الانقلاب يبدأ في المعارضة الاسرائيلية واجواء الانتخابات بدأت تسيطر على المشهد السياسي

امير مخول
نُشر: 09/06/25 15:39

بخلاف تعنّته السابق اعلن رئيس المعسكر الرسمي بيني غانتس عن قبوله باجراء انتخابات تمهيدية تشمل رئاسة الحزب. لم يحدد غانتس الموعد مؤكدا انه سيكون في الاشهر القريبة ويشمل فتح باب العضوية للحزب.وفقا للاستطلاعات فإن حزبي المعسكر الرسمي (غانتس) ويوجد مستقبل (لبيد) يتراجعان جوهريا في شعبية كل منهما ويصبح الحزبان ضمن الاحزاب الصغيرة وغير الحاسمة.لا يزال من المستبعد ان تتوفر يوم الاربعاء 11حزيران/يونيو اغلبية برلمانية لاسقاط الحكومة وحل الكنيست، الا ان اجواء الانتخابات بدأت تسيطر على المشهد السياسي الاسرائيلي.

قراءة:

مع الحديث عن الانتخابات للكنيست الاسرائيلي، بدأت محاولات جس نبض لاصطفافات جديدة قد تغير الخارطة السياسية القائمة بشكل كبير. فيما تشير الاستطلاعات الى تراجع قوة كتلة احزاب الائتلاف الحاكم الى نحو 49 نائبا من أصل 120، مقابل 61 لكتلة المعارضة الحالية ونحو 10 نواب للاحزاب العربية.

يسود الاعتقاد بأن هذه الفجوة بين كتلة المعارضة وكتلة الائتلاف الحالي هي حاسمة بما فيه الكفاية ومفادها نهاية حكم نتنياهو، الا ان الامر ليس كذلك. يسعى نتنياهو، والذي يطمح بمواصلة رئاسة الحكومة، الى ضمان كتلة مؤيدة من 50 نائبا وما فوق.إنه يراهن على الذهنية السائدة وحصريا منذ السابع من تشرين/اكتوبر 2023، والحازمة بصدد عدم شرعية اية حكومة اسرائيلية تعتمد على حزب او الكثر من الاحزاب العربية حتى ولو من باب ما يطلق عليه "الكتلة المانعة" اي الدعم من خارج الانضواء في الائتلاف الحاكم. وفقا لهذا الموقف الذي يشهد شبه اجماع صهيوني بما فيه موقف رئيس المعارضة لبيد، فإن حصول كتلة اقصى اليمين على خمسين نائبا يعني ان المعارضة الحالية لن تملك القدرة على تركيب ائتلاف جديد يدفع نتنياهو الى المعارضة وانهاء حياته السياسية. بل ان حكومته ستكون حكومة تصريف اعمال حتى وان جرت انتخابات اخرى في حال انقضاء المهلة الزمنية لتشكيل ائتلاف حاكم. وقد حصل مثل هذا الامر ما بين السنوات ما بين السنوات 2019 و2020. في المقابل يرى نتنياهو ان الفرصة لم تفته بعد، وانه لا تزال احتمالات لتجاوز حزب الصهيونية الدينية (سموتريتش) نسبة الحسم او لخلق اصطفاف حزبي جديد يضمن ذلك حتى ولو على حساب رئاسة سموتريتش لحزبه، كما ان نتنياهو ينوي اقامة حزب وظيفي يميني الى جانب الليكود يستقطب شخصيات يمينية ذات بعد أمني وعقائدي، وذلك كي يضمن تعويق انزياح اوساط من كتلة اليمين لصالح نفتالي بنيت والذي بات حاليا المنافس الاقوى لنتنياهو يوتفوق عليه بالملاءمة لرئاسة الحكومة ويضاهي الليكود في عدد النواب.

حاليا تبدو احتمالات تجاوز حكومة نتنياهو لحجب الثقة معقولة رغم ان كل الاحتمالات واردة. لقد نجح نتنياهو ومعه رئيس حزب شاس الحريدي لليهود من اصول مغاربية وشرقية بإحداث تصدع في كتلة الاحزاب الحريدية، سواء التوتر بين توجه المرجعيات الدينية وبين الكتلة البرلمانية، ام بين حزب شاس وحزب يهود التوراة المركب من حزبين حريديين من اليهود الاشكناز (من اصول شرق اوروبية) وهما حزب ديغل (علَم) التوراة وحزب أغودات يسرائيل، وهذا الاخير ممثل حاليا بثلاثة مقاعد في الكنيست وتنبيء له الاستطلاعات مضاعفة قوته الى سبعة نظرا لموقفه الصارم من رفض تجنيد الحريديم للجيش ورفض فرض اية عقوبات على من يتم استدعاؤه ويرفض الامتثال للخدمة. فيما ان هذا التيار يقف في خط المواجهة مع تيار الصهيونية الدينية الذي يشكل تهديدا سياسيا وجوديا عليه، كما انه يتعارض معه في مسألة "الحرب المفتوحة والابدية"، كما يتعارض معه بصدد عقيدة "فداء الاسرى" ودعمه لصفقة تبادل شاملة. بالاضافة فإن تيار اغودات يسرائيل يشهد تحولا نحو عدم الرهان على التحالف مع الليكود والذي بدأ منذ العام 1977 فيما يعرف بالانقلاب الكبير وتحول الليكود الى الحزب الحاكم وتراجع حزب العمل.

في حال لم ينجح مشروع قانون حجب الثقة عن الكنيست، فإن اجواء الانتخابات بدأت تسيطر ويبدو من المحتمل ان يتم التوافق قريبا على موعد لانتخابت الكنيست يريده نتنياهو حسب تقديراته ليكون الافضل لليكود. كل ذلك اذا لم يقرر نتنياهو المغامرة في تأجيل اجراء الانتخابات لما بعد 2026 بذريعة الحرب. يشهد على ذلك الخطاب اليميني الذي يتعامل مع الانتخابات في زمن الحرب باعتبارها خطوة غير شرعية او كما وصفها سموتريتش تعني "التخلي عن الانتصار" في غزة والحرب متعددة الجبهات.

ارتفعت بشكل ملحوظ شعبية حزب الدمقراطيين برئاسة الجنرال يائير غولان. يشكل الحزب دمجا بين حزبي العمل وكتلته من اربعة نواب، وحزب ميرتس الذي اخفق في الانتخابات السابقة ولم يتجاوز نسبة الحسم. تصل حاليا احتماليته وفقا للاستطلاعات بالفوز بنحو 14 مقعدا والمنحى هو الارتفاع. تعزو معظم التحليلات الاسرائيلية هذا الارتفاع الى شخصية رئيس الحزب، وجرأته على تحدي الاجماع السائد ومساعيه لطرح بديل سياسي أمني لنتنياهو بما فيها بالشأن الفلسطيني، وعدم الانضواء تحت شعارات رفض الانقلاب القضائي والدفاع عن النزعات اللبرالية الصهيونية.

يكشف ارتفاع شعبية حزب الدمقراطيين حجم التقهقر في حزبي المعارضة الاساسيين بقيادة كل من غانتس ولبيد. يبدو ان لبيد هو الخاسر الاكبر اذ يتحول حزبه الى حد ما الى حزب هامشي وليس حزبا ينافس على السلطة. بل ترى المحللة الاعلامية ايريس لعئيل في هارتس 8/حزيران بأن لبيد قد انهى مسيرته السياسية، وكذلك الامر بالنسبة الى غانتس. تعزو الاعلامية هذا التحول الى انضواء كل منهما تحت شعار نتنياهو الفارغ من المضمون "معا ننتصر"، بالاضافة الى "الاسناد الذي قدماه لنتنياهو في ادارته للحكم وللحرب، مقابل القناعة بأنها حرب تدميرية ومعدومة الاهداف"، كما تتهم لبيد بأن عداءه للمتدينين الحرديم وبأنه في المظاهرات ضد الانقلاب القضائي والتي سبقت الحرب انما هرب من جدول الاعمال الحقيقي، في اشارة منها الى استعدائه لشعارات تحمل صور اطفال غزة وضد الاحتلال. الا ان تزايد قوة يائير غولان تثبت وفقا لها العكس، بأنه فقط من خلال مشروع سياسي بديل ممكن تغيير حكومة نتنياهو.

موافقة غانتس على اجراء انتخابات تمهيدية ولاول مرة في حزبه هو قرار اضطراري وذلك نظرا لاحتمالية انسحاب اعضاء مركزيين من حزبه والانضمام الى حزب بقيادة نفتالي بينيت. ثم ان احتمالية تنافس رئيس الاركان السابق غادي ايزنكوت على رئاسة الحزب، ان تعيد الحيوية الى هذا الحزب. يحظى ايزنكوت بشعبية واسعة اكثر من غانتس، ومن خارج الاوساط التقليدية التي تؤيد حزب المعسكر الرسمي. الا انه يأتي بمشروع لتوحيد المعارضة وحصريا المركز السياسي بما فيه مع لبيد حتى ولو كان التحالف برئاسة لبيد، مع التنويه بأن معظم الاستطلاعات تمنح ايزنكوت شعبية اوسع من لبيد وكذلك صدقية سياسية وكونه مقبولا على تيارات استبعدها لبيد وحصريا المتدينين الحريديم.

يبقى المتغير الاكثر أثرا لغاية الان هو دخول نفتالي بينيت المعترك السياسي سعيا لرئاسة الحكومة، وهو المقبول امريكيا من باب العودة الى "ادارة الصراع وتقليصه" بدلا من الحرب المفتوحة والحسم، وهو الذي يشق الى حد ما كتلة مصوتي اليمين بشكل يكفي لاستبعاد نتنياهو وحلفائه عن السلطة بتوفير اغلبية بنحو 65 عضو كنيست مقابل 45 للائتلاف الحاكم حاليا، وهي اغلبية ثابتة وحاسمة وفقا للاستطلاعات على مدار اسابيع كثيرة.

تشكل الاحزاب العربية كتلة ثابتة ايضا بعشرة مقاعد، بينما هذا التقدير في الاستطلاعات مبنى على الخارطة السياسية العربية كما خاضت انتخابات 2022 والانقسامات التي رافقتها وادت الى اهدار نحو مائتي ألف صوت. حاليا المسعى المبني على مبادرات حوارية بين الاحزاب هو اعادة تشكيل القائمة المشتركة لكل الاحزاب العربية وتوسيعها من خلال انضمام اجتهادات واحزاب جديدة. هناك خلاف جوهري حول اذا ما كانت قائمة انتخابية سياسية ملزمة بمشروع سياسي مشترك وبموقف موحد من اي ائتلاف حاكم، ام قائمة انتخابية فنية يشكل كل حزب من مركباتها كتلته من ضمن المنتخبين للكنيست، ويحدد سياساته بشكل مستقل عن الاخرين. الاحتمال الاخر هو التوافق على قائمتين تتعاونان في السعي لرفع نسبة التصويت وتعقدان اتفاق فائض اصوات لضمان اوسع تمثيل. في حال قائمة مشتركة موسعة من المحتمل ان تحصل على ما بين 15-17 مقعدا في الكنيست، مما يجعلها كتلة مؤثرة على السياسات وعلى الاصطفافات والقاسم المشترك فيما بينها هو اسقاط حكومة نتنياهو سموتريتش بن غفير وادخال المساعدات الانسانية وقف الحرب على غزة والاعمار والتصدي لمنظومة الجريمة وللدفع نحو انهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية، كذلك للسعي للتخلص من تداعيات الحرب القمعية المدمرة على وجود المجتمع العربي الفلسطيني مواطني اسرائيل. ان هذه القوة وبقدر ما تهدد بقاء اقصى اليمين في الحكم ستشهد مساع لنزع شرعيتها وشطب قوائمها وحظر مؤسساتها.

للخلاصة:

سواء سقطت حكومة نتنياهو في الايام المقبلة ام تجاوزت مشروع قانون نزع الثقة، الا ان اجواء الانتخابات الاسرائيلية باتت تتصدر جدول الاعمال السياسي.فرص التغيير السياسي قائمة الا انها بعيدة عن ان تكون محسومة.الاحتمالية لاسقاط حكومة نتنياهو وحلفائه واردة بقدر ما يتم اجراء تغييرات جوهرية في المعارضة الاسرائيلية على مستوى الشخوص والبرامج والنهج.تثبت تجربة المعارضة وتقهقرها، بأن الطريق لاسقاط حكومة نتنياهو يمر من خلال توفير بديل سياسي للحكومة وحصريا في مسألة وقف الحرب على غزة والضم الزاحف في الضفة ووقف العنصرية وسياسات التطهير العرقي في الداخل الفلسطيني.لا تتوفر احتمالات تغيير جوهرية اسرائيليا، بل ان البدائل الاكثر احتمالية هي في حكومة يمين وسط ، وكل توقع اكثر من ذلك يندرج في الوهم السياسي.

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة