الأخبار العاجلة

Loading...

اليمن والحوثيون كلغز استراتيجي في صراعهم مع إسرائيل

خالد خليفة
نُشر: 31/12/24 11:34,  حُتلن: 15:31

يبدو أن الحوثيين في اليمن أصبحوا في هذه الأيام لغزًا استراتيجيًا للأمن القومي الإسرائيلي. وقد بدأت إسرائيل تستعين بالقواعد الأمريكية والبريطانية والألمانية في البحر الأحمر لردع الهجمات الصاروخية البعيدة المدى القادمة من اليمن.

لقد أثبت الحوثيون، وعلى مدى خمسة عشر شهرًا، دعمهم الكامل للفلسطينيين في غزة، حيث لم يتوقفوا قط عن ضرب العمق الإسرائيلي في الجنوب والمركز، وفي إيلات على سواحل البحر الأحمر. وقد وصلت الهجمات إلى أكثر من مئتي صاروخ بالستي وطائرة مسيّرة، أطلقت في البداية على مواقع عسكرية، ثم انتقلت إلى ضرب مواقع مدنية في المركز، وخصوصًا في مدينة تل أبيب.

وخلال تلك الفترة، لم تولِ إسرائيل الجبهة اليمنية اهتمامًا خاصًا نظرًا لاشتعال الحرب في جبهات أخرى. ولكن عندما بدأت تهدأ هذه الجبهات، بات واضحًا خطورة الجبهة اليمنية التي استفردت بضرب إسرائيل بعد استمرار الحرب على قطاع غزة ووقف إطلاق النار في جنوب لبنان.

وقد بات من الواضح أن الهجوم الحوثي اليمني بدأ يتغير؛ إذ زادت وتيرة إطلاق الصواريخ البالستية على العمق الإسرائيلي، الأمر الذي أقلق إسرائيل وسياستها. وبدأت هذه الهجمات الصاروخية والمسيرات التي تُطلق يوميًا تُشكِّل رويدًا رويدًا خطرًا أمنيًا من الدرجة الأولى على البنية المدنية والسكانية لسكان مركز البلاد. ففي كل صاروخ يُطلق، يدخل أكثر من مليوني إسرائيلي إلى داخل الملاجئ المحصنة، مما أربك السياسيين الإسرائيليين، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إسرائيل كاتس.

ولقد دفع هذا الوضع الساسة الإسرائيليين إلى البدء بالتخطيط لضرب مواقع مدنية في اليمن. وبالفعل، شنت إسرائيل حتى الآن، في أواخر ديسمبر 2024، أربع هجمات ليلية على مواقع يمنية بالطائرات العسكرية النفاثة. وقد شمل كل هجوم أكثر من 25 طائرة عسكرية من طراز F-16، إضافة إلى طائرات لتزويد الوقود بالجو من طراز؛ (بوييج707 ) ونظرًا لبعد المسافة بين إسرائيل واليمن التي تصل إلى أكثر من 2000 كيلومتر، فإن ضرب هذه الأهداف في اليمن ينطوي على مخاطر كبرى لسلاح الجو الاسرائيلي، حيث يمكن أن تُستهدف الطائرات بالصواريخ من الأراضي اليمنية، أو أن تسقط تلك الطائرات خلال عملية الهجوم الليلي. ومن هنا، يظهر الحذر الإسرائيلي.

لذا، بدأت إسرائيل تُغيِّر لهجتها وتطلب الدعم من قواعد حربية في البحر الأحمر التي تعود للولايات المتحدة وبريطانيا. وبالفعل، تم الاتفاق بين هذه الدول وإسرائيل، وقامت الولايات المتحدة وبريطانيا بشن هجوم جوي نيابة عن الدولة العبرية على القواعد اليمنية بالقرب من صنعاء، حيث أحدثوا دمارًا هائلًا. ولا يُستبعد أن تستمر هذه الهجمات بين كر وفر على المواقع المدنية، حيث استطاعت إسرائيل إقناع هذه الدول العظمى بأن اليمن يُشكِّل خطرًا على الملاحة البحرية العالمية في البحر الأحمر، وبحر العرب، وخليج عدن, ولكن هذه القوات الامريكيا في البحر الأحمر تخاطر أيضا على تواجدها حيث يمكن ان تهاجم من قبل الحوثثين .

