الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 10:01

حين يتحول المصلحون إلى تهديد!!

ساهر غزاوي 
نُشر: 21/11/24 20:40

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

في سياق اعتقال رجليّ الإصلاح، الشيخ صالح لطفي والحاج عدنان برغل من مدينة أم الفحم قبل أسبوع، تبرز أمامنا العديد من المقولات والنظريات التي تتناول قضية ملاحقة المصلحين والصالحين في المجتمعات، في وقت يُترك فيه الفساد والإفساد ليعيثا في الأرض بلا رادع. هذه الظاهرة ليست جديدة، بل هي جزء من سنة الله في اختبار عباده الصادقين، وهي مسألة تتكرر عبر العصور وتظهر بوضوح في العديد من الأدبيات الاجتماعية والسياسية. وفي هذا الصدد، نؤكد ما قاله محمد، نجل الشيخ صالح، حيث قال: "أمثال الشيخ صالح والحاج عدنان وغيرهم من رجال الإصلاح يستحقون وسام شرف وتقدير، لا أن تتم ملاحقتهم واعتقالهم". هذه الكلمات تسلط الضوء على المفارقة العميقة بين ما يستحقه المصلحون من تكريم وتقدير، وما يلاقونه من اضطهاد وظلم، مما يعكس التوتر الدائم بين أصحاب الحق والقوى المتنفذة التي تسعى للإبقاء على الوضع الراهن.
وتتكرر في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة إشارات إلى معاناة المصلحين في فترات الفتن، حيث يواجهون صعوبة كبيرة في إيصال رسالتهم. في كثير من الأحيان، يشعر هؤلاء المصلحون وكأنهم يمسكون بجمر من شدة الاضطهاد والملاحقة. هذا الصراع يظهر بعدًا دينيًا عميقًا في الموضوع، إذ إن التضحيات التي يقدمها المصلحون لا تقتصر على أعباء دنيوية، بل هي جزء من مهمة ربانية، ووجودهم في هذا العالم يُعد امتحانًا من الله. فالمصلح لا يسعى فقط لتغيير الواقع المادي، بل يسعى إلى تحقيق عدالة إلهية قد تتطلب منه الصبر والمثابرة في مواجهة التحديات.
عند التأمل في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، سواء قبل أو بعد البعثة، وكيف تعاملت قريش معه في كلتا الفترتين، نجد مثالًا حيًا يوضح التحول في رؤية المجتمع للأفراد الذين يكونون صالحين أو مصلحين. فقبل البعثة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعرف بين قومه بـ "الصادق الأمين"، وكان الناس يقصدونه لحل مشاكلهم. لكن عندما بدأ دعوته للإصلاح والتغيير الجذري في النظام الاجتماعي والديني، تصاعدت معارضته من قريش، وواجه حملات من التضييق والرفض.
وفي هذا السياق، يقول أحد خبراء الأبحاث التربوية: "لا غضاضة في أن يكون الشخص صالحًا، لأنه لا يُسبب الإزعاج لأحد، خاصة لأولئك الذين تقوم مصالحهم على الظلم والفساد. لكن عندما يتحول الشخص الصالح إلى مصلح يسعى إلى تغيير المجتمع، يصبح الطريق أمامه محفوفًا بالرفض والإقصاء، بل والتنكيل من القوى التي تتضرر من أعماله الإصلاحية".
من هنا تبرز مقولة نيلسون مانديلا الشهيرة: "أكثر شيء مخيف هو عندما يصمت الناس الصالحون". هذه المقولة تعكس حالة اللامبالاة التي تحدث عندما يتقاعس الأفراد الصالحون عن التصدي للفساد والظلم، مما يجعلهم عرضة للهجوم من القوى التي تستفيد من الوضع الراهن. يمكننا تفسير هذه الظاهرة في إطار "نظرية النظام الذي يتغذى على الفساد"، حيث تُعتبر الأنظمة الفاسدة في بعض الفلسفات السياسية نظمًا تعتمد على تهميش النخب الصالحة، بينما تُترك مساحة واسعة للمفسدين للاستمرار في استغلال الأوضاع.
ويعكس هذا في النهاية حقيقة أن الأنظمة الفاسدة غالبًا ما ترى في المصلحين تهديدًا حقيقيًا لاستمرارية الفساد. فالمصلحون لا يمثلون مجرد أفراد يسعون لتحسين أوضاع الناس، بل هم رموز للتغيير الذي يهدد مصالح القوى التي تعتبر التغيير تهديدا لمكانتها.
علميًا، يُعرَّف المصلح بأنه الشخص الذي يسعى إلى إصلاح المجتمع، ويعمل على توجيه الأفراد نحو الأخلاق الفاضلة والمبادئ السامية. فالمصلح لا يقتصر دوره على التعليم والتوجيه فقط، بل يتفاعل مع المظلومين، ويقف ضد الظالمين، ويسعى جاهدًا لتحقيق مصالح المجتمع في كافة جوانبه. ومع ذلك، ورغم الدور الحيوي الذي يلعبه المصلح في المجتمع، فإن طريقه لا يخلو من التحديات والصعاب. فالمصلحون في كل العصور قد عانوا من ملاحقة الظالمين والمفسدين الذين يسعون جاهدين لإخماد الحق وإخفاء النور.
وليس بعيدًا عن هذا السياق، نجد أن الحركة الإسلامية، التي توافق هذه الأيام الذكرى التاسعة لحظرها وإخراجها عن القانون الإسرائيلي، والتي لا يزال بعض من كانوا قادتها ونشطاءها يُلاحقون حتى اليوم، تشكل نموذجًا حيًا لما يصفه بعض المفكرين بـ "البطولة المعكوسة". ففي هذا النوع من الأنظمة، يُحتفى بالفاسدين والظالمين، بينما يُنظر إلى المصلحين على أنهم تهديدات أو حتى أعداء، رغم أن المصلحين كانوا هم من قدموا الخير للمجتمع.
وفي هذا السياق، نستذكر إحدى التصريحات الإعلامية للقيادي والإعلامي والكاتب عبد الحكيم مفيد رحمه الله، الذي تزامنت هذه الأيام مع ذكرى وفاته السابعة، حيث تحدث عن حظر الحركة الإسلامية قائلًا: "هذه نقطة تحول حقيقية في علاقة المؤسسة مع العرب في الداخل. المسألة ليست مجرد حظر عمل ونشاط مشروع للعرب، بل حظر مشروع كان يقدم خدمات ثقافية، مدنية، اجتماعية وغيرها للفلسطينيين في الداخل... لم تقتصر إسرائيل على حظر الحركة الإسلامية فحسب، بل فبركت خطة لتشويه صورة المشروع الذي كانت الحركة تعمل عليه لخدمة الجماهير". هذه الكلمات تسلط الضوء على البعد السياسي والاجتماعي لقرار الحظر، وكيف أن هذا الحظر لم يكن مجرد إجراء قانوني، بل كان جزءًا من استراتيجية أكبر تهدف إلى إخفاء الدور الإيجابي الذي كانت تقوم به الحركة في خدمة المجتمع الفلسطيني في الداخل.
ختامًا، فإن المصلحين في كل زمان ومكان، سواء كانوا أفرادًا أو مجموعات أو جماعات، يواجهون تحديات كبيرة، سواء كانت ملاحقة سياسية أو اجتماعية. ومع ذلك، يبقى الأمل في الإصلاح قائمًا، لأن التغيير الجذري يبدأ دومًا من أولئك الذين يتحدون المألوف ويسعون لتحقيق العدالة.

مقالات متعلقة