الأخبار العاجلة
التواصل اللانهائي أو الاستغراق المتواصل شبه القسري، أو الإسراف والافراط في تصفّح الشابكة (انترنت) والادمان على الانخراط اللاواعي في وسائل التواصل الاجتماعي يعرّف حاليًا باسم (التمرير المدمر) Doomscrolling وهو بوضوح أو بتعريفه الشائع: تواصل التصفّح أوالتمرير للاخبار الواردة بالشابكة (الانترنت) حيث لا تستطيع التوقف عن عادة "التمرير" المتواصل على هاتفك الذكي أو غيره، أومداومة تصفّح الأخبار والغرق فيها. وهذا الفعل ليس له هدف حقيقي مفيد، ويبدو أنه لا ينتهي أبدًا، وغالبًا ما يكون التعامل ضمنه مع أخبار سيئة أوسلبية أومقلقة أوتافهة رغبوية بلا تحديد زمني للتصفح.
هذا الوضع يرجع لتلك الصيغ الرقمية الخفيّة (الخوارزميات) التي تستخدمها المنصّات الالكترونية فتُلقي علينا بأشياء مخيفة أوسلبية للغاية، أو رغبوية أو تافهة تخاطب الشهوات أوالأحلام والآمال حيث أن هذا ما يُبقينا مُدمنين عليها. والأمرهنا لا يقتصر على الشعور بالإحباط للحظة وتنتهي؛ أبدًا، ف"التمرير المدمّر" إدمان خطير يُؤثر على العقل والدماغ والقلب بمرور الوقت.
إن "التمرير المدمر" لصفحات الشابكة (انترنت) فعلًا يستحق أن يسمى أيضًا "ركوب الأمواج المميتة" وهو ما يؤدي لما يسمى "تعفّن الدماغ" Brain rot وهي اللفظة المستخدمة حديثًا منذ العام 2023-2024م لتعني حسب قاموس أوكسفورد:"التدهور المعرفي المفترض في الحالة النفسية أوالفكرية للشخص، بما في ذلك تدهورالانتباه والذاكرة و المزاج، والذي يُنظر إليه في المقام الأول كنتيجة للإفراط في استهلاك المواد (خاصةً المحتوى الإلكتروني المباشر online) التي تُعتبر تافهة أوغير مُلهمة/مثيرة للتحدي. كما أنها تُوصف بأنها شيء يُحتمل أن يؤدي إلى هذا التدهور."
في الحالة العربية و الفلسطينية (حيث المصائب والكوارث والحزن والأحداث لا تتوقف خاصة السيئة منها) فإن عملية "التمرير المدمر" أو التصفح المتواصل بالشابكة (انترنت)، للأخبار أوالمنشورات القاهرة أو القاتلة للجسد والعقل والروح أصبحت مستشرية مما تراه من منشورات وتعليقات على كافة وسائط التواصل الاجتماعي سواء كان المنشور صورة أو خبرًا او مقطعًا مرئيًا، وخاصة في تطبيقات شركات (واتساب، انستغرام، فيسبوك، إكس، تكتك...الخ) الرأسمالية الغربية بغالبها، وهي التي بخوارزمياتها تُجبرك على المتابعة حتى تفقد الاحساس بالوقت فيضيع وقتك! وتلتهمك المواد التافهة جدًا والمتتابعة بنزق، إنها تنهش دماغك بلا قدرة منك على التوقف ظانًا أنك تتابع الأخبار-الهامة؟ وفي الحقيقة تلتهمك الأخباروالمنشورات السيئة، والتافهة أو الرغبوية وتدخلك في بحر لجيّ من السيء الى الأسوأ، فتفقد انتباهك وتركيزك وحُسن تنظيمك لوقتك كما تفقد حُسن إدارتك لوعيك وومعارفك وثقافتك فتنجرف بعيدًا متسببًا بتدمير صحتك العقلية والنفسية.
تقول المتخصصة "د.سوزان ب. تراخمان" أن إحدى الدراسات المنشورة عام 2023 ربطت (التمرير المدمر) Doomscrolling بتدهور الصحة العقلية، وانخفاض الرضا العام عن الحياة، وتزايد الأفكار والمشاعر السلبية ، وتفاقم الاكتئاب والقلق الموجودين مسبقًا، كما أن الوقت الذي تقضيه في "التمرير المدمر" يمكن أن يجعلك سريع الانفعال، ومتعبًا، كما يجعلك أقل إنتاجية في العمل أو المدرسة. ويسبب أيضًا ضمن دراسات أخرى تسارعًا في التفكير، وإرهاقًا عامًا، وحالة بغيضة من عدم اليقين، ومزيد من القلق، أو الضيق. وهذه المشاعر كلها قد تسلبك نومك أوشهيتك أو دافعك أو رغبتك في القيام بالأشياء التي تستمتع بها عادةً، بل وقد تسبب لك نوبات هلع وهو بنتيجته يحقق "تعفن الدماغ".
في بحث أحد الأساتذة الدارسين سجّل المشاركون بالبحث الذين واجهوا صعوبة في فصل أنفسهم عن الأخبار السلبية التي قرأوها بنهم، درجات عالية بالمقياس في خمسة أبعاد إشكالية: هي الانغماس بالمحتوى والانشغال بأفكاره، وبالتالي انتابهم القلق الذي حاولوا التخلص منه بمتابعة المزيد! وهذا أدى لتداخله مع حياتهم اليومية، ما أدى لمشاكل نفسية وجسدية كبيرة.
يقول علماء النفس يُعدّ "التمرير المدمر" حلقة تغذية راجعة خبيثة، ويمكن أن يؤثر على توصيلات دماغك من خلال إنشاء مسارات عصبية جديدة بالدماغ ناتجة عن السلوك المتكرر. وبهذه الطريقة، يُمكن للتمرير المدمر أن يُهيئ دماغك لتوقع الأخبار السلبية واكتشافها، مما يُرسّخ هذه الحلقة."
وقد وجد الباحثون –حسب إحدى الدراسات-انخفاضًا ملحوظًا في المادة الرمادية في مناطق دماغية متعددة لدى الأشخاص الذين يمارسون "التمرير المدمّر" على وسائط التواصل الاجتماعي مقارنةً بمجموعة الضبط بالتجربة/الدراسة، وللعلم فإن المادة الرمادية هي المسؤولة بالدماغ عن الوظائف الحركية، والإدراك الحسي مثل الرؤية، والسمع، واللمس، وأيضًا مسؤولة عن الذاكرة، والعواطف بل والكلام، واتخاذ القرار وضبط النفس، وأيضًا ضبط الجهاز العصبي اللاإرادي، فتصور ماذا يعني انخفاض هذه المادة بالدماغ!
تقول الكاتبة "د.إيفا ستركمان" أن من الأمور التي قد تؤدي إلى ممارسة عادة "التمرير المدمّر" على الشابكة (الانترنت) الأسباب التالية
• أنك تشعر بالضيق حيال خبر ما، فتبحث عن معلومات تُؤكد مشاعرك، وقد تُخاطر بتجاهل أو استبعاد معلومات مهمة لا تُؤكد مشاعرك.
• أثناء بحثك عن أخبار إيجابية أو مُبهجة، تجد نفسك مُحاصرًا في بحر من القصص السلبية.
• تحاول مُتابعة الأخبار باستمرار لدرجة أن عقلك يُصبح آليًا، فتبدأ بالتصفح و"التمرير" بدافع العادة، وتواصل بنهم.
• تشعر بالإحباط، فتقضي وقتًا أطول على الشابكة (الإنترنت) من المُعتاد في محاولة لتحسين مزاجك، وفي الواقع، قد يُفاقم هذا شعورك السلبي على المدى الطويل.
عموما مما سبق تدرك حجم الخطورة لعادة "التمرير المدمر" والمسببة لحالة "عفن الدماغ" حيث استهلاك التافه والبائس والسلبي، ومن هنا نصح علماء النفس بالتالي:
1. إلغاء متابعة أو كتم الحسابات (أو المجموعات على واتساب، فيسبوك...الخ) التي تنشر لك أخبارًا سلبية أو تافهة أو رغبوية، أومشتتة غير مفيدة.
2. حدّد الزمن واضبط ساعتك لتحديد مدة بقائك على الشابكة (الإنترنت) يوميًا.
3. ركز أكثر على الأنشطة الصحية الجسدية أو الفكرية مثل ممارسة الرياضة، واليقظة الذهنية والتأمل والصلاة والقراءة والكتابة والهوايات، وأيضًا الخروج إلى الطبيعة، أو مع الأصدقاء، والعائلة، وكذلك ممارسة أعمال تطوعية تنظيمية أو خيرية لفائدة الناس.
4. كن انتقائيًا في تخيّرك لمصادر الحصول على الأخبارأو المعلومات.
5. عدّل موجزاتك الإخبارية لعرض محتويات أكثر إيجابية، بأن تكون مثلًا تعليمية أومُلهة إبداعية، أو ثقافية مفيدة أو تتضمن حثًا على التفكير والعطاء.
6.خصّص وقتًا خاليًا من الشاشات على مدار اليوم، والأسبوع، وابتعد عن الهاتف النقال والالكترونيات قبل النوم بساعة على الأقل.
7. تصفح ببطء حيث أن التصفح (الطياري السريع) للأخبار، أو صفحات التواصل الاجتماعي لن يفيدك، بل يضرك حيث يُضعف انتباهك ويدمر تركيزك ثم دماغك ككل مسببًا التدهور المعرفي و"تعفن الدماغ".
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency