الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 16:01

الدخول للائتلاف الحكومي ليس منزلا من السماء ومرتبط بالنتائج و"الكتلة المانعة" خيار أفضل

إبراهيم صرصور

إبراهيم عبدالله صرصور
نُشر: 20/07/22 17:16,  حُتلن: 21:51

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

ما زالت الساحة السياسية – داخل الحركية الإسلامية وخارجها - تمور مورا بالجدل منذ قررت (القائمة العربية الموحدة) الذراع السياسية للحركة الإسلامية في الداخل الدخول الى الائتلاف الحكومي (وليس للحكومة) من خلال "قناعتها" ان الأوان قد آن للدخول في طريق قد يكون مفخخا ولا يخلو من المخاطر الحقيقية، الا انه يستحق التجربة إن كان سينقل مجتمعنا العربي بعد اكثر من سبعين عاما على قيام إسرائيل ووقوع النكبة الفلسطينية، من طور "الاحتجاج" الى طور "التأثير"، دون التنازل عن أي من الثوابت الدينية والوطنية، ودونما الدخول في مساومات/مقايضات على الحقوق المدنية والسياسية الأساسية، الجماعية والفردية لمجتمعنا العربي، على اعتبارها حقوقا أصيلة تنبع من حقنا الأصيل التاريخي والديني كشعب اصلاني في وطنه، والتأكيد على حقوق شعبنا الفلسطيني في الاستقلال وكنس الاحتلال، وإقامة دولته كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة وعلى راسها القرار 194، وغيرها من القرارات وفي قلبها القرارات ذات الصلة بالقدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك، وعدم شرعية كل ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في القدس خصوصا وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 عموما، والتي تدعو كلها الى وقف انتهاكات الاحتلال وإزالة كل آثاره على الأرض الفلسطينية كلها...

(1)

سيظل قرار الدخول الى الائتلاف الحكومي اجتهادا ليس منزلا من السماء، وهو يحتمل الخطأ والصواب، والحُكْمُ له او عليه مرتبط بالنتائج في نهاية المطاف، وإن كنت انا شخصيا أرى ان أكثر ما يمكن ان يذهب اليه حزب عربي في ظرف معين، ان يكون داعما للحكومة من الخارج، فيما يسمى برلمانيا ب "الكتلة المانعة"، مقابل مجموعة من المطالب المحددة، مع الاحتفاظ بالحق الكامل في الغاء هذا الدعم إذا ما دعت الضرورة لذلك...

كان يمكن لهذا النقاش ان يظل هادئا في أوساط الأكثرية العاقلة والموضوعية من مجتمعنا وشعبنا، إلا أن الأسلوب العدواني والتخويني الذي تبنته القائمة المشتركة المنافسة من جهة، وتصريحات الدكتور منصور عباس رئيس (القائمة العربية الموحدة) المثيرة للجدل في مرحلة سابقة، من الجهة الأخرى، حولت الساحة السياسية العربية الى مرجل يغلي ويوشك ان يفيض خرابا ودمارا دونما حاجة او داعٍ من أي نوع، إذ لا احد من الأطراف يدعي "العصمة" من الخطأ او سوء التقدير او عدم التوفيق في اختيار المفردات والتعبير عن القناعات، وإذ ان الحق في الانتقاد مكفول ولا احد يستطيع ان يصادره، الا ان الفشل في إدارة الخلاف والاختلاف بما يضمن تعانق الاجتهادات بدل تصادمها، هو الكارثة التي يستسلم لسطوتها الكثيرون تحت ضغط الغرائز الثأرية والصراعات الشخصية، وغلبة النزعات التنظيمية والحزبية..

من العجيب ان يكون الرأي العام العربي في الداخل متقدما بأشواط عن القيادات الحزبية المنافسة، إذ استوعب بحسه البعيد عن التعقيدات التنظيمية، المشهدَ السياسي المتعلق بقرار القائمة العربية الموحدة الدخول الى الائتلاف الحكومي، ووازن عند الحكم عليه، بذكاء وعقل مفتوح - يجب ان نعترف - بين المصالح والمفاسد فوجد ان المصالح أكثر من المفاسد، ولذلك لا غرابة ان تنعكس هذه القناعات على استطلاعات الرأي التي تعطي القائمة العربية الموحدة أربعة نواب على الاقل في الانتخابات الوشيكة، بينما تراوح القائمة المشتركة بمكوناتها الثلاث: الجبهة الديموقراطية/الحزب الشيوعي، والتجمع الوطني الديموقراطي والحركة العربية للتغيير، مكانها بين الخمسة نواب الى ستة فقط!

إضافة الى ذلك أعاد الصراع بين مكونات المشتركة على ترتيب الكراسي في القائمة، وحصة كل طرف منها، دون النظر في البرامج السياسية والخدماتية، في الوقت الذي انطلقت فيه الموحدة في دعايتها الانتخابية مبكرا وبحيوية لافتة، أعاد هذا الوضع مشاهد الصراع المأساوية التي كانت من نصيب المشتركة منذ تأسيسها عام 2015 وحتى وقع الانفصال في انتخابات الكنيست الرابعة والعشرين السابقة التي جرت في الثالث والعشرين من شهر آذار من العام 2021...

