الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 23:01

التكتيك بدلاً من الأخلاقيات

بقلم: زهافا غالؤون

زهافا غالؤون
نُشر: 06/06/22 21:53,  حُتلن: 08:36

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

تصوير: رونين اكرمن

صادف أمس الذكرى السنوية الخامسة والخمسين لحرب 1967، ما يعني كذلك مرور 55 عامًا على احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة. في المجمل، عملت إسرائيل بدون نظام عسكري لمدة ستة أشهر فقط - بين كانون الأول/ ديسمبر 1966، عند إلغاء الحكم العسكري على الفلسطينيين مواطني إسرائيل، وحتى حزيران/يونيو 1967، عند بدأ الحكم العسكري الذي لا يزال قائمًا ليومنا هذا في الأراضي المحتلة.

خلال هذه السنوات أدمنّا على الخطاب التكتيكي: هل حظر التجول يعود بالفائدة؟ أو لربما تكون الاعتقالات الإدارية مجدية أم أنّ هدم المنازل وعمليات السلب أكثر نفعًا؟ يوما بعد يوم، ننتهك الحقوق الأساسية للرعايا القابعين تحت سطوة الاحتلال، سلبناهم أراضيهم، ممتلكاتهم وآمالهم. شهرًا بعد شهر، عامًا بعد عام، منحنا الصلاحية لضباط في الجيش ولرجال دولة عديمي ضمير ليديروا حياتنا. تحدث هؤلاء عن "جز العشب"، أي قتل الفلسطينيين بشكل موسمي لإعادتهم إلى حالة من الاستسلام؛ عن "إدارة الصراع"، أي تجنب إنهائه؛ عن سياسة العصا الطويلة والجزرة القزمية - وفي الواقع كانت الفكرة تفكيك وتجزئة المجتمع الفلسطيني إلى فتات.

وفي الأسبوع الماضي وجدنا أنفسنا نشهد مرة أخرى مذبحةً ينفذها مستوطنون ليسوا على استعداد لرؤية رمز التطلعات القومية الفلسطينية أمام أعينهم حتى في الأراضي الفلسطينية، وشهدنا اندلاعًا هائلاً للكراهية لدى عشرات الآلاف من اليمينيين وأتباعهم في القدس. تحت ناظريّ شرطتنا اعتدى مثيرو شغب على الفلسطينيين، ألحقوا الضرر بممتلكاتهم، بصقوا عليهم ونادوا بقتلهم الجماعي. وأمام قائد اللواء هتف العشرات من الشبان المُحرَّضين "الموت للعرب" و"لتحترق قريتكم"، ولم يأمر قائد اللواء باعتقال أي أحد لمخالفة قانون التحريض على العنصرية. وكان رئيس الحكومة ووزير الأمن الداخلي قد تفاخرا بأن المسيرة العنصرية السنوية في الحيّ الإسلامي مرت بسلام.

هناك علاقة واضحة بين الخطاب التكتيكي والسرعة التي تهوي بها إسرائيل في حضن العنصريين المُحَرَّضين. حين استسلمنا أمام الخطاب التكتيكي، الذي يقوم بتضييق معاني سلب حقوق الإنسان والحقوق المدنية لملايين البشر لتصبح مسألة تخص موضع نقطة تفتيش أو استخدام الرصاص المطاطي أو التحول إلى إطلاق النار من سلاح روغر – فقد فقدنا عندها القدرة على إسماع صوت أخلاقي واضح.

في التّوجّه الأخلاقي قوة. كما تعلِّمُنا التقاليد اليهودية، فإنّ الصّبور أفضل من البطل والمتحكّم بنفسه أفضل من المستولي على مدينة ما. في إلقاء القنابل الصوتية على النساء وفي تكبيل أيدي الطفلات لا توجد قوة حقيقية ولا ينمّ ذلك عن البطولة. بل الضعف والخوف.

صمتنا في وجه المذبحة تلو الأخرى. انتقلنا إلى الأجندة اليومية عندما عرّف أحد كبار رجال الدولة الفلسطينيين على أنهم "شظية في المؤخرة"، وصمتنا عندما أصبح رئيسًا للحكومة ووجه رسالة إلى "الأغلبية الصهيونية الصامتة"، وكأنّ خُمسًا من مواطني إسرائيل هم مجرّد هواء.

إنّ حماية حقوق الإنسان ليست ضعفًا، بل قوة. إنّ القوة لا تقتصر على الجيش وحسب؛ ولا على النجاح في الهايتك واحترام حقوق مجموعة الميم – وهي أمور تحاول إسرائيل عبرها إقناع العالم بأنها جديرة بالتّبجيل. إنّ القوّة هي معرفة.

لكن، عند قَتْل صحفية فلسطينية وطفل فلسطيني، يُمحى كل التظاهر نحو الخارج كما تُمحى قلعة من الرمال على الشاطئ. إذا كنا لا نريد أن نصبح كوريا شمالية أخرى في الشرق الأوسط، فيجب علينا غرس المزيد من الأخلاقيات في اعتباراتنا – إنّ إنهاء السيطرة على حياة الملايين من البشر هو بداية جيدة. 

*زهافا غالؤون - رئيسة معهد زولات لحقوق الآنسان والمساواة ورئيسة حزب ميرتس السابقة

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة