الأخبار العاجلة
رحل عن عالمنا في السابع والعشرين من شباط الماضي في لندن الدكتور نبيل الجعبري، رئيس جامعة الخليل وأحد أعلام الفكر والتعليم العالي في فلسطين، بعد حياة حافلة بالعطاء والعمل الأكاديمي والوطني. ترك الدكتور الجعبري بصمة خالدة على التعليم الأكاديمي الفلسطيني، خاصة من خلال قيادته الحكيمة وتطويره المتواصل لجامعة الخليل التي تحوّلت في عهده إلى صرح علمي متكامل ينافس أرقى الجامعات في المنطقة.
ولد الدكتور الجعبري في مدينة الخليل، وسط عائلة وطنية معروفة، وتلقى تعليمه الجامعي في الخارج حيث حصل على شهادة الدكتوراه في أحد التخصصات العلمية، قبل أن يعود إلى الوطن مسلحاً بالعلم والرؤية لبناء مؤسسات وطنية راسخة. شغل خلال مسيرته مناصب أكاديمية وإدارية متعددة، لكنه كان يعتبر جامعة الخليل مشروع عمره.
عرفت الدكتور نبيل الجعبري في أوائل التسعينيات، حين كنت أزوره باستمرار في مكتبه المتواضع في القدس، حيث كان يستقبلني دائمًا بابتسامته الهادئة ونقاشه العميق حول سبل النهوض بالتعليم الفلسطيني. كان رجلاً يجمع بين الحلم والواقعية، بين الإيمان بالهوية الوطنية والانفتاح على العالم. لم تكن أحاديثه يومًا عن الألقاب أو المناصب، بل عن بناء الإنسان الفلسطيني من خلال المعرفة.
ومن خلال محادثاتي واجتماعاتي معه اقترحت عليه تطوير العلاقات الدولية لجامعة الخليل وعلى الرغم من انه كان يعالج التفاصيل الأكاديمي العينية للجامعة الا انه اعجب بفكرة تطوير العلاقات الدولية لمؤسسة الجامعة وقد بادرنا بالفعل مباشرة بدعوة السفراء والملحقين الثقافيين الأجانب للاطلاع على نشاطات الجامعة حيث كنا نتجمع في القدس أولا ثم نتجه بعدها الى مباني الجامعة وهناك نجتمع برؤساء الأقسام المختلفة ومازالت أتذكر زيارة سفراء كلا من كزاخستان اوزباكستان فيتنام ومندوبي الاتحاد الاوروبي وطاقم سفارة ساحل العاج في افريقيا والذين دعوه لزيارة الدولة ومقابلة رئيس الجمهورية في العاصمة ابيجان بهدف التعاون مع جامعة الخليل ولكن الحرب الاهلية التي نشبت آنذاك في ساحل العاج منعت الدكتور نبيل زيارة هذه الدولة في عام 1999
من أبرز طموحات الدكتور الجعبري التي شاركني بها آنذاك، كان تطوير أقسام جامعة الخليل لتكون في طليعة المؤسسات الأكاديمية في فلسطين. كان يحمل شغفاً خاصاً تجاه كلية الطب، حيث سعى لتأسيسها على أعلى المستويات الأكاديمية، إيمانًا منه بأن القطاع الصحي هو أساس صمود المجتمع الفلسطيني. كما أولى اهتمامًا كبيرًا بـ كلية الصحافة والإعلام، إدراكًا لأهمية الكلمة والصورة في معركة الوعي والرأي العام.
لم يكن تطوير الجامعة مجرد خطط ورقية بالنسبة له، بل كان يضع جهده الشخصي في تأمين الدعم، وبناء الشراكات الأكاديمية، وجلب الكفاءات، وتوفير بيئة تعليمية حقيقية. كان يقول لي دومًا: "الجامعة ليست مباني فقط، بل رؤية ورسالة ومجتمع أكاديمي ينهض بالوطن."
عرف عن الدكتور الجعبري تواضعه الشديد، وصدقه في العمل، ووفاءه لطلابه وزملائه. كان يؤمن أن التعليم هو جسر العبور نحو الحرية والكرامة، ولم يتوانَ يومًا عن مد يد العون لأي طالب أو أكاديمي جاد. ترك وراءه إرثًا من الإنجازات والاف الخريجين الذين يواصلون المسيرة في شتى أنحاء العالم.
برحيل الدكتور نبيل الجعبري، تخسر فلسطين قامة تربوية ووطنية فذة، لكنها تحتفظ بإرثه العظيم في جدران جامعة الخليل، وفي قلوب من عرفوه وأحبوه. وإني لأفتخر بصداقتي به، وبالأحاديث العميقة التي جمعتنا، وبروحه التي ستبقى تنبض في كل ركن من أركان تلك الجامعة التي أحبها حد الشغف.
رحمك الله يا أبا طلال، وألهمنا بعضًا من حكمتك وصدقك في خدمة هذا الوطن الجريح
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency