الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 18:02

لماذا نحتاج الى ثورة فكرية؟/ بقلم: ادهم ابراهيم

ادهم ابراهيم
نُشر: 02/06/22 11:14,  حُتلن: 12:41

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

كان الاعتقاد سائدا في الخمسينات من القرن الماضي بان سبب تخلف الدول يعود الى قلة الاموال اللازمة للنهوص بالمجتمع . وان الدول المتخلفة هي الدول الفقيرة ، ولكن بعد اكتشاف البترول والغاز اصبحت بعض الدول العربية من الدول الغنية، ومع ذلك بقيت في دائرة التخلف ، فظهرت نظريات اخرى تعزو سبب التخلف الى الادارة السيئة لهذه الدول فتم تنظيم مؤتمرات ودورات واسعة للتطوير الاداري في المجالات كافة. وبالرغم من ان هذه الدورات كانت ذات فائدة الا انها ظلت قاصرة عن تحقيق النهوض بالدول المتخلفة بشكل ملحوظ وفاعل.

ولذلك فان التطوير الاداري لايمكنه تحقيق التقدم للدولة مالم يكن هناك تطويرا كاملا للمجتمع ، وتطوير المجتمع مهمة غاية في التعقيد لان المجتمع عبارة عن تقاليد اجتماعية وثقافية ودينية راسخة وان اي عملية تغيير اما ان تتم بالقوة حتى يعتاد المجتمع على الانظمة الجديدة او بالاقناع عن طريق التثقيف بضرورة التطوير والتغيير نحو الاحسن ، مع خلق رابطة سببية بين مصلحة الفرد الذاتية ومصلحة المجتمع بالتغيير ، حتى يكون للافراد الدافع للتغيير والتقدم لتطوير مدخولاتهم وتحسين مستويات معيشتهم وتحقيق الرفاه للفرد والعائلة والمجتمع.

يبدو جليا ان سبب تخلف الدول والمجتمعات العربية يعود الى التمسك بامجاد الماضي وعدم النظر الى المستقبل ، والتمسك بتقاليد تراثية ودينية بالية ترسخ الاتكالية وترفض التغيير. وكان ذلك نتيجة طبيعية للانظمة الاستبدادية التي رسخت المفاهيم الدينية المتخلفة لاحكام سيطرتها على الشعوب باسم الدين.

إن سمو الماضي العربي والاسلامي هو العقبة الرئيسية التي تواجه الدول والمجتمعات وتحجب عنها رؤية المستقبل . الشخص الذي تكون عيناه مثبتتان دائمًا على الماضي لن يرى المستقبل أبدًا. الحنين العربي الاسلامي للماضي مرض عضال .
ان الانغلاق على التقاليد الاجتماعية والدينية البالية يقف حجر عثرة امام التقدم والحضارة ويؤدي الى الجمود الفكري والثقافي والفني للمجتمع.

إن المجتمعات التي ترفض التجديد او الاختلاف والتنوع هي مجتمعات ضعيفة تخشى التغيير .

وقد عملت الدول المتقدمة ابتداء" على تطوير نظرتهم للدين . ليس فقط من خلال جعل الدين ورجال الدين خارج المنظومة السياسية وانما تبنت سياسات دينية تواكب التقدم الصناعي والاجتماعي . فتم نبذ كثير من الطقوس والمقدسات الدينية المتخلفة واحلال مفاهيم جديدة لاتبتعد عن الدين كثيرا ، مثل اعتبار الانسان قيمة عليا واحترام حريته الفكرية مع احترام الفكر المقابل والتأكيد على الحقوق الانسانية وحرية العقيدة والمساواة بين المواطنين وكذلك حق العمل لكل فرد قادر عليه . كما تم اختزال الطقوس الدينية الشكلية الى حد كبير والتركيز على القيم الدينية العليا مثل الامانة والصدق والاخلاص بالعمل والنظافة والعمل التطوعي الانساني وغيرها من المبادئ السامية التي تشترك بها كل الاديان السماوية .