(2)

أثبت الرأي العام العربي غير المتحزب وغير المؤطر وهو الأكثرية الساحقة من الناخبين أيضا، أنه أكثر قدرة على استيعاب أولويات المجتمع العربي والتي تؤكد على معيار التزامن والتوازي بين المسارات ذات العلاقة بالهم المدني/الوطني المحلي، والوطني الفلسطيني، والذي يعني ضرورة النضال من اجل تحقيق الحقوق المشروعة لمجتمعنا العربي في الداخل، وهي الأولوية التي لن يقوم أحد بتحمل المسؤوليات عنها نيابة عنا لا الأحزاب الصهيونية ولا السلطة الفلسطينية ولا الامة العربية والإسلامية، ولكن تتحمل المسؤولية عنها الأحزاب العربية الى جانب هيئاتنا الوطنية الجامعة كلجنة المتابعة العليا واللجنة القطرية لرؤساء البلديات والمجالس المحلية، والحركات الشعبية، ومنظمات المجتمع الأهلي، والقوى المجتمعية الحية...

هذه الأولوية تأتي بالتزامن والتوازي مع فريضة الاهتمام بقضية شعبنا الفلسطيني ونضاله من اجل التحرر والاستقلال، والتأكيد على المواقف الراسخة والثابتة تجاهها وتقديم الدعم الممكن لها، والتي تقوم عليه الحركة الإسلامية ومؤسساتها الفاعلة على مدار العام، بما لا يحلم الوصول الى 1% منه كل الأحزاب والحركات الأخرى المنافسة! هنا يجب التأكيد أيضا على حقيقة قد تخفى على الكثيرين تحت ضغط الظروف، ان الحل للقضية الفلسطينية ليس بأيدينا نحن كمجتمع عربي فلسطيني في الداخل، لأنها قضية أمة عربية واسلامية كاملة، ومسؤولية المجتمع الدولي ايضا، بينما حل قضايانا نحن هنا داخل إسرائيل هي مسؤوليتنا نحن بعد تخلت عنا الامة، وبعد ان تخلى عنا المجتمع الدولي لذات الأسباب، ولجُبْنِهِ في محاسبة إسرائيل على سياسات التمييز العنصري والقهر القومي التي تمارسها ضدنا كمجتمع عربي فلسطيني يعيش على ارض وطنه كمواطنين في دولة إسرائيل، وسياسة الفصل العنصري/الأبرتهايد التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا الفلسطيني في القدس والضفة الغربية المحتلة، وحصاره الظالم لقطاع غزة منذ العام 2017 وحتى الان، وبعد ان استثنتنا اتفاقية أوسلو تماما، التي سَلَّمَتْ بأننا جزء لا يتجزأ من إسرائيل، وبذلك نصبح خارج أي حل بين الطرفين مستقبلا، إلى درجة ان هذا المعيار الظالم وقع اثره الكارثي – من بين ما وقع عليهم - على اسرانا السياسيين/الأمنيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية، داخل السجون الإسرائيلية الذي يقبعون فيها لنحو أربعين عاما، في الوقت الذي تحرر فيه قادتهم من الفصائل الفلسطينية المختلفة مبكرا تنفيذا لما نصَّت عليه اتفاقية اوسلو...

(3)

ليس من الصعب ابدا ملاحظة ان هذا القطاع الواسع من الناخبين غير المُحَزَّبِين في مجتمعنا العربي، يميل الى تصديق الحركة الإسلامية والقائمة العربية الموحدة وهو يرى الحركة سباقة في إسناد شعبنا الفلسطيني المْحَتَلّ في الضفة والقدس وقطاع غزة، والمظلومين من شعوبنا العربية والإسلامية في كل بقاع الأرض، وعلى مدار الساعة اغاثيا وانسانيا وسياسيا، ورعاية شؤون القدس والمسجد الأقصى بالتعاون مع الاوقاف الإسلامية والفعاليات الشعبية والأهلية في المدينة المقدسة، من خلال مشاريعها المتعددة والرائدة على مدار العام، كشد الرحال ومشروعات الترميم ودعم الاسر المحتاجة، ودعم القطاع الصحي، وتعزيز اقتصاد أهلنا في القدس، الى غير ذلك من المشاريع المميزة والنوعية. لن يستطيع أحد إنكار هذا الدور المقدس الذي تقوم به الحركة الإسلامية، ولن تستطيع كل محاولات "إثارة الغبار" حولها، ان تمنع الأغلبية الساحقة من شعبنا في ان ترى الحقيقة..

ما لفت انتباهي أيضا نجاح الأغلبية الساحقة غير المؤطرة وغير المتحزبة – بعكس الحزبيين والمؤدلجين - في مجتمعنا العربي الفلسطيني داخل إسرائيل، في استيعاب فهم الحالة السياسية العامة في إسرائيل. لذلك، لم يكن صعبا على هذه الأغلبية في مجتمعنا العربي ان تستوعب ان الحالة السياسية من حيث الانقسام الحاد والعميق، والخلافات غير القابلة للتجاوز، التي تعيشها الأحزاب الصهيونية بكل صيغها وايديولوجياتها، سببها والتي سببها جود نتنياهو في المشهد السياسي، هيأت فرصة قد لا تعود مرة أخرى في حال اختفى نتنياهو من الحلبة السياسية، كان من "المناسب" للأحزاب العربية ان تستغلها بطريقة او بأخرى يتم التوافق حولها، سواء كان ذلك من خلال موقف موحد ينخرط فيه الجميع، او من خلال التقاسم الإيجابي للأدوار، من اجل تحقيق مجموعة من الأهداف في مدة قصيرة يمكن ان تعوض "العجز" في الإنجازات رغم وجود بعضها بلا شك، خلال سبعة عقود من الزمن.

رفضت "القائمة المشتركة" هذا التحدي وظلت على وضعها القديم "أسيرة" لشعاراتها المتوارثة دونما النظر في المستجدات وفرص استثمارها تحقيقا لأهداف محددة كما ذكرت... من الحسن ان أؤكد هنا، انني شخصيا احترم خيار المشتركة في هذا الشأن، ولا أحد له الحق في "الاعتراض الساخن" على هذا الخيار... كما أنني شخصيا لا اخفي تحفظي من خيار القائمة العربية الموحدة إذا كان رأيي الذهاب في طريق مختلف تحقيقا لنفس الهدف، إلا ان القائمة الموحدة في المقابل قبلت التحدي - بقرار ديموقراطي - وأقدمت على تنفيذ "عملية" اشبه ب "بمغامرة" – كما يصفها الكثير من أبناء الحركة الإسلامية – إما ان تنجح فتحقق مصالح مجتمعنا العربي كله بلا استثناء، او تفشل فيتحمل أصحابها ومن نَظَّرُوا لها المسؤولية الكاملة عن الفشل والذي يعني اختفاءهم من الحلبة السياسية والحزبية تماما! قدمت الحركة الإسلامية وذراعها السياسية اثمانا باهظة مقابل بسبب هذا القرار، وتحملت في سبيله الكثير، الا انها ما زالت مقتنعة ان الطريق الذي اختارته يستحق هذه الاثمان، ومن دفعوا في هذا اتجاه مستعدون لدفع الثمن ان فشل المشروع..

الذي لا يمكنني ان أٌقبله أو اتفهمه، أن تقود القائمة المشتركة ومعها بعض الجهات التي تصارع على وجودها وحضورها، "حربَ بسوسٍ" شرسةً ضد القائمة العربية الموحدة، استعملت خلالها – مع الأسف – كل الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، أدناها "التخوين"، وهو سقوط قِيَمِيّ وخطيئة بشعة، واعلاها التحريض الاعمى، وهو جريمة مكتملة الأركان، حيث كاد هذا التحريض ان يؤدي الى كوارث لولا لطف الله تعالى، ولولا المسؤولية الوطنية الكبرى التي تحلت بها الحركة الإسلامية، فمنعت بهذا السلوك النبيل الانحدار نحو اختلال السلم الأهلي في مجتمع يعاني الكثير من الازمات، ويواجه الكثير من التحديات الداخلية والخارجية..

(4)

مجتمعنا العربي مُقْبِلٌ في هذه الأيام على انتخابات برلمانية ستجري في الأول من شهر تشرين الثاني/نوفمبر هذا العام 2022، وهي فرصة لمجتمعنا العربي الفلسطيني عموما، ولأحزابنا العربية كلها عموما، لاستخلاص العبر والدروس، والاحتكام الى العقل، وتغليب المصالح العليا وتأخير المصالح الضيقة شخصية كانت او حزبية، والارتقاء الى مستوى المسؤولية الوطنية، وعدم الانزلاق فيما بقي من أشهر الى الانتخابات، لمستنقع الحرب البينية التي لن تخدم الا عدونا المشترك الداخلي (العنف والاجرام) والخارجي (السياسة العنصرية) ...

ذهاب كل طرف حسب خياراته التي ارتآها، حق مشروع مهما اختلفنا او اتفقنا حول هذه الخيارات...

انشغال الأحزاب بعرض برامجها ودعوة الناس لدعمها بالحكمة والأسلوب الحسن وبالروح الرياضية اللائقة، حق مشروع أيضا..

التعاون فيما اتفقت عليه الأحزاب، والاعذار فيما اختلفت حوله، خُلًقٌ نبيل يليق بمجتمعنا العربي وبشعبنا الفلسطيني..

التخلي الكامل عن كل أشكال الصراع والنزاع والاتهامات تخوينا وتكفيرا، وتعزيز الاحترام المتبادل، هو المطلوب في هذه المرحلة الدقيقة، وكل خروج عن هذه المبادئ التي يجب الا يُخْتَلَفُ عليها، يجب ان يُدان بكل المفردات القوية والواضحة وغير المتلعثمة...

* الكاتب هو الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني 1948

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة