الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 14:02

صورة مُشرقة من عتمة البحر/ بقلم: ساهر غزاوي

ساهر غزاوي
نُشر: 29/07/22 10:53,  حُتلن: 16:41

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

لا شك أنّ حادثة غرق المحامي رائد محاميد من مدينة أم الفحم في بحيرة طبريا وفقدان آثاره منذ نحو أسبوع، هي حادثة أليمة ومأساوية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالذي "يزيد الطين بلة" ويفاقم من معاناة عائلة الغريق المفقود وأبناء مجتمعه، هو تقاعس السلطات الإسرائيلية الواضح في أعمال البحث عنه، وهذا يتضح بشكل جلي من خلال صرخات ومناشدات عائلة المفقود بالضغط على السلطات المختصة لإحضار أجهزة ومعدات حديثة تساعد في اختراق المياه العكرة والوصول إلى ابنهم الغريق وانتشاله. وبطبيعة الحال فإن تقاعس وتقصير السلطات الإسرائيلية في القيام بالواجب الإنساني تجاه هذه الحادثة المأساوية قبل حتى واجب المواطنة، مرتبط كليًا بتقاعس وتقصير الإعلام الإسرائيلي العبري في التغطية الإعلامية المطلوبة وتسليط الضوء على هذه الحادثة المأساوية لتحريك السلطات الإسرائيلية للقيام بواجبها!!
في هذه الحادثة المأساوية، برزت جليّا الترجمة الحرفية لتصريح يائير لبيد في أول خطاب له كرئيس للحكومة الإسرائيلية الانتقالية ("التعامل اليهودي" مع غير اليهود"). هذا التعامل المبني على التمييز الإستعلائي العنصري الممنهج ضد الفلسطينيين العرب في الدولة، لنا معه تجربة عمرها أكثر من 70 سنة ومن يتوقع غير ذلك فهو واهم ورهانه خاسر، وكما يقول المثل الشعبي: "من يجرب المجرب عقله مخرب"، لكن هذا لا يعني أبدًا التوقف عن مطالبة السلطات الإسرائيلية بالقيام بواجبها وتحميلها المسؤولية أولًا وآخرًا عن كل تقاعس وتقصير تجاهنا كفلسطينيين أصلانيين نعيش في وطننا وعلى أرضنا ولسنا أقلية مهاجرة ولا "رعايا" ولنا كامل الحق أن نعيش بحرية وكرامة، وعلى الأقل وفقًا لما تنص عليه القوانين والمعاهدات الدولية.
على الوجه الآخر من هذه الحادثة المأساوية، فقد عكس الالتفاف الجماهيري الكبير والاستنفار الشعبي الواسع المتفاعل والمتضامن مع أعمال البحث عن الغريق المفقود، المحامي رائد محاميد، صورة المجتمع الحقيقية المُشرقة، وعكس قيّمه ومفاهيمه الراسخة، فهو مجتمع يسكنه الشعور بالواجب الديني والاجتماعي والإنساني تجاه المظلوم وتجاه كل من أصابته نائبة من نوائب الدَهر من مصائب ومضرات، وهذا ليس جديدًا ولا أمرًا مستحدثًا، ففي المواقف الصعبة، تظهر في مجتمعنا الفلسطيني النخوة والشهامة والمروءة والشجاعة، وتظهر فيه القوة المعنوية التي تفوق قوة كل من تركهم ينزفون ويتألمون ويشعرهم بالوحدة، إن كان ذلك من جفاء القريب أو من ظلم الغريب. لذا ليس غريبًا أن تُعبر زوجة الغريق المفقود عن مشاعر الاعتزاز والافتخار تجاه أبناء هذا المجتمع من كافة البلدات والمناطق العربية الذين تركوا كل شيء وجاؤوا إلى بحيرة طبريا ليبحثوا عن زوجها وليقدموا ما يستطيعون تقديمه من مساعدات ميدانية ومعنوية لتصفهم بـ "شباب الرحمن" رغم ما تمر به من وضع نفسي صعب.
صورة المجتمع الحقيقية المُشرقة هذه، تعيد لنا مجددًا الثّقة إلى أنفسنا وتعرفنا من جديد على مكامن القوة التي تتجسد في التكافل والتعاضد فيما بيننا كمجموعة وأفراد، وتنبهنا أننا مجتمع باستطاعته استنهاض طاقات أبنائه في كافة المجالات وفي مختلف الأزمات لما نمتلكه من نقاط قوة تنبع من عمق الانتماء الوطني والديني وتنبع من الأفكار والقيّم المجتمعية وتنبع من روح المبادرات والمشاريع العصامية.
والمهم أن صورة المجتمع الحقيقية المُشرقة هذه، تؤكد لنا مجددًا أننا لسنا مجتمعًا ضعيفًا ومهزومًا يستمرئ الإهانة والذل، أو يُراد لنا أن نكون كذلك من خلال تسويق أفكار وأجنّدات تدور رحاها حول مشاريع الاندماج والأسرلة وصهينة العقول والمواقف والسلوك، والتي تخلط عمدًا بين الاعتراف بحقيقة الواقع وبين التسليم والاستسلام له، حتى نصل لمرحلة نعتبر فيها أنفسنا أننا غرباء في أوطننا وأننا فعلًا أقلية مهاجرة ورعايا وكل ما يتم تحصيله من هذه الدولة سيعتبر كرمًا إسرائيليًا يجب أن تُشكر الدولة وحكومتها ومؤسساتها عليه. فالمهزوم يقبل ما يفرض عليه، ولا يستطيع فرض نفسه على أحد ولا أن يفرض حلًا سياسيًا لأي قضية من القضايا مهما صغر حجمها.
 

مقالات متعلقة