الأخبار العاجلة
في مقابلة إعلامية، سُئل القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، الشهيد عصام العريان، عن سبب الخوف المستمر من الإخوان في حال وصولهم إلى الحكم، ولماذا يُصوّرون دائمًا كـ "وحش مفترس". أجاب العريان بأن الجماعة سعت تاريخيًا لتحقيق الاستقلال الحقيقي، الذي يعني تحرير الوطن من جميع أشكال الهيمنة الأجنبية. ويستحضرنا في السياق كلمات الرئيس الشهيد محمد مرسي، التي دعا فيها إلى ضرورة أن تمتلك مصر إرادتها من خلال إنتاج غذائها ودوائها وسلاحها لضمان الاستقرار والتنمية. وأضاف العريان أن الشعوب العربية قد عانت لعقود من الاستعمار، وعندما قرر هذا الاستعمار الانسحاب، سلّم مقاليد الحكم لنخب محلية موالية له، تؤدي دورًا وظيفيًا لصالحه. وفي رد على سؤال حول تهديد الأنظمة بالإخوان، أكد العريان أن هذا التهديد هو مؤشر على أن الشعوب تبحث عن بدائل حقيقية لتلك الأنظمة، وأن تصوير الإخوان كـ "وحش" هو مجرد وهم تروج له الأنظمة الاستبدادية لتبرير قمعها.
في هذا السياق، تُستخدم "فزّاعة الإخوان المسلمين" بشكل متزايد لتخويف المجتمع الدولي، خصوصًا الغرب، من أي بديل سياسي قادم. أبرز مثال على ذلك هو ما فعله نظام بشار الأسد منذ بداية الاحتجاجات في سوريا عام 2011، حيث لجأ الخطاب الرسمي والإعلامي إلى تصوير البديل عن النظام على أنه الفوضى والتطرف و"الإرهاب الإسلامي"، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين. ورغم أن الجماعة لم تكن الفاعل الرئيسي مقارنة بالفصائل الأخرى، فإن النظام ضخم دورها لتقديمها للغرب كـ "الخطر الإسلامي المعتدل" الذي يجب الحذر منه، مدعيًا أنه "الحصن الأخير" ضد الإسلاميين لترسيخ شرعيته.
بناءً على ذلك، يمكن فهم عداء الأنظمة العربية وغير العربية لجماعة الإخوان المسلمين كنتيجة لعوامل متعددة تتداخل في سياقات سياسية مختلفة، لكنها تلتقي عند نقاط رئيسية. في مقدمتها الصراع على الشرعية والسلطة، حيث تمثل الجماعة قوة منظمة وقاعدة شعبية تهدد استقرار الأنظمة القائمة، خاصة في ظل بنيتها العابرة للحدود ومرجعيتها الإسلامية التي تتناقض مع الشرعيات القومية أو السلطوية أو العشائرية. ويزيد هذا العداء تحالف الإقليم والدول الغربية المناهض لـ "الإسلام السياسي"، إضافة إلى قلق الأنظمة من دعوات الجماعة للإصلاح والعدالة الاجتماعية في بيئات تعاني من القمع والفساد.
كما تُعتبر الجماعة فاعلًا سياسيًا يتبنى خطابًا مقاومًا للاستعمار، خاصة من خلال دعم حركات التحرر، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وقد وضعها هذا الموقف في تناقض مع أنظمة تؤدي دورًا وظيفيًا في خدمة مشاريع الهيمنة الغربية أو تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ولذلك، العداء للإخوان ليس مجرد خصومة سياسية أو أيديولوجية، بل صراع وجودي، ما يجعل أي تسامح مع الجماعة لا يتجاوز كونه تكتيكًا مؤقتًا يختفي عند أول فرصة.
وانطلاقًا من هذا الفهم، يمكن تفسير قلق بعض الأنظمة العربية من انتصار حركة حماس، ليس فقط باعتباره تحديًا لإسرائيل، بل كرمز لانتصار جماعة الإخوان المسلمين. ورغم إعلان حماس في وثيقة المبادئ والسياسات العامة (2017) إنهاء ارتباطها التنظيمي بالجماعة، إلا أنها ما تزال تُرى كامتداد فكري وسياسي لها. وهي بتجربتها التي تمزج بين المقاومة والحوكمة، تقدم نموذجًا قد يُلهم حركات إسلامية أخرى ويعيد تحريك مطالب التغيير في الداخل العربي. هذا القلق يتعاظم في ظل تحالفات إقليمية معادية للإخوان، حيث يُنظر إلى أي دعم لحماس كدعم غير مباشر للجماعة. وتجد هذه الأنظمة نفسها في مأزق بين تعاطف شعوبها مع غزة، ورفضها الأيديولوجي لحماس، فتتبنى خطابًا مزدوجًا؛ احتواء الغضب الشعبي دون منح الحركة أي شرعية سياسية. وباختصار، تخشى الأنظمة السلطوية من انتصار حماس ليس فقط لأنه يحرج إسرائيل، بل لأنه يهدد توازناتها الداخلية ويقوّض سردياتها الإقصائية.
على مدار سنوات، أظهرت التجربة في عدة بلدان عربية أن اندماج الحركات الإسلامية، خصوصًا جماعة الإخوان المسلمين، في الحياة البرلمانية لم يكن مجديًا. فلم يحقق التأثير المطلوب في السياسات العامة أو دفعًا حقيقيًا نحو التغيير والتحرر من التبعية. فقد تبين أن هذا المسار لم يكن سوى هدر للوقت في أنظمة مغلقة لا تسمح بأي تأثير فعلي. واللافت أن موجات القمع تتصاعد بعد نجاحات هذه الحركات في الانتخابات أو اكتسابها شعبية، كما شهدت التجربة في مصر والأردن وتونس، حيث تم الرد غالبًا بالإقصاء والتضييق.
بناءً على ذلك، يكشف الواقع أن بقاء الحركات الإسلامية أسيرة الأطر الرسمية والرهانات البرلمانية في أنظمة استبدادية لا يؤدي إلا إلى المزيد من الإقصاء والتهميش. فالمواجهة مع هذه الحركات لا تُبنى على برامجها أو أدائها، بل على طبيعة خطابها وهويتها. من هنا، تظهر الحاجة لمراجعة نقدية جادة للمسارات السابقة، بهدف استعادة هذه الحركات بوصلتها التحررية وإعادة تعريف أولوياتها بعيدًا عن إغراءات الشرعية الشكلية أو التكيف مع أنظمة لا تؤمن بالتعددية.
وفي ضوء ما سبق، تُعد حركة الإخوان المسلمين من أبرز الحركات الإسلامية من حيث المنهج والفكر، وأكثرها اعتدالًا ويسرًا. ومع ذلك، لا بد من مراجعة فكرية وتنظيمية تواكب التحولات المتسارعة وتحدد المسارات الأمثل لتحقيق الأهداف التي تبنتها الجماعة منذ نشأتها. فوفقًا لأدبيات الإخوان، التنظيم ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لخدمة مشروع حضاري مقاوم، ما يستدعي التفكير المستمر في مدى فاعلية الوسائل وتجددها بما يضمن انسجامها مع الهدف الأسمى: إقامة مجتمع إسلامي عادل، يُقاوم الاستعمار والاستبداد، ويستند إلى مرجعية الشريعة، ويحقق الكرامة والحرية والعدالة لجميع أفراده.
وإزاء ما راكمته التجربة من إخفاقات وتحديات، فإن المهمة الملحة أمام الحركات الإسلامية اليوم هي الانتقال من الانشغال بشرعية الحضور داخل أنظمة مغلقة، إلى بلورة مشروع تحرري متكامل يربط بين مقاومة الاستبداد ومواجهة الاستعمار، ويعيد بناء العلاقة مع المجتمعات على أسس من العدالة والمشاركة والكرامة.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency