الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 14:02

عاشق الأدب الروسي مِن العراق

ناجي ظاهر
نُشر: 02/09/24 12:16

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

قرأت كتابًا مُترجمًا له عن الروسية قبل العشرات من السنين، فرسخ ذِكرُه في ذهني، وحدث أنني فقدتُ ذلك الكتاب، فتضايقت كثيرًا، لأنني كنت اود العودة إليه لقراءته مجدّدًا، فالكتاب يتطرّق إلى السيرة الذاتية والفنية للكاتب الروسي أنطون تشيخوف، الاثير على نفسي القريب منها، أما واضعُه فهو الكاتب الروسي المُبدع إليا إهرنبرغ، صاحب الموجة التاسعة والعاصفة، وأما مُترجِمُه فهو الكاتب الاكاديمي العراقي ضياء نافع، عاشق الادب الروسي، الذي غادر عالمنا قبل أيام، يوم الجمعة (30-8-2024)، في مُغتربه الروسي، كما ذكر الكاتب العراقي ماجد السامرائي، في خبر نشره في صفحته الفيس بوكّية الخاصة، ولم أتمكّن للأسف من العثور على خبر موسّع عن رحيله بعد معاناة مؤلمة مع المرض الذي ألمّ به منذ عام، كما فهمت، مما قرأت.

ضياء نافع من مواليد عام 1941، درس الادب الروسي وحصل على الماجستير فيه عام 1966، أما الدكتوراه، فقد حصل عليها من جامعة السوربون الفرنسية، في موضوع الادب المقارن. شغل الراحل الكريم العديد من المناصب الجامعية، وبإمكان مَن يُود معرفة المزيد من المعلومات عن حياته، التوجّه إلى شبكة البحث العالمية العنكبوتية الالكترونية غوغل، ففيها القليل، لكن المُفيد عنه، وهو عضو في اتحاد الكتّاب العراقيين، وعضو شرف في اتحاد الكتّاب الروس. وضع الفقيد وترجم العديد من الكتب، وذكر موقع الكتروني أنه ألّف أكثر من عشرين كتابًا، ونشر ما لا يقلّ عن الاربعمائة مقالة، كرّس مُعظمَها للتعريف بالأدب الروسي والتنويه بأعلامه وابداعاته، التي بدا من كلّ ما كتبه افتتانُه به بيّنا ظاهرًا.

لفت نظري في السنوات الأخيرة، أن الراحل شرع بنشر المقالات التعريفية بالأدب الروسي، في موقع المثقف، الذي تشرّفت بالنشر فيه خلال السنوات القريبة الماضية، ولاحظت أنه تحدّث في بعضٍ من مقالاته عن الادب الروسي، أذكر منها مقالة عن شوارع تشيخوف، تحدّث فيها عن تماثيل وانصاب تذكارية، تنتشر في شوارع وأماكن روسية، ارتبطت بهذا الشكل أو ذاك، بتشيخوف أو بإنتاجه الادبي، وقد فهمت ممّا كمن وراء سطورها سؤالًا استفزازيًا، يُضمر محبةً غامرةً للأدب العربي، ويرجو أن يشهد هذا الادب، اهتمامًا بأعلامه ونتاجاتهم يتقاطع مع تلك العادة اللطيفة الظريفة، التي بادر إليها الروس فيما يتعلّق بكتّابهم عامة، وكاتبهم تشيخوف وانتاجه الادبي اللافت خاصة. وقد قرأت كلّ ما كتبه ونشره ذلك العاشق العراقي للأدب الروسي.

إلى أن لفتتني كتابة له، يتحدّث فيها عن ذلك الكتاب الذي قام بترجمته من الروسية قبل عقود من الزمن، وأعني به كتاب إليا اهرنبورغ عن تشيخوف، وقد جاء في تلك الكتابة انه/ ضياء، تلقى نسخة من كتابه ذاك أرسلها إليه أحد القُرّاء. ما إن قرأت عن ذلك الكتاب، حتى بادرت إلى خانة التعقيبات في موقع المثقف الالكتروني، ورحتُ أكتب عن ذلك الكتاب، مُشيدًا به ومنوّهًا إلى شيء مما وَقر في الذاكرة عنه، رغم أن العديد مِن العُقود مضت على قراءتي له، وأذكر مما كتبته أن مؤلفه إليا اهرنبورغ، يظهر في كتابته عن تشيخوف وكأنما هو عظيمٌ يكتبُ عن عظيمٍ آخر، وأن العُمق الذي كتب به مؤلفه يفتحُ أبوابًا مغلّقة في أدب تشيخوف عامة، وفي قصصه القصيرة خاصة، وأنه، الكِتاب، مِن أفضل الكتب التي قرأتها عن تشيخوف، علمًا أن صفحاته قليلة، وتحوم حول المائة والخمسين صفحة من القطع الصغير. للأسف ما إن كتبت هذا الكلام أو مثله، حتى فوجئت به يختفي من موقعه في خانة التعقيبات، الامر الذي حال دون إرساله للنشر. أثار ذلك الاختفاء المُباغت لتعقيبي ذاك حُنقي، فلم أعد لكتابته مُجدّدًا، مُسوّفًا ومؤجلًا كعادتي أحيانًا.

نشرُ الكاتب ضياء نافع مقالاته التعريفية بالأدب الروسي ونتاجاته المعروفة بتوجّهاتها الإنسانية العميقة، عن أعلامه الخالدين أمثال: بوشكين، تورجنيف، دوستويفسكي، تولستوي وتشيخوف وسواهم العشرات، تتالى وتتابع في موقع المثقف المذكور، ولفت نظري من بينها، إضافة لما ذكرت، مقالاته عن تشيخوف، فها هو يعمل أو يُصدر كتابًا عنه ذا عنوان مُحفز على قراءته هو خمسون مقالة عن تشيخوف.

افتقدت في فترة تالية، كاتبنا ضياء نافع، وكتابته عن الادب الروسي، أعلامه وروائعه، فقد توقّف عن النشر في الفترة الأخيرة، ولا أخفي أنني تساءلتُ بيني وبين نفسي أكثر مِن مرّة لماذا توقّف هذا الكاتب المُثقّف المُترجم المعطاء عن النشر، وعن تحبيب القراء العرب وكاتب هذه السطور منهم، بالأدب الروسي المُستأهل لكلّ تقدير، احترام وعشق أيضًا. لقد أدركت اليوم.. سبب توقّف كاتبنا هذا عن النشر.. لقد أسفت لرحيله المفاجئ لي تحديدًا، لكني تأسّيتُ بمعرفتي العميقة بأن العُشّاق الكبار، وضياء نافع واحد منهم، إنما يرحلون وتبقى قصصُ عِشقهم خالدةً على مدى الازمان.

مقالات متعلقة