وقد حقق الحوثيون بالفعل إنجازًا استراتيجيًا من الدرجة الأولى، حيث منعوا الملاحة بحرًا من الجانب السعودي، كما عطلوا الملاحة في قناة السويس وميناء إيلات. وهذا يُشبه ما استطاع الأوكرانيون تحقيقه في الحرب ضد روسيا، حيث شلّوا الملاحة البحرية في البحر الأسود. ويسود الاعتقاد بأن الضربة الاقتصادية لإسرائيل، السعودية، ومصر، وللعديد من الدول العظمى التي تربطها علاقات تجارية مع هذه الدول، قد تضررت بشكل كبير وقد تصل الى عشرات المليارات من الدولارات .

أما الأمر الغريب، فهو سكوت السعودية ومصر عن السيطرة الحوثية على منافذ البحر الأحمر وتعاظم قوة الحوثيين الإقليمية. لكن بعض المحللين يقولون إن هاتين الدولتين تزودان إسرائيل بقواعد للطائرات التي تقوم بضرب اليمن، حيث تخشى جميع الدول المحاذية للبحر الأحمر أن يتحول الحوثيون إلى قوة إقليمية. ولذا، تحاول إسرائيل بكل قواها منع ذلك عبر ضربات استراتيجية مكلفة وخطرة، للحد من ضربات الصواريخ البالستية اليومية التي تُطلق على تل أبيب بعد منتصف الليل من اليمن.

ويصرح الجانب اليمني علنًا بأنه لن يتوقف عن ضرب إسرائيل حتى تتوقف هي عن ضرب قطاع غزة، الأمر الذي يشكِّل معضلة قوية لإسرائيل. وهناك نظريات مؤكدة تقول إن الدعم العسكري اليمني المتواصل لغزة يُساهم في تحسين شروط الفلسطينيين في أي صفقة تفاوضية مع إسرائيل، مما يمنع الأخيرة من فرض شروطها على حركة حماس.

وإذا تركنا جانبًا قضية التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فقد بات من المؤكد أن هذه الحرب اليمنية-الإسرائيلية ستستمر بلا هوادة حتى انسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة. وتعتبر هذه الحرب استنزافًا مدمرًا لإسرائيل، لم تتوقعه رغم عملياتها العسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة وجنوب لبنان. أما اليمن، فقد بقيت بالنسبة لإسرائيل مسألة غامضة بلا حلول، وأكبر مثال أمام الرأي العام الإسرائيلي على عدم القدرة على إنهاء الحرب.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد وقع في خطأ استراتيجي مشابه عندما استطاع جيشه في مايو 2022 الوصول إلى مشارف العاصمة كييف، لكنه لم يتمكن من حسم المعركة وانسحب حتى حدوده مع أوكرانيا. وهذا السيناريو يُشبه ما تواجهه إسرائيل حاليًا، حيث بات من الصعب عليها تحقيق أهدافها الاستراتيجية في غزة وباقي الجبهات، حتى لو حققت بعضها، نظراً لاستنزاف قواها بشكل كبير.

ويُعتبر الحوثيون مقاتلين عنيدين لا يتوقفون عن الحرب إلا عند تحقيق أهدافهم، تمامًا كما حدث في حربهم مع السعودية والإمارات. فعلى الرغم من تكريس السعودية ودول الخليج موارد هائلة للحرب في اليمن، إلا أنها فشلت في تحقيق أهدافها، وانسحبت بشكل مفاجئ ومهين، ووقّعت اتفاقيات هدنه مع الجانب اليمني. وفي ضربة واحدة لمستودعات "أرامكو"، تمكنت اليمن من تدمير 40% من مخزون النفط السعودي، مما أجبر السعودية على توقيع اتفاقية تسوية.

وهذا ما يُفسر المخاوف الإقليمية من أي تحرك لدعم إسرائيل علنًا، حيث سيُتيح ذلك للجانب اليمني استمرار استهداف المواقع الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر، واستمرار الحرب مع إسرائيل حتى توقيع وقف إطلاق النار مع قطاع غزة.

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة