعتداء على جنازة ومحاولة اسقاط نعش الراحلة الحاضرة شيرين ابوعاقلة وقد اعادوا مسلكيتهم الهمجية امس الاثنين16.5.022 بالاعتداء على جنازة الشهيد وليد الشريف في القدس والواضح ان الفاشية الصهيونية بلغت حد اعلان الحرب على الجنازات ومراسم تشييع الشهداء الابرار الى حد ومستوى همجي وفاشي بلغ حالة الدخول الى المقابر وتدنيسها واعتقال المشيعين كما حدث بالامس في جنازة تشييع الشهيد وليد الشريف..لن نحيد وسنرفع الاعلام الفلسطينية وسنشيع جثامين شهداءنا في جنازات مهيبة وسنحمي نعوشهم ونصون كرامتهم ونزفهم في اعراس وطنية مهيبة كما زفينا الشهيدة البطلة شيرين ابوعاقلة والشهيد البطل وليد الشريف وقائمة طويلة من الشهداء الابطال..


لقد شيع الفلسطينيون جثمان الشهيدة ابوعاقلة في اطول جنازة على طول وعرض فلسطين من جنين الى نابلس ومن ثم رام الله وعبر محطات كثيرة زارها جثمان الراحله قبل تشييعها في القدس الى مثواها الاخير وهو تشييع مهيب في معركة" العلم والنعش" التي انتهت بنصر مبين بحمل شيرين وغرس جثمانها الطاهر في ارض فلسطين والقدس على وجه الخصوص..هوية وعروبة القدس التي دافعت عنها اكتاف وسواعد الرجال بدفاعهم عن نعش شيرين وكرامة الوطن الفلسطيني.. لم يسقط النعش وظلت شيرين معتليه عرش اكتاف وسواعد شعبها الذي شيعها تشييع الابطال ولولا حواجز الاحتلال ومعوقاته لشارك مليون فلسطيني في جنازة شيرين..الرصاص الغادر الذي هَّشم جمجمة شيرين كان الوقود لهبة فلسطينية وفزعة عارمة لتكريم شيرين وشكرها على عملها من اجل شعبها الفلسطيني..رحلت شيرين لكنها ملأت العالم بصورها ووجودها وشهادتها الاخيرة على ان هذا الاحتلال الصهيوني الفاشي لن يفلح بكسر شوكة النضال الفلسطيني العادل ولن يتمكن من اسقاط نعوش الشهداء...تكفل شعبنا بحماية النعش وتشييع الفقيدة بما يليق بها.. النعش وعرش اكتاف الرجال.. خُلقت اكتاف الفلسطينيون رجالا ونساءا ليكونوا جمل المحامل وحاملي نعوش الشهداء كي لا تسقط ولن تسقط..الرحمة لشهداءنا الابرار والحرية لاسرانا الابطال والشفاء لجرحانا والتحية لشعبنا الفلسطيني وامتنا العربية ....بلغ الفاشيون اخر مراحلهم وهم انفسهم من يحفرون قبورهم ويرسمون نهايتهم كمحتلين وغاصبين ورعاع همج يحتلون فلسطين ويضطهدون شعبها الفلسطيني.. عشتم وعاشت فلسطين وعاشت سواعد واكتاف شعبها حماة نعوش الشهداء والوطن والاقصى.. **النعش وعرش اكتاف الرجال..!!

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     

مقالات متعلقة