الحرب والدمار ليست وحدها ما يثقل كاهل الغزيين اليوم، فهناك جرح آخر يتعمق بصمت داخل المجتمع: صراع متصاعد بين حركة حماس وبعض العائلات المحلية الكبرى، يهدد النسيج الاجتماعي الذي طالما كان أحد أبرز مقومات الصمود في غزة.
الحادثة الأخيرة في خان يونس، حيث اتُّهمت وحدة "البهاء" التابعة لحماس بمهاجمة منزل لعائلة المغيدة، لم تكن مجرد واقعة عابرة، بل فجّرت غضباً واسعاً في أوساط الناس، لأنها كشفت عن أزمة أعمق بكثير: أزمة الثقة بين القيادة والمجتمع.
كثيرون باتوا يتساءلون: كيف يمكن لحركة انطلقت بشعارات "المقاومة" و"حماية الشعب" أن تتحول إلى جهة تُمارس العنف بحق من يفترض أنهم أبناؤها؟ وهل يُعقل أن تعيد إنتاج ذات الأساليب التي طالما انتقدت الاحتلال بسببها؟
الانتقادات لم تتوقف عند العائلة المتضررة، بل امتدت إلى مواطنين يرون أن حماس ابتعدت عن قيمها الإسلامية التي بشّرت بها في بداياتها، وباتت – في نظرهم – أقرب إلى سلطة تسعى إلى فرض هيبتها بالقوة بدلاً من كسب ثقة الناس. أحد وجهاء غزة لخّص المشهد قائلاً: "المقاومة الحقيقية تبدأ من احترام كرامة المواطن، لا من اقتحام بيته."
الخطير في الأمر أن هذا الصدام لا يحدث مع أفراد متفرقين فقط، بل مع عائلات لها جذور عميقة ونفوذ اجتماعي كبير، وهو ما يجعل تداعياته أكبر بكثير من مجرد حادثة أمنية. فالعائلات في غزة ليست مجرد وحدات اجتماعية، بل مؤسسات قائمة بذاتها، لها مكانتها ووزنها، وأي صدام معها قد يقود إلى قطيعة خطيرة.
المجتمع الغزي يعيش اليوم تحت القصف والحصار، ويعاني من نزوح ودمار وانهيار في مقومات الحياة. وفي خضم هذه المأساة، يرى الناس أن آخر ما يحتاجونه هو مواجهة جديدة تأتي من الداخل. ومع ذلك، يبدو أن الحركة ماضية في نهجها الأمني، وكأنها لم تدرك بعد حجم الشرخ الذي يتسع بين صفوفها وبين جمهورها.
من الناحية السياسية، قد يكون ما تقوم به حماس محاولة لتأكيد سيطرتها الداخلية في وقت تتعرض فيه لضغوط خارجية غير مسبوقة. لكن المشكلة أن هذا "الإصرار على السيطرة" قد يتحول إلى نقطة ضعف قاتلة إذا خسر المجتمع ثقته. فالحركات التي تدّعي تمثيل الناس لا يمكن أن تبقى قوية وهي في خصومة مع جمهورها.
اليوم، السؤال الذي يطرحه الغزيون بمرارة هو: هل لا تزال حماس تمثل الشعب، أم أنها باتت تمثل سلطتها فقط؟ وإذا استمرت هذه المواجهة مع العائلات المحلية، فهل يمكن أن تنهار إحدى آخر ركائز الصمود الاجتماعي في القطاع؟
الإجابة ما زالت معلقة، لكن المؤكد أن أي حركة تفقد ثقة مجتمعها تكون قد وضعت أولى خطواتها نحو العزلة، مهما رفعت من شعارات المقاومة.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency