الأخبار العاجلة

Loading...

علمانية إقصائية وصائية!

عبد الكريم عزام
نُشر: 01/01/25 12:34

العلمانية العربية، كما تجسّدت في خطابات نخبتها الثقافية والسياسية، لم تكن في معظم الأحيان سوى امتداد لعقلية وصائية تستبدل وصاية الاستعمار (الانتداب) بوصاية ثقافية ونخبوية أخرى. هذه الوصاية، التي اتسمت بالاستعلاء واحتكار الحقيقة، كانت دائمًا تُخفي خلف شعاراتها الكبرى مشروعًا لإحكام السيطرة على المجتمعات والأفكار، لا لتحريرها أو تعزيز قدرتها على تحقيق العدالة والمساواة.

النخب العلمانية العربية قدمت نفسها كوصيّة على المجتمع، مدعية الحرص على حقوق المرأة، والمجتمع، والثقافة، لكنها في الواقع سعت لفرض رؤيتها الأحادية على الجميع، متجاهلة إرادة الشعوب وهويتها الحقيقية. في كل مرة، تصدّرت هذه النخب المشهد بخطاب فوقي يعامل الناس كقاصرين، يحتاجون إلى “إرشادهم” نحو الصواب، بينما تخلّت عن التضحيات الحقيقية المطلوبة في لحظات التحول التاريخي والأزمات الكبرى.

في السياق السوري، يظهر هذا التناقض بوضوح. فهذه النخب التي تدّعي دعم حقوق الإنسان والحريات لم تكن في معظمها سوى شريك صامت أو مبرر لانتهاكات النظام القديم. لسنوات، استفادت هذه النخب من الاستقرار الظاهري الذي وفره النظام، مفضلة الصمت أمام القمع والتدمير الممنهج الذي عانى منه الشعب السوري. وعندما انفجرت الثورة السورية، اتخذت هذه النخب موقفًا متناقضًا؛ بدلاً من دعم تطلعات الشعب، وجهت سهام نقدها للنظام الجديد الناشئ من رحم الثورة، ليس لأن هذا النظام لم يحقق تطلعات الشعوب، بل لأنه يهدد وصايتها ومواقعها في المشهد السياسي والثقافي.

هذه الوصاية الفكرية والثقافية لا تختلف كثيرًا عن الوصاية الاستعمارية التي تنكر قدرة الشعوب على تقرير مصيرها. العلمانية العربية، في كثير من الأحيان، لم تكن مشروعًا لتحرير الإنسان، بل كانت أداة لإعادة إنتاج الهيمنة بأقنعة جديدة. شعارات “التنوير” و”التحضر” التي رددتها هذه النخب كثيرًا كانت، في جوهرها، أدوات لإقصاء من يختلف معهم فكريًا وثقافيًا، وليس وسيلة لتعزيز التنوع والعدالة.

لقد كشفت الثورة السورية عن الوجه الحقيقي لهذه النخب التي لم تقف يومًا إلى جانب الشعب، بل انحازت إلى مصالحها وامتيازاتها. هم الذين ينتقدون النظام الجديد ويتحدثون عن فشله، لم يقدموا يومًا تضحيات حقيقية، ولم يتقدموا الصفوف في معركة الكرامة والحرية. الحرص الذي يدّعونه كان دائمًا حريصًا فقط على مواقعهم ومكاسبهم، لا على آمال الشعوب وأحلامها.

إذا كانت العلمانية العربية تريد أن تتحرر من إرثها الوصائي وتصبح مشروعًا حقيقيًا للتغيير، فعليها أن تبدأ بتفكيك خطابها الاستعلائي والنخبوي، وأن تتبنى نهجًا يقوم على الشراكة مع الشعوب، لا الوصاية عليها. عليها أن تدرك أن التحرر الحقيقي لا يُفرض من الأعلى، بل يُبنى مع الشعوب، من خلال الاعتراف بإرادتها، واحترام هويتها، والعمل على تحقيق العدالة والكرامة للجميع.

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة