غزة بين خطط الاحتلال والاقتلاع وحرب الإبادة

كل العرب
نُشر: 23/09/25 15:27

تبدو الأوضاع في خضم هذه الأيام في قطاع غزة على مفترق طرق خطير، حيث تتجه بقيادة حكومة بنيامين نتنياهو، نحو فرض سيطرة عسكرية واحتلال كامل لقطاع غزة. فعلى الرغم من ادعاءات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بأنها تسيطر بالفعل على ما يزيد عن 70% من مساحة غزة، إلا أن هناك إجماعًا في المستويين العسكري والسياسي على المضي قدمًا بعملية واسعة النطاق تهدف إلى إخضاع القطاع وسكانه بالكامل. ويبدو أنّ هذه العملية، التي طال الحديث عنها خلال الأشهر الماضية، لن تأتي على شكل هجوم مباغت، بل بدأت بالفعل قبل أسبوع في الخامس عشر من أيلول من هذا الشهر كحملة عسكرية متدرجة تُرسم خطواتها بعناية وتهدف بالأساس إلى احتلال وإخضاع غزة المدينة وتدمير معالمها بناياتها ومؤسساتها وطرد السكان كليا منها، الأمر الذي يحمل بطياتها مخاطر كبرى على السكان المدنيين وعلى الاستقرار الإقليمي والدولي.

وتشير المعطيات حتى هذه اللحظة إلى أن إسرائيل تسعى لتحقيق ما تسميه "السيطرة المطلقة" من خلال خطوات متتابعة، بدأت بتدمير البنية التحتية للقطاع. وقد ركز الجيش الإسرائيلي على استهداف المباني العالية والابراج السكنية والتي تتفاخر إسرائيل بتدمير أكثر من سبعين برجًا حتى الآن، من أصل 150 برجًا في غزة، بزعم وجود عناصر من حركة حماس بداخلها. لكن الهدف الأعمق هو محو أي مقومات حضرية أو إنسانية قادرة على دعم الحياة الطبيعية للسكان هناك.

وتتضمن الخطة أيضًا حصار مدينة غزة وقطع المياه والكهرباء عن شمال القطاع، في محاولة لدفع السكان إلى النزوح الجماعي نحو الجنوب. ووفقاً للتقديرات، فإن المرحلة التالية قد تشمل طرد جميع المدنيين من شمال القطاع وتحويل المنطقة إلى منطقة عسكرية خالية من السكان، حيث يدفعون بغالبية السكان الى جنوب القطاع وإلى منطقة المواسي حيث يجمعون بشروط غير إنسانية في الخيام المؤقتة بدون أي بنية مدنية او إنسانية تذكر وتعتبر هذه الرؤية قديمة اقترحها بعض الجنرالات سابقا، تقوم على قاعدة "عدم ترك أي إمكانية للعيش أو الحياة" في منطقة شمال غزة وهو ما يفتح الباب أمام توصيفات دولية تتعلق بالتطهير العرقي والإبادة.

ويمكن القول إن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي تقوم بتنفيذ تلك العملية تبقى مترددة إزاء مثل هذا الهجوم الكاسح على القطاع. فالمخاوف تتمثل في الدخول بمواجهة مباشرة مع مقاتلي حماس وفصائل المقاومة الأخرى، وهو ما قد يفتح الباب أمام حرب عصابات طويلة الأمد تستنزف الجيش الإسرائيلي. وعلى الرغم من تطمينات القيادات العسكرية للحكومة بأن العملية يمكن أن تُحسم سريعاً، إلا أن الواقع يشير إلى حرب مفتوحة يصعب التنبؤ بمدتها أو نتائجها، خاصة مع احتمالية توسعها إلى جبهات أخرى. وفي مقابلة مع أحد الجنرالات الذي شغل قائداً لإحدى ادارة قيادة الأركان سابقا في القناة الأولى للراديو الإسرائيلي في 9 أيلول حذر من مغبة مثل هذا الاحتلال الذي يشنه الجيش في هذه الأيام، ويقول إنه من المؤكد لن يحقق الجيش الإسرائيلي أهدافه ولن يُخضع حركة مقاومة كحركة حماس كونها ستشن حرب عصابات قوية ضد الجيش تكبده خسائر ضخمة. ويتوقع أن تستمر العملية، أي عملية الاحتلال، أكثر من عامين أو ثلاثة أعوام بدون تحقيق أي هدف يذكر، لأن الجيش سوف يدير عملياته داخل البنية السكانية وسوف يكلفه الكثير إضافة الى الخسائر السياسية والعسكرية والمعنوية لإسرائيل.

كما لا يمكن عزل هذه العملية، أي عملية الاحتلال، عن المشهد الإقليمي. فهناك مؤشرات على احتمال تصعيد في لبنان، اليمن وإيران، إضافة إلى حسابات حساسة على الجبهتين المصرية والأردنية. وأي خطأ في الحسابات قد يؤدي إلى انفجار أوسع في المنطقة.

وعلى الصعيد الدولي فإن إسرائيل تواجه عزلة دولية متزايدة، بحيث تعالت الأصوات في أوروبا وآسيا ضد ما يجري في غزة، وصولاً إلى خطوات عملية تمثلت في إعلان أكثر من170 دولة نيتها الاعتراف بدولة فلسطين بنهاية الشهر الجاري، ردًا على تعثر حل الدولتين وإصرار إسرائيل على الحسم العسكري والقيام بعمليات ضم مستهجنة بالضفة الغربية.

أما الولايات المتحدة، الحليف الأبرز لإسرائيل، فهي تجد نفسها في موقف معقد. فبينما تستمر الإدارة الأمريكية في تقديم الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل، فإن الضغوط الداخلية تتصاعد نتيجة تغطية الإعلام والجدل المتفجر في شبكات التواصل الاجتماعي هناك في الولايات المتحدة، حيث تتسع دائرة الاستنكار لما يُنظر إليه على أنه إبادة جماعية بحق المدنيين الفلسطينيين. ويمكن القول ان هذا التحول بدأ يؤثر بالفعل على النقاشات داخل الإدارة الأمريكية، التي بدأت تبحث عن تسوية شاملة تفرض على كل من إسرائيل وحماس وقف الحرب، ولكنها في نهاية الأمر تكون لصالح اسرائيل.

ووصف عدد من المحللين والسياسيين الدوليين ان ما يجري في غزة في هذه الأيام هو بمثابة إبادة جماعية غير مسبوقة. فقد أكد البروفيسور جورج ميرشهايمر وستيفن والت من جامعة هارفرد أن السياسة الإسرائيلية الحالية تتجاوز حدود أي عملية عسكرية تقليدية، لتصل إلى مستوى الإبادة المنظمة. كذلك أشار الضابط الأمريكي السابق أنتوني أغيلاري، والذي عمل في توزيع المساعدات الانسانية داخل غزة، إلى أن ما يفعله الجيش الإسرائيلي يتطابق مع ممارسات الإبادة الجماعية.

ورغم قتامة المشهد، لا تزال هناك إمكانية لإنهاء الحرب عبر ضغوط دولية متزايدة، خاصة من الولايات المتحدة وأوروبا. أما السيناريو الأكثر واقعية فيتمثل في التوصل إلى صفقة شاملة توقف العمليات العسكرية، مقابل ترتيبات أمنية وضمانات سياسية، لكن بقاء الحرب من دون تدخل جاد يفتح الباب أمام مرحلة استمرار هذا العدوان الغاشم على قطاع غزة والمضي في إقامة حكم عسكري إسرائيلي طويل الأمد في القطاع من الصعب أن يتحقق.

وتقع غزة اليوم أمام منعطف تاريخي. فإما أن تستمر إسرائيل في فرض واقع عسكري دموي يهدد بترسيخ سياسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، أو أن تتدخل القوى الدولية بصرامة لإجبار إسرائيل على وقف الحرب. فما يجري لا يهدد الفلسطينيين وحدهم، بل يفتح جروحًا في النظام الدولي ويعيد إنتاج أزمات كبرى في الشرق الأوسط قد تتفاقم لعقود قادمة بين العديد من الأطراف، ومن المهم أن تقوم الدول المجتمعة في الأمم المتحدة في نهاية هذا الشهر بإيقاف هذا النزيف الدموي وفرض نوع من السلم الإقليمي.

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة