الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 16:02

غزالة تنتظر أسيد عيساوي وهو ينتظرها فهل يطول الانتظار؟!

زياد شليوط
نُشر: 09/10/24 14:38

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

أهداني الصديق الشاعر والكاتب أسيد عيساوي كتابه الجديد "غزالة تنتظرني"*، وهو عبارة عن "مجموعة "قصص قصيرة" كما نقش على غلاف الكتاب، الصادر عن "مركز الحضارة العربية للتنمية الثقافيّة " في القاهرة، قام بتصميم الغلاف والإخراج الفني، أيمن رياض دويدار، ويقع الكتاب في 143 صفحة من القطع المتوسط. تحتوي هذه المجموعة على سبع وعشرين قصّة، زُيّنت برسومات جميلة ومعبّرة للعديد من الفنّانين.
لقد عرفنا أسيد كشاعر من خلال ديوانيه "سيزيف وبحار" و"إلى حيث ألقت رحلها" وهذه المرة يقدم لنا نفسه ككاتب من خلال القصص التي دونها وكتبها. ويفاجئنا الكاتب أسيد بمقدرته على سرد القصص واتقانه القصّ وكأنه حكواتي في عصور ما قبل القراءة، يقصّ على السامعين قصصا شعبية منها ما يعتمد على الرمز ومنها ما يستند إلى الأسطورة ومنها ما يشتق من الواقع، وتتمحور حول حب الأرض والوطن والشعب الذي ينتمي اليها كاتبنا أسيد المعروف بمواقفه وآرائه الوطنية.
أول ما يلفت في الكتاب غلافه، فالنظر يقع أولا على غلاف الكتاب الذي يعتبر مدخلا أو بابا أوليا لمضمون الكتاب، حيث نشاهد في لوحة الغلاف الأول وفي مركز اللوحة، فتاة طويلة القامة وممشوقة وترتدي الثوب الفلسطيني المميز بألوانه وزخرفاته وعلى رأسها الحطة البيضاء، كما نعرف ذلك من المعالم المقدسية المحيطة بها وخاصة مساجدها وكنائسها، وإلى جانبها صوة الغزالة أو ظل صورتها حيث تظهر باللون الأسود، وهنا لي أن أستنتج أن الكاتب أو مصمم الغلاف أراد لنا أن ندرك بأن الغزالة التي ينتظرها الكاتب هي انسانة، ابنة الوطن والأرض وليس الغزالة/ الحيوان لكن المشترك بينهما هو الجمال والرشاقة. ولعلّ هذا ما يفسر لنا لماذا استخدم الكاتب اسم الغزالة بصيغة النكرة وليس المعرفة، كما ظهر في عنوان الكتاب. أما العنوان الفرعي "قصص قصيرة" لن أدخل في مناقشة هذا التعريف الذي أتركه للنقاد المتخصصين، فالقصص هنا لا تلتزم المبنى الفني المعروف للقصة القصيرة.
لا يمكن في عجالة تناول جميع قصص الكتاب، لذا سأكتفي بعدد قليل منها والتي تعكس ما يحمله الكتاب برمته. من الطبيعي أن أبدأ بالقصة الأولى والتي تحمل اسم الكتاب أيضا، والتي يخبرنا فيها الراوي/ الكاتب أنه التقى بغزالة في "أرض الغزلان" والتي أبت الهرب عندما رأته يدخل أرضه، بل إنها تقف وتنظر اليه وكأنها تريد إخباره بأمر ما، فيتشجع ويخاطبها متسائلا عن مرادها. فتجيبه بأن شيئا ما دفعها الى عدم الهرب، بعدما اعتقدت أنها تعرفه منذ وقت طويل. وهذا يؤكد استنتاجي الذي ذكرته عن لوحة الغلاف، بأن الغزالة المقصودة هنا هي إنسان وليس حيوانا.
قصة "السبع دونكي (شوت 1)" تنطبق على بلداتنا العربية في الداخل، ويمكن أيضا أن تنسحب على الدول العربية. خاصة وأنها تعالج ظاهرة التعامل بالشعارات وإصدار البيانات بعد اجتماعات لا تغني ولا تسمن، وبينما يدعو البيان الى الوحدة وقبل أن يجف الحبر الذي كتب به، حتى تعود الخلافات بين الحمولتين/ القطبين في البلدة وكأن شيئا لم يكن. وبينما يتظاهر أهل البلد بالوحدة والتعاون في الحفاظ على البلد، الا أنهم بالخفاء يتعاونون مع أعداء البلد ويتآمرون على بلدهم، وكأن الكاتب يشير إلى حال العرب الدائم، وهذا هو الحال الذي عشناه ونعيشه في الفترة الأخيرة.
يعالج الكاتب في قصة "ضربني وبكى سبقني واشتكى"، موضوع الصراع بين أهل البلاد الأصليين والمحتلين/ المستوطنين الغرباء، هذا الموضوع الذي يلاحقنا على مدى عشرات السنين، وذلك من خلال زيارة يقوم بها الراوي الى "أرض الغزلان" (يعود ثانية إلى أرض الغزلان)، ويكتشف بان القطيع الذي يقترب منه ما هو الا مجموعة كلاب وليس غزلان كما اعتقد في البداية، يدخل الخوف الى قلب الراوي الذي يخشى مهاجمة الكلاب له، وهو وحيد أعزل إلا من حجارة الأرض، خاصة وأن الكلاب أخذت تقترب منه، فيتذكر قصة تشبه ما وقع فيه ويتصرف بناء عليها، فينحني متكئا على يده ويتناول حجرا ويتقدم نحو الكلاب التي خافت بدورها وتراجعت. وفي هذه القصة رمزية شفافة تهدف الى التأكيد على أهمية الشجاعة وعدم الخوف أمام الأعداء، وأن المواجهة هي الطريق التي توصل صاحب الحق الى الحفاظ على حقه.
وأنتقل إلى قصة "شلة حرير التفت على بلانة.. روح فكها"، التي تتحدث عن آفة ضربت بلداتنا ومجتمعنا في السنوات الأخيرة وهي آفة القتل والإجرام، وذلك من خلال قصة تتحدث عن صديق للراوي من المدينة يحضر لزيارته في الوقت الذي يصادف فيه عرس في القرية، فيحضره الضيف ويبدي إعجابه بالتعاون والتكاتف بين أبناء القرية. وبعد سنوات يأتي ليطمئن على صديقه بعدما سمع عما أصاب القرية من فرقة وعنف، ويتبادل الصديقان الحديث ويعبران عن قلقهما مما آلت اليه الأحوال سواء في القرية أو المدينة، وعندما يسأله صديقه عن المخرج من هذه الحالة، يجيبه الراوي بالمثل الشعبي الذي يحمل عنوان القصة. وهذا يعبر عن الإحباط في عدم إيجاد حل لهذه الآفة للأسف.
يلاحظ أن كاتبنا أسيد عيساوي نجح في توظيف المثل الشعبي الذي استخدمه عنوانا لأكثر من قصة، فإضافة إلى ما أوردته أعلاه، هناك عناوين/ أمثال: جبت الدب على كرمنا، من يتزوج أمي هو عمي، لا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلا إذا كان منحنيا، الطمع ضر ما نفع.
أتقدم من الكاتب/ الشاعر الصديق أسيد عيساوي بأجمل التهاني بإصداره الجديد، وأتمنى له دوام الصحة والعافية ليتحفنا بإبداعاته المميزة والهادفة.
•  أسيد عيساوي، غزالة تنتظرني (قصص قصيرة) – مركز الحضارة العربية – طبعة أولى، القاهرة – يناير 2024

مقالات متعلقة