اما في مجتمعاتنا فمازلنا ننظر الى الخلف ونجتر الماضي ونتباهى بامجادنا السابقة ، دون النظر الى الامام ومايمكن عمله لاجيالنا القادمة .
كما ان هناك من يقول ان سبب التخلف هو ابتعادنا عن الدين . ولا يقصد هنا القيم الدينية العليا التي تاسست الاديان على وفقها ، وانما التمسك بالمظاهر والطقوس الدينية الدخيلة ، والاستماع الى اقوال بعض رجال الدين المتخلفين اجتماعيا وثقافيا ، فيتجه المجتمع نحو الاتكالية والكسل والاعتماد على الغيبيات من اعمال السحر والتبرك بالخواتم والعلاج بالاوهام . وهذا لايقتصر على مجتمعاتنا العربية والاسلامية فقط . بل ان سبب تخلف وارتداد كثير من المجتمعات في اسيا وامريكا اللاتينية وافريقيا يعود لشيوع الخرافات والطقوس الدينية المبالغ بها ونبذ الافكار العلمية والتحديث واعتبارها كفر والحاد . كالذي يحدث عندنا تماما ، اليس كل محدثة بدعة وكل بدعة في النار ٠

ومما يشجع على الاستمرار بهذه التقاليد الطبقة السياسية الحاكمة و رجال الدين المساندين لها ، حيث ان مثل هذه الخرافات والطقوس تضمن لهم المحافظة على السلطة السياسية والدينية . في حلقة مفرغة لانهاية لها ٠

عندما اغتصب الصهاينة الارض الفلسطينية توجه بن غوريون الى الاسرائليين قائلا لهم ان اله اسرائيل سوف لن يحميكم وعليكم العمل على تأسيس دولتكم بايديكم . فعودهم على عدم الاتكال على الغيبيات رغم يهوديتهم ، وهذا ماجرى سابقا في اوروبا وامريكا ايضا .
انهم يعلمونهم الاعتماد على النفس ، ويعلموننا الاتكالية . في حين ان نبينا العربي يقول اعقل وتوكل . اي اعمل ثم توكل . كما جاء في القرآن الكريم وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ٠
اننا لاندعو هنا الى نبذ الدين ولكننا نحاول تطهير الدين والمجتمع من الخرافات ونعلم الناس ماهو الدين الحقيقي . الذي هو اساسا الايمان والصدق والتمسك بالاخلاق الفاضلة واحترام الانسان لاخيه الانسان والاخلاص بالعمل ونبذ الازدواجية بين الاقوال والافعال ، لاننا اصبحنا نتكلم اكثر مما نعمل وعكس مانفعل . بل اننا نتكلم بما يريده المجتمع المتخلف وتقاليده البالية وليس بما نفكر فيه او نتبناه من الاراء وافكار ، ونمارس طقوس دينية ظاهرية لنثبت تمسكنا بالدين كذبا ونفاقا.

ان التقدم والتطور مرتبط بمختلف العلوم والفنون ، ولا علاقة لرجال الدين بالعلم . فليس هناك جسرا حلالا واخر حرام . ولايمكن للمعمم ان يكون مديرا لمستشفى او معمل ولا حتى مزرعة . اننا بحاجة الى اعطاء الفرصة لكل مختص ليمارس اختصاصه بعيدا عن تأثير وسطوة المعممين . ان الفوضى الان في كل مجتمعاتنا تعود الى عدم وضع الرجل المناسب في مكانه الصحيح ، فاختلط الحابل بالنابل .
فَتَدَخَلَ رجل الدين بالسياسة والاقتصاد والعلوم والفنون وكل مجالات الحياة حتى تعطلت الحياة الاجتماعية عندنا من كثرة الحلال والحرام . . ان واجب رجل الدين الدعوة والوعض وليس التدخل في العلوم الصرفة فهذا اضافة الى انه يخرج عن واجباته الاصلية ، فانه يمثل خطورة كبيرة على المجتمع . كمن يمارس مهنة الطب ويعالج الناس من دون شهادة وخبرة . حتى ان القوانين تمنعه . ولكن رجال الدين عندنا وفي العالم الثالث اخذوا يتوسعون في تدخلاتهم باسم الدين بل اصبحوا ناطقين باسم الواحد الاحد دون خوف او وجل لا من الله ولا من عباده .
ان المعتزلة ومنذ عهد طويل تبنوا مقولة الاخذ بما يوافق العقل ونبذ مايخالفه وتطويع النصوص لتنسجم مع حاجة الفرد والمجتمع.

وعليه فاننا بحاجة الى نهضة اجتماعية بل ثورة فكرية يقودها قادة الرأي الحر لتبني الفكر التنويري للدين وتشذيبه من كل العوالق الغريبة والمنافية للتقدم وللفكر الانساني او العقلاني واعمال الفكر في التفسير والشرح.
ونبذ كل الخرافات والصدأ الذي علق بالدين . مع تبني القيم الانسانية السامية التي تشجع التنمية والتقدم والحضارة ، وتطوير رأس المال البشري الذي يعتبر القيمة العليا والاولى في اشاعة الثقافة والمعرفة والفنون وهي اساس كل تقدم وحضارة . 

مقالات متعلقة