الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 21:02

عَ سويسرا... مجّانًا يا عرب!

بقلم: الكاتب والأديب محمّد علي طه

محمّد علي طه
نُشر: 22/06/22 12:24,  حُتلن: 14:36

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

أنا واقفٌ على المحطّة وأنتظر. واقفٌ على محطّة السّعادة وعلى محطّة اللّجون وعلى محطّة العِياضيّة وعلى محطّة مسكنة وغيرهنّ من المحطّات المشهورة من شمال بلادنا الى جنوبها ومن شرقها الى غربها، وأسمع المنادي يصيح: عَ سويسرا! خطّ جنيف السّريع. سويسرا اكسبرس. عَ جبال الألب. هلّمّوا بجماهيركم. مجّانًا يا عرب!.


وتذّكرت ذلك الرّجل العجوز النّحيف الّذي كان قبل عقود يقف يوميًّا في محطّة سيّارات الأجرة قرب ساحة الحناطير في حيفا وينادي: عَ النّاصرة عَ النّاصرة. ويأخذ جرعة من الزّجاجة. وأمّا المنادي في هذه الأيّام فهو رجل في تمام الصّحّة الجسديّة والعقليّة، وهو نائب وزير الشّؤون الدّينيّة، وقد يترّقى الى وزير الشّؤون العلمانيّة، ففي بلادنا يجوز ما لا يجوز، وقد تموت فتاة وتعيش عجوز، والأعمار بيدّ الله، وياما لمعت أسماء وغابت أسماء، وياما اعتلت أسماء القطار وترجلّت منه بسرعة الغزال، وهذا المحترم اسمه متان كهانا، ومتان معناه عَطِيّة أو عَطوَة، وسبحان الخالق المعطي الّذي وهبنا ايّاه. ومتان هو من مشتقات نتنياهو الّذي معناه عطالله. هل تذكرون الوزير عطا شرنسكي؟ من يذكره فله جائزة عبارة عن رغيف فلافل من فلافل الوادي، والهدايا على مقدار مهديها، ولو كان يُهدى للقارئ قيمته لأهديت له المقالات وما فيها.


خذوني على قدر عقلاتي كما كانت تقول جدّتي. أنا لم أفهم ولا أفهم ومن الصّعب عليّ أن أفهم هذه الضّجة وهذا الهجوم على صاحب المعالي متان كهانا. قد يكون السّبب هو اسم عائلته الّذي يذكّرنا بصراخ: الموت للعرب. كهانا حيّ. غولدشتاين حيّ. وبن غفير حيّ يُرزق.


على ماذا هذا الضّجيج وهذا الصّراخ يا ناس؟ الرّجل ابن حلال ومحترم وانسانيّ وحضاريّ وقد برهن على أنّه ابن عمّنا لحًّا أي ابن عمّنا اللّزم، وهو لم يقل ما قاله عيزر فايتسمان الطّيّار والوزير ثمّ رئيس الدّولة عندما اقترح أن يسّفر المسلمين منّا الى الأردن والنّصارى الى لبنان والدروز الى سوريا، وطبعًا ليس في عربات القطار ولا في الطّائرات ولا في الحافلات ولا على ظهور الجمال والبغال بل مشيًا على الأقدام. أناديكم. أشدّ على أياديكم. أتوسّل اليكم. لا أريد أن أقضي بقيّة عمري في مخيّم عين الحلوة أو مخيّم اليرموك أو مخيّم الوحدات. وهذا برهان على أنّ متان كهانا أفضل وأحسن وأرحم من الاخرين، فمعالي نائب الوزير، حفظه الله، لم يقل ما قاله الوزير ليبرمان أو الوزير رفائيل ايتان أو الجنرال بن غال، والحقيقة أنّني أفضّل بل أستميت كي أبقى هنا في الوطن، حتّى لو بقيت حطّابًا أو ساقيًا للماء كما رغب لوبراني.


أحمد الله وأشكره أنّ نائب الوزير متان كهانا انسانيّ وحضاريّ واختار لنا السّفر في الطّائرة "على كبسة زرّ" و "خصّ نصّ" الى سويسرا ولم يقرّر أن يرسلنا الى أثيوبيا أو جنوب السّودان أو الصّومال أو اليمن السّعيد وزيادة على ذلك هو لا يقرّر بل يتمنّى، وما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه، تجري الرّياح بما لا تشتهي السّفن، وقد "أرمنَ" هذا البيت من الشّعر طالب أرمنيّ نجيب عندما قال: بحر رايح هيك، هوا رايح هيك، ببور جاي هيك، وأنا رايح فين؟


لماذا هذا الصّراخ يا ناس! الرّجل كهانا يصرّح بأنّه يريد أن نعيش معًا وليس حبًّا فينا بل مكرهًا أخاك لا بطل، فهل أمانيكم أفضل من ذلك أم أكثر حضارةً وانسانيّة من أماني متان؟


يا متان كهانا، يا عطيّة، يا ابن عمومتنا، أنا مبسوط منّك، بارك الله بك، وأنا واقف على المحطّة وأنتظر "سويس اير" كي لا أسمع ولا أرى ما يحدث في الكنيست وفي الحكومة وفي الاعلام العبريّ وفي القدس وفي رام الله وفي غزّة. ولن أقول أكثر فجاري البدويّ قال: يلعن أبو اللّي بحكي وأبو اللّي ما بحكي. ولما سُئِل: ماذا تعني يا أخ العرب؟ أجاب: يلعن أبو اللّي بحكي وما أحد بسمعه، ويلعن أبو اللّي ما بحكي والنّاس يسمعونه. 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة