الذكرى السابعة لشاعر صديق
بقلم:ناجي ظاهر
نقل الينا الفيسبوك، صبيحة يوم الاثنين، الاول من تشرين الاول 2018، خبر وفاة الصديق المتادب الشاعر عدوان ماجد اغا عنبتاوي، من سكان مدينة الناصرة، ومن الاصدقاء المقربين للعديد من اهل الادب والفن. في البداية فزعنا بامالنا الى تكذيب الخبر، كما فعل ابو الطيب المتنبي، حين بلغه نبأ وفاة عزيزة عليه، الا اننا ما لبثنا ان تقبلنا الخبر بعد ان اجرينا عددا من الاتصالات باخوان له واصدقاء مقربين.
ولد المرحوم عدوان ماجد في الناصرة عام النكبة 1948، وفي العام ذاته استشهد والده ماجد عنبتاوي اغا، في معركة الشجرة الشهير، جنبا الى جنب مع صديقه وبلدياته الشاعر عبد الرحيم محمود، الامر الذي اثر على الطفل الابن عدوان اصعب تأثير، وصعب عليه بالتالي الحياة اكثر فاكثر. طفولة عدوان كانت صعبة قاسية، ولم تكن تختلف عن حيوات الكثيرين من ابناء جيله كثيرا وان كانت فاقتها صعولة وقسوة، لاسباب ليس هنا موقع ذكرها.
التقيت عدوان اول مرة في بفاعتي الاولى، فقد جمع بيننا حي واحد، هو الحي الشرقي من بلدتنا المشتركة الناصرة. كان عدوان طالبا في جامعة القدس، وصادف ان التقى ابان تلك الفترة قريبا له يعيش في الشتات العربي، في قبرص، وما ان عاد الى البلاد حتى القت السلطات الاسرائيلية القبض عليه بتهمة اللقاء مع عدو، وجاءت النتيجة المريعة، اودعت هذه السلطات عدوان سجنها، ليقضى هناك اشهرا قاربت السنة.
في هذه الفترة جرت مراسلات بيني وبينه. تحدثت فيها عن الناصرة بلدتنا الحبيبة المشتركة، وتحدث فيها بدوره عن السجن واجوائه، واذكر انه قرأ على اترابه السجناء احدى رسائلي اليه، فسالوه كما اخبرني في رسالة تالية، انه توجد لدى صديقك قدرة غير عادية على السرد.. لماذا لا يكتب القصص.. فاخبرهم ان صديقه. انا. كاتب قصص طالع في حينها. لقد الح عدوان علي لاصدار هذه الرسائل ضمن كتاب.. الا انني لم اوفق.. وقد افعل ذات يوم.
كان عدوان في تلك الفترة شعلة متقدة من الحماس الادبي، وقد اصدر عدة نشرات ادبية، توجها بكتاب ضمنه مواد ادبية له ولاصدقائه من الكتاب والشعراء الجدد اطلق عليه اسم "مشاعل في طريق الادب"، ومما اتذكره من هذه الفترة، انه عمل مدة قصيرة مصححا في صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية. بعدها تعرف الى الصديق المشترك له ولي الاديب المرحوم عرفان ابو حمد، ومما اتذكره ان علاقات طيبة ربطته بادباء وشعراء تلك الفترة امثال نزيه خير ونواف عبد حسن، وكاتب هذه السطور، وطالما جلسنا في حديقة بيته في الحي الشرقي نتجاذب اطراف الحديث الادبي ونحن نشرب القهوة من صنع يدي والدته رحمها الله. اعترف انني كنت في تلك الفترة مفتونا بالمقدرة الابداعية لدى عدوان، فقد كان مطلعا على الشعر العربي الحديث خاصة، وكان يكثر من ترداد العديد من اسماء شعراء تلك الفترة وما قبلها بقليل امثال بدر شاكر السياب. نازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي.
في اواسط السبعينيات شهدت حياة عدوان صخبا غير مسبوق، فاضطر للاقامة في غرفة مستأجرة في خلفية بيت الصديق الراحل الشاعر ادمون شحادة طابت ذكراه، وقد اكتشف في هذه الفترة عالم الارمات فانكب يكتب الواحدة منها تلو الاخرى، ما وفر له دخلا وفيرا، وقد اصدر في هذه الفترة مجموعته الشعرية اليتيمة تحت عنوان "ملحمة الخلق"، ولم يصدر بعدها اية مجموعة ذات شان، باستثناء مجموعة شعرية كتبها باللغة العبرية واصدرها له مؤخرا صديقنا المشترك الكاتب الشاعر حسين فاعور، ابن قرية الحسينية، ضمن منشوراته الادبية "المل".
اعود الى المسيرة اليومبة لحياة عدوان، فارى انها شهدت في اوائل السبعينيات تحولا.. من كتابة الشعر الى كتابة الارمات، وهنا تفرقت بنا السبل. هو ذهب الى عالم كتابة الارمات وانا واصلت رحلتي مع الادب، وبقينا متباعدين كل يعيش حياته المختلفة عن حياة صنوه، الى ان جمعنا عدد من المجالس بعد فراق، مثل مجلسي صحيفة "الاخبار" ومجلس "صالون نهى قعوار الادبي"، ورغم أن وضع عدوان المادي بعد كل تلك السنوات كان افضل من وضعي بما لا يقاس، فقد كان يمتدحني ويمتدح اصراري على المضي في طريق الادب الموحش.. مثله في هذا مثل طريق الحق.
في العقد الاخير ابتدأ المرض يهاجم عدوان بين الفينة والاخرى.. الى ان قضى عليه.. صبيحة اليوم.
عدوان الشاعر
تعتبر المجموعة الشعرية اليتيمة "ملحمة الخلق"، لعدوان ماجد، مجموعة شعرية جيدة.. وجيدة جدا، وقد حفلت بنفس شعري مثير. ومما قاله عدوان من شعر اذكر عن ظهر قلب، مقاطع منها، ما زلت ارددها حتى اليوم. مثل:
عندما كان احبائي عرايا
كنت ثوبا مهملا فوق الطريق
او مثل:
انني خنت جميع الخائنين
فاذا ما مت يوما
فخذوا منهم بثأري..
وهناك مقطع شعري لعدوان يلخص معاناته التاريخية الانسانية الملحمية هو:
احبيبتي
امضيت عمري والهروب هو الهروب
امضي فتخدعني الدروب
واتوه في برد غضوب..
يوم انصرف عدوان في فترة مبكرة من حياته، الى عالم الاعمال وبعده التدريس، تاركا الشعر وراءه ثوبا مهملا فوق الطريق، قلت ان الشعر خسر شاعرا مجيدا.. وها انا اليوم، بعد رحيل عدوان، اجدني اردد نفس القول، مضيفا اليه مطالبة بسيطة تحتمها اللحظة.. لحظة الفراق الاخير المر، مفادها سؤال بسيط هو: هل سيعيد ورثة عدوان طباعة مجموعته الشعرية ملحمة الخلق؟ اذا وجد هذا السؤال ردا طيبا.. اؤكد انني على استعداد لمراجعة هذه المجموعة. ومتابعة طباعتها، من البداية حتى النهاية.. فهذا ابسط ما يمكن ان اقدمه لصديق احزنني قليلا وافرحني كثيرا..
رحم الله عدوان.. فقد كان اشبه ما يكون بشهاب شعري محلق.. الا انه ما لبث ان خبا بسرعة محزنة.